الجوائز العربية.. أداة مهدرة للتطوير والريادة!

من قسم منوعات
الإثنين 28 أبريل 2008|

للجوائز العامة أو المتخصصة قيمة لا ينكرها أحد في بناء المجتمع، لأن المجتمع المتقدم أو النامي يحتاج للتركيز على النجاح والتميز، ويحتاج آليات لتحقيق ذلك، والجوائز هي إحدى تلك الآليات.

كثير من الجوائز ساهمت في تطوير قطاعات بعينها، فكما ساهمت جائزة “بوليتزر” في تطوير الصحافة، وساهمت جائزة “أوسكار” في تطوير الصناعة السينمائية، فإن جوائز أخرى أقل شهرة وأكثر تخصصا أو أكثر محلية صنعت الأمر نفسه.

عندما يطمح الإنسان أو تسعى المؤسسة جاهدة لتحقيق جائزة ما، ثم يعطي المجتمع المؤسسة أو الفرد الأولوية بسبب الجائزة ويجعل طريقه ممهدا فهذا يعني تحول الجائزة إلى “فلتر” لتحديد أولئك الذين يعبرون من ضفة الاجتهادات إلى ضفة التميز.

العالم العربي محروم من هذه الجوائز، وباستثناء بعض الجوائز المميزة التي أثبتت مصداقيتها مثل جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، فإن باقي الجوائز لا تكاد تخرج عن إطار المجاملات والاتفاقات تحت الطاولة والاجتهادات المتخبطة التي تحرم المجتمع من القيمة الحقيقية لهذه الجوائز، بل وتصبح وسيلة سهلة لمن يملك المال أو العلاقات ليعبر للضفة الأخرى ويدعي تميزه أمام عموم الناس الذين لا يعرفون خفايا واقع الجوائز العربية.

هناك مقياس سهل يوضح مدى تميز الجائزة أو ضعفها، وهو مقياس لو طبقته على الجوائز العالمية ثم طبقته على الجوائز العربية لأدركت الفرق الكبير وسبب المشكلة، وهذا المقياس هو معايير الفوز بالجائزة.

عندما تكون معايير الفوز بالجوائز – كما هو الحال في “معظم” الجوائز العربية _ غامضة أو غير معلنة فهذا معناه أن هناك فرصة للتلاعب والمجاملات والانحياز والتأثر العاطفي والإقليمي في اختيار الفائزين.

كثير من الجوائز العربية تعلن أن هناك لجنة تختار الفائزين، وبعضها فقط يعلن أسماء أعضاء اللجنة “الموقرة”، ولكنك لو بحثت وسألت القائمين على الجوائز لافتقدت الإجابات على أسئلة حيوية مثل:

  • كيف يتم اختيار الفائزين بالضبط بما يضمن أنه ليس خيار ذاتي بل موضوعي بحت من طرف أعضاء اللجنة؟ ما هو التحديد العلمي للمعايير، فإذا قلنا مثلا “أن يكون العمل جديدا من نوعه” ما هو تعريف كلمة جديد، وهل هو تعريف دقيق جامع مانع exhaustive & exclusive، بحيث لو وضعنا الشيء نفسه محل التقييم أمام 100 شخص لوصل الغالبية منهم لنفس الإجابة؟
  • ما هي الإجراءات التي اتخذتها لجنة الجائزة للتأكد بأن الجائزة استعرضت كل الأعمال التي تدخل ضمن إطار الجائزة؟
  • متى تعتبر الجائزة “محجوبة”؟ أي ما هي المعايير التي تحددها لجنة الجائزة كحد أدنى لقبول عمل معين للجائزة بحيث لا يكرم من لا يستحق التكريم أصلا؟

المعايير مهمة لأنها هي التي تحدد مساهمة الجائزة في “فلترة” القطاع الذي تستهدفه الجائزة، فإذا اعتبرت جائزة إعلامية مثلا أن “الحيادية” هي أساس للفوز بجائزة ما، فإن هذا سيجبر القطاع الإعلامي للتعامل مع الحيادية بجدية لمن يرغب في نيل الجائزة والاستفادة من معاني التكريم المتضمنة فيها.

لقد تكاثرت الجوائز بلا ضوابط في كثير من الدول العربية _ والسعودية ليست واحدة منها _ وصار كل من يرغب قادر على الحصول على جائزة إذا دفع الثمن، بل إن البعض أسس جوائز في أمريكا أو أوروبا، تمنحها مؤسسة خيرية يملكها هو، ثم منح الجائزة لنفسه وأعلن في الإعلام أنه حصل على جائزة دولية.

هذا ما يجعلني أصل لنتيجة وهي أن السعودية تملك فرصة نادرة للمساهمة في علاج هذه المشكلة من خلال إطلاق سلسلة من الجوائز المتخصصة سواء كانت عربية أو محلية أو عالمية، بحيث تقوم على معايير مختارة بعناية ترقى لمستوى المعايير الدولية، وتكون معلنة للناس، وتكون كامل نتائج التحكيم معلنة كذلك، وهذا سيساهم في التنمية في العالم العربي بشكل عام، ويعالج مشكلة الفوضى في الجوائز، ويعطي للسعودية ريادتها في هذا المجال.

نحن أمة نعاني بلا شك من عدم القدرة على اختيار الناجحين ووضعهم في المناصب التي يستحقونها، ويصعب علينا اختيار المؤسسات التي تستحق التكريم، ولكن على الأقل ينبغي أن يكون لدينا الأدوات التي تقول لأولئك الذين شقوا الصخر وصعدوا: “أحسنتم”، وذلك بموضوعية وعدالة وشفافية خارج إطار “اللخبطة” العربية.

أتمنى أيضا أن تتوقف الأمة العربية عن صناعة العراقيل أمام الذين نجحوا يوما !!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية