أحد الأمور المزعجة في العلاقات الشخصية في الثقافات الشرقية بما فيها الثقافة العربية هي الغموض الدائم الذي يكتنف صداقاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية الكثيرة التي تحيط بنا من كل اتجاه.
تنظر في موبايلك فترى مئات الأسماء، يمكن تصنيفهم جميعا في دائرة الأصدقاء، ولكن عندما تحيط بك أمواج الدنيا وتبحث في اللحظة الحاسمة عن الصديق الحقيقي الذي يقف معك تجد أن مئات الأسماء هذه قد تقلصت لعدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة.
في كل يوم تقريبا يأتيك اتصال من شخص تعرفه ويعرفك، كنتم زملاء دراسة أو التقيتم صدفة في مكان ما، أو زميل عمل، يبدأ معك بعباراتنا الودودة، ويطلب منك اللقاء.
عندما تكون متوجها للقاء الشخص فأنت في الغالب لا تعرف ما يريد، هل هو يحبك فعلا، هل هناك مصلحة معينة في باله، هل يشعر بالملل واتصل بأي شخص يعرفه.
هناك دائما غموض في ما يريد الناس من حولنا وغموض في مدى حبهم لنا ومدى عمق صداقتهم معنا، ويحتاج الأمر دائما بعض الوقت حتى نجد إجابات على هذه الأسئلة.
في الثقافة الغربية، هناك وضوح أفضل بكثير رغم أنه وضوح جارح وأناني في بعض الأحيان، عندما تتصل بشخص ما، فهو يريد دائما أن يعرف بشكل مباشر وواضح ماذا تريد منه، هل تريد قضاء وقت لطيف في مكان خارجي؟ هل تريده في لقاء عمل؟ هل تحتاجه في مساعدة؟ هل أنتم أصدقاء فعلا؟
هذا لا يمنع أن تكون العلاقة ودية ولطيفة ومتواصلة، ولكن هناك وضوح، والناس عادة لا يغفرون أبدا خداعهم في هذا الشأن، فلو اتصلت لأنك تريد الخروج معهم للعب الجولف أو التنس أو البولنج، ثم اكتشف أنك تريده لمساعدة أو بشأن عمل، فهذا كاف عادة للغضب والانزعاج وانتهاء تلك الصداقة في الحال.
هذا لا يعني أن الناس هناك لا تحب أن تساعد، ولكن على الشخص أن يكون واضحا في أن هذا ما يريده، يريد من يساعده، أو يريد شخصا حكيما ليعبر له عن أحزانه وهمومه، المهم هو الوضوح، لأنه ببساطة يمثل الصدق في التعامل، وهي قيمة هامة في المجتمع الغربي.
أفتقد هذا الأمر كثيرا في علاقاتي الشخصية، وأظن أن هذه معاناة معظم الناس أمام حبنا للمجاملة وكراهيتنا لمواجهة الناس بالأسئلة، وتكون النتيجة أن نقع دائما في فخ فقدان الصدق في تعاملاتنا.
الغموض في علاقاتنا الشخصية لا يقف عادة عند هذا الحد، فأنت تذهب للقاء الشخص ولا تعرف هل سيأتي لوحده أم معه آخرون؟ ما هي عاداته الشخصية وإذا كانت مقبولة لديك؟ هل سيأتي في الموعد أم لا؟ هل ستعزمه أم سيعزمك؟ هل ستخبره بأسرارك أم تكون حذرا منه؟ ولو كنت حذرا فهل سيغضبه ذلك؟
في الثقافات الأخرى، الكل يأتي في موعده، وهناك وضوح في من يتحمل تكاليف الأكل، وهناك وضوح في التخطيط للأمسية أو اللقاء، كما أن هناك عادات واضحة جدا في التعامل بين الناس واحترام خاص للخصوصية والحرية الشخصية.
يصبح الأمر أسوأ في حالات الأقارب، فرغم أن الإنسان يحمل الود لكل أقاربه، إلا أن هذا الود يتحول إلى عبء أحيانا يضاف إلى عدم الوضوح والمجاملة الشديدة، الأمر الذي يجعل الكثيرين يهربون من أقاربهم لهذه الأسباب.
هناك نظرية شهيرة عن العلاقات الشخصية تقول بأن تطابق توقعاتنا عن الأشخاص والعلاقة معهم مع ما يحصل هو من أكبر العوامل في نجاح العلاقات الشخصية، بل إن هذه النظرية واسمها نظرية التوقعات Expectations Theory، تجعل هذا العامل هو الأهم في نجاح العلاقات الشخصية بما فيها العلاقات الزوجية والعلاقات الرومانسية.
إن الصداقة مرتبطة بالصدق، والصدق بهذا المعنى، أي معنى الوضوح الكامل شبه مفقود في الشارع العربي بسبب الضغط الاجتماعي وحب المجاملة، وهذا يجعل الحياة الاجتماعية صعبة أحيانا.
افتح دفتر هاتفك، وابدأ بفحص الأسماء، واسأل نفسك: لماذا أعرف هذا الشخص؟ هل نحن أصدقاء؟ لماذا يعرفني هو؟ هل ستستمر صداقتنا؟ وستفاجأ بالنتيجة.
دعونا نشعل أول الشمعات، ونمارس منتهى الصدق في علاقاتنا الشخصية، سيغضب البعض بلا شك، ولكن هذا قد يجعل حياتنا أجمل.
إذا أردت أن تفعل ذلك، فافعله بعد العيد، فليس من المعقول أن تفسد حياتك الاجتماعية في موسم رسائل التهنئة والمعايدات والمجاملات بلا نهاية ..!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية