السؤال المطروح في عنوان هذا المقال يستهدف الإجابة على نتائج مصادفة رمضان مع فصل الصيف خلال السنوات القادمة من ناحية تسويقية وإعلانية وتجارية.
فمن المعلوم لدى خبراء التسويق أن رمضان يعتبر شهرا مثاليا لإطلاق المنتجات والتسويق لها إذا توفرت الميزانية المطلوبة للإعلان التلفزيوني، لأن الدراسات التسويقية تثبت عاما بعد عام أن الناس يشاهدون التلفزيون خلال رمضان لعدد ساعات أعلى من غيرها من شهور السنة.
هذه الظاهرة حفزت المعلنين للاهتمام بالإعلان في رمضان، وبالتالي حفزت القنوات التلفزيونية على الاستثمار بشكل خاص في البرامج التلفزيونية التي يتم بثها خلال رمضان، مما يحفز بالتالي المزيد من مشاهدة التلفزيون لدى الجمهور.
من جهة أخرى، يتفق مدراء التسويق على أن الصيف هو أسوأ وقت لإطلاق المنتجات الجديدة وتدشين الحملات التسويقية وذلك لأن نسبة عالية من الناس في حالة سفر وإجازات، وحتى لو استمر الناس في مشاهدة التلفزيون في مدن غير مدنهم الأصلية فالمعلن لا يأبه كثيرا لمثل هذه المشاهدة بحكم أن الإعلان يؤتي ثماره عادة خلال الأيام القليلة التي تلي مشاهدة الإعلان، والناس عندما تسافر تتغير عاداتها الاستهلاكية وتؤجل معظم قرارات الشراء إلى حين عودتها إلى منازلها.
السؤال الذي سيطرح نفسه خلال الأعوام القادمة حين يتصادف رمضان والصيف ماذا سيفعل المسوقون والمعلنون؟
في الغالب ستعتمد إجابة هذا السؤال على موقف الناس من السفر خلال رمضان، ورغم أن نتائج الحملات التسويقية خلال رمضان هذا العام كانت ممتازة ولم تتأثر كثيرا بكون رمضان إجازة، إلا أن رمضان هو إجازة غير اعتيادية هذا العام بحكم أنه يصادف شهر سبتمبر حيث اعتاد الناس أن يكونوا قد عادوا من إجازاتهم.
في العام القادم سيدخل رمضان على شهر أغسطس، وهو شهر سفر في العادة، ولا أحد يعرف تماما كيف سيتعامل الناس مع الشهر الفضيل في الصيف: هل سيسافر الناس بحكم أن حر أغسطس سيدفع الناس للسفر للمناطق الباردة حتى يسهل الصيام، أم سيبقى الناس في بيوتهم بحكم أن السفر يكون عادة للتنزة وممارسة الأنشطة السياحية وهو أمر يتطلب جهدا قد لا يحبذه الصائم، هذا مع ملاحظة أن الصائم قد يفطر في حال سفره، وبالمقابل هناك من لا يفضلون الإفطار حتى لا يتحملوا مسؤولية قضاء الأيام الفائتة بعد ذلك.
العامل الآخر الذي سيحدد سفر الناس في رمضان هو كيفية تعايش الدول العربية السياحية مع الشهر الفضيل من حيث الأنشطة السياحية، وإن كانت ستستطيع تقديم أنشطة سياحية تجذب الناس لزيارتها وتتناسب في نفس الوقت مع روح الشهر الفضيل.
أعرف أن هذه كل هذه الأفكار بديهية لأكثر الناس، ولكن الحقيقة أن الحيرة تكاد تسود دوائر التسويق والإعلان في المملكة، وظهر هذا واضحا في التخطيط للحملات التسويقية في رمضان القادم.
قد يغير رمضان الصيف، ويتحول الصيف إلى موسم مناسب للتسويق بحكم أن عدد الذين سيسافرون في رمضان أقل، وهذه طبعا أخبار ستسعد شركات الإعلان والتسويق لأن هذا يعني موسما أطول للحملات الإعلانية والمحافظة على رمضان كموسم فريد من نوعه لترويج المنتجات والعلامات التجارية.
وقد يغير الصيف رمضان “من ناحية تسويقية”، ورغم أن هذا احتمال غير مرجح إلا أنه يعني ضعف حافز الشركات للتسويق في رمضان، والذي سينتج عنه ضعف حافز القنوات التلفزيونية للاستثمار في شراء البرامج وضعف حافز المشاهدين للمشاهدة.
لو حصل هذا الاحتمال، وهو كما قلت غير مرجح، فهذا يعني انتهاء ظاهرة رمضان التلفزيونية والإعلانية لسنوات عديدة قادمة، وقد لا تعود هذه الظاهرة مرة أخرى بعد أن يصبح رمضان أثناء الشتاء.
رمضان القادم سيكون أيضا فرصة مثالية لـ”السياحة الداخلية” من حيث تقديم البديل للسياحة الخارجية، ولكن هذا يتطلب إبداعا في تقديم الأنشطة التي تناسب الليل الحار في مساءات رمضان الجميلة.
بالمناسبة، ظاهرة موسم رمضان هي ظاهرة فريدة عالميا، حيث لا يوجد عادة شهر معين يمثل كثافة تسويقية وإعلامية وإعلانية، باستثناء شهر ديسمبر الذي يسبق إجازات رأس السنة في المجتمعات الغربية، ولكن نسبة زيادة الحملات التسويقية حاصلة فقط في قطاعات معينة مثل قطاع السياحة وقطاع الألعاب والهدايا.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية