يبدو مفهوم “الأعداء” وكأنه “حل مريح” للأمة العربية والتي تعاني من مشكلات عديدة يضعها في آخر السلم مقارنة بكثير من الأمم الأخرى على مختلف المستويات، وهذا الحل المريح تصاعد مع الزمن في الثقافة العربية حتى صار مركزا لها تدور حوله النظريات الفكرية والفرضيات السياسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية منها، وصار لا يمكن معالجة أي من القضايا العربية بدون الحديث عن دور الأعداء كعامل أساسي ومؤثر في تحديد أسباب المشكلة والحل لهذه القضايا.
هذا الوضع في رأيي وضع مرَضي يحتاج لجهود عشرات من السنين للتخلص منه تماما، وأعتقد جازما أنه من الصعب أن يقود العرب والمسلمون حركة بناء قوية وجادة وذكية بدون علاج هذه المشكلة لأن الإيمان بأن علاج كل مشكلة يمر بطريق “الأعداء” يعني القضاء على الثقة بالذات وإلغاء أهمية النقد الذاتي ويضعنا في دوامة من المثالية والإحباط والخوف والقهر والغباء في آن واحد.
وإذا كان الأعداء الذين اخترناهم أقوياء جدا بحيث يصبح من شبه المستحيل لأمة ضعيفة أن تهزمهم فمعناها أن ننتظر طويلا حتى نجد حلا لمشكلاتنا، ومعناها أن نرضى بالوحل إلى سنين طويلة قادمة.
قد لا تصدقني، ولكن أعط نفسك فرصة للتأمل خلال شهر قادم، تأمل فيها كل ما يكتب عن القضايا العربية، وستفاجأ بالنتيجة التي أتحمل مسؤوليتها: نحن ضعفاء لأن أعدائنا “يتربصون” بنا من كل جانب.
أنا لا أنكر وجود الأعداء، فهذا من سنن الكون التي لا تتغير منذ أن خلق الله آدم، ولكن ماهية العدو لا تهم أبدا، بل ما يهم هي “الثغرة” أو جانب الضعف الذي سمح للعدو أن يخترقنا من خلالها، ولأن ثغراتنا كثيرة فإن عدد “الأعداء” يتزايد بسرعة وتزداد أعذارنا معها بالطبع.
كنت مرة أتحدث في مجلس عن الضعف الاقتصادي الذي تعيشه الدول العربية، واستفزني شخص بقوله بأن العرب لم ينهضوا اقتصاديا بسبب القيود الغربية عليهم، وبعد نقاش بيزنطي طويل، قلت له: إذا كنت تحمل الغرب مسؤولية فشل العرب في كل جانب، فأخبرني من الذي يمنع شباب العرب من أن يقرؤوا الكتب أو يطوروا أنفسهم ومن يمنع الشركات العربية أن تكون مميزة ومتطورة أسوة بمثيلاتها في دول العالم الأخرى، ولماذا قرر الغرب أن تنهض آسيا ويفشل العرب؟
والغريب أن نظرية “الأعداء” تنتشر كذلك في الفكر الإسلامي المعاصر رغم أن القرآن الكريم أكد بشكل واضح على أن النصر في المعركة من عند الله والهزيمة بسبب الأخطاء الذاتية “من عند أنفسكم”، ولم يتحدث عن الهزيمة بسبب الأعداء على الإطلاق.
العرب ليسوا الوحيدين الذين يستخدمون حل “صناعة الأعداء” فحتى أمريكا صنعت ذلك من خلال صناعة أعداء مثل أسامة بن لادن والإرهاب، ولكن هناك فرق هائل بين أمة تصنع الأعداء لتبرر به ضعفها، وبين أمة أخرى تصنع الأعداء لتبرر به نشاطها والكيفية التي تريد بها معالجة مشكلاتها.
هدف هذا المقال سهل وبسيط. عندما تفكر في مشكلات العرب وقضاياهم وعندما تستمتع لمن يتحدث عنها وعندما يبتليك الله بقراءة بعض ما يجود به كتاب منتديات الإنترنت من غضب سطحي، تذكر أن المشكلة تبدأ من داخلنا وأن أحدا لا يستطيع أن يجعلنا نقع في الحفرة إذا أردنا فعلا تجنبها. هدف هذا المقال أن أطالب بتصحيح لكيف نفكر في العالم من حولنا كشمعة أولى لعلاج هذه المشكلة.
لكل قضية معطيات كثيرة جدا ويمكننا أن ننتقي منها ما يبرر تورط الأعداء فيها ويمكننا أيضا أن ننتقي ما يشير إلى مشكلاتنا الذاتية ونحاول معالجتها بالفعل، والطريقة الثانية هي في رأيي أجدى وأفضل في رفعنا من أوساط الركام.
في الأسبوع الماضي كتبت نقدا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورغم أنني أعتقد أن النقد كان هادئا وله حجة معينة فإن ردود الأفعال الهائلة التي وصلتني كانت غريبة جدا لأنها تدافع عن الخطأ بحجة عدم مساعدة “الأعداء” الذين يستهدفون الهيئة ويريدون زوالها.
سننتظر طويلا جدا قبل أن نحقق أي تقدم إذا أردنا أن نفكر بهذه الطريقة.
لولا عشقي للمنطق لقلت: “الأعداء” هم الذين اخترعوا فكرة “الأعداء”!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية