الـ«يام يامي» منكر !

من قسم منوعات
الإثنين 18 فبراير 2008|

في الأسبوع الماضي كنت في أحد المطاعم الصينية في الرياض مع صديقين جاءا للمطعم من قبل، ولما أحضر لنا النادل المطلوب قال له صديقي، وهو من عرفت عنه ارتياد مجالس العلماء، أين صرخة الـ”يام يامي”، فقالوا له بأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت للمطعم قبل أيام وقبضت على أحد العاملين بسبب الـ”يام يامي”.

اليام يامي ببساطة هي أنه عندما يقدم النادل أكلة التبنياكي الصينية يبدأ بدق أعواد الأكل على الصحون بسرعة وإيقاع معين ثم يصرخ في الأخير “يام يامي” والتي تبدو وكأنها عبارة تشير للذة الطعام والتمني بالشهية الطيبة.

في نفس اليوم التقيت بشخص آخر كان يعمل في مجال التسويق ضمن مهرجان “جدة غير” وقال لي بأنه عمل على مشروع “أكبر طبق كبسة في العالم” إلا أن الهيئة منعته من ذلك، وذلك على ما يبدو لأن الأمر يمثل مظهرا من مظاهر التبذير.

وأضاف هذا الشخص، بأنه بعد فترة بسيطة أقيمت حفلة “أكبر سلة فواكه” وهو لا يعرف بالضبط لماذا منع طبق الكبسة وسمح بسلة الفواكه.

وقبل أيام قليلة أيضا، بدأت الضجة العالمية حول منع مظاهر “عيد الحب” في الرياض، والذي تمثل بمنع بيع الورود الحمراء وغيرها، ووصلت الضجة لصحف مثل نيويورك تايمز، وخاصة أن وكالات الأنباء العالمية تناقلت الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم “شخصيا أحصيت 180 موضوع نشرت باللغة الإنجليزية في الصحافة العالمية عن الموضوع خلال الأيام القليلة الماضية منها مقال في جريدة يو إس توداي الأكثر انتشارا في أمريكا يقول: إنذار أحمر: السعودية تحظر لون الفالنتين”.

في هذا المقال لا أهدف على الإطلاق لتحديد ما إذا كان هذا صحيح أم خطأ من الناحية الشرعية، فهذا نقاش طويل له رجاله من الفقهاء وولاة الأمور الذين يقدرون هذه المسائل، وهناك دائما اجتهادات متعددة في أي من هذه الأمور، ولكنني ذكرت هذه الأمثلة لكونها كلها تتعلق بقضايا “خلافية” تتعدد فيها الآراء وتقدير المصالح والمفاسد، وهي لا تمت للمنكرات الرئيسية المحددة في الدين الإسلامي بصلة.

لقد أجمع علماء الشريعة على أن الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعلق بما يجاهر به الناس مما أجمع على تحريمه، ويقول أحد الفقهاء المعاصرين أن المذاهب الأربعة أجمعوا على أن النهي عن المنكر لا يجب فيما لم يُجاهر به ولا ينبغي فيما لم يُجمع على تحريمه.

وهناك قاعدة شرعية أخرى أكد عليها ابن تيمية، رحمه الله، تشير إلى أن النهي عن المنكر يجب ألا يقود إلى منكر أسوأ منه.

لو نظرنا إلى هذه القواعد الشرعية لربما تمهل المرء في قضية “عيد الحب” لأن المنكر لا يجاهر به في هذه الحال، ولأنه يؤدي إلى انتشار عالمي لصورة سيئة عن الإسلام حيث لم يفهم العالم بعد منطق المسلمين في تحريم الأشياء.

ولو نظرنا لأمور كثيرة يتم النهي عنها من قبل الهيئة مثل الـ”يام يامي” لوجدنا أنها قضايا خلافية ليس فيها رأي موحد ولذلك تراها موجودة في أماكن وغير موجودة في أماكن أخرى حسب رؤية رجل الهيئة المسؤول عن الأمر.

أظن أننا في زمن تسقط فيه الإبرة على الأرض في الرياض فنقرأ عنها في اليوم التالي في لوس أنجلوس، وفي زمن ازدادت فيها احتياجات الناس للترفيه وتنوعت مشاربهم وانفتحوا فيها على ثقافات أخرى، وصار من الصعب الالتزام الحرفي بكل ما قد يكون “غير مناسب” عرفا أو شرعا، وصار على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنظر للقواعد الشرعية الكبرى وتسعى لإيجاد رؤية جديدة لما يؤمر به وما ينهى عنه تتوافق مع هذه القواعد ولا تؤدي إلى حالة من الإحباط لدى الشباب ولا إلى إساءة لصورة الإسلام والمملكة عالميا.

رأيت كثيرا من الأسر السعودية تأتي إلى دبي للتسوق من نفس المحلات الموجودة في الرياض وذلك لأن غرف القياس للنساء ممنوعة في الرياض، أو لأن بائعي الملابس النسائية من الرجال فقط، وهي كلها قضايا خلافية الاجتهاد فيها مفتوح والآراء فيها متعددة.

نحن في زمن العولمة، حيث يمكنك أن تسافر لتفعل ما تريد عندما لا تجده في بلدك، وفي زمن الترفيه المتواصل، وفي زمن الإعلام الذي يسمع ويكتب عن كل شيء، وفي مثل هذا الزمن، جدير بنا أن نفكر في أبعاد القرارات التي تبدو وكأنها تحافظ على التقاليد الإسلامية ولكنها في الحقيقة تسبب آثارا سلبية أكبر بكثير على المدى الطويل.

الهيئة في رأيي تحتاج لمؤتمرات تفكير وتأصيل شرعي وتوعية لرجالها وإيجاد أطر جديدة لكيفية تعاملها مع الناس ضمن قواعد الشريعة الإسلامية.

أرجو من الهيئة كذلك أن تسمح بالـ”يام يامي” لترفيه أصدقائي !

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية