الطريق إلى العلوم: بين جامعة الملك عبدالله و«الخيال العلمي»

من قسم منوعات
الإثنين 16 يونيو 2008|

لم أستطع أن أخفي ذهولي وأنا أسمع تفاصيل خطط جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، في مجال البحث العلمي، فهي تشبه الأحلام التي طالما رددها أولئك الذين يبحثون عن طفرة للأبحاث والدراسات العليا.

كان د. جميل دندني، أحد المسؤولين عن مشروع الجامعة الواعدة التي تمثل إنجازا مستنيرا آخرا من إنجازات خادم الحرمين الشريفين، يحدثني عن الترتيبات التي تتم في الجامعة الجديدة لإطلاق تلك المسيرة البحثية وأفكاري تتطاير في كل اتجاه فرحة بهذا الإنجاز الذي يتجاوز ما كان يطالب به الكتاب والمتخصصون نحو تطوير البحث العلمي، وأنا أجزم أن الجامعة، في حال استطاعت تنفيذ خططها، ستكون مفخرة عربية من جهة، وكيانا يساهم في نقلة مميزة للعلوم في بلادنا من جهة أخرى.

لكن وجود جامعة للدراسات العليا ذات تركيز على الأبحاث في مجال العلوم هو خطوة أولى في طريق طويل نحو بناء ثقافة مجتمعية عامة تعشق العلوم وترى فيها سبيلا للنهضة والعطاء والنمو الشخصي والمتعة في آن واحد.

وأنا هنا أستخدم كلمة “العلوم” لأربطها بالدلالة الشائعة لها لأقصد بذلك الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم البيولوجية والجيولوجيا والفلك وغيره.

مثل هذه العلوم تعاني من انحسار هائل في جامعاتنا لأن الطلبة المميزين والطامحين يهربون منها في اتجاه الطب والهندسة من جهة أو في اتجاه إدارة الأعمال والتسويق من جهة أخرى، ليبقى لها قلة ممن يعشقون تلك العلوم أو أولئك الذين لم يجدوا تخصصا آخر وأخبروا بأن الحصول على وظيفة “مدرس علوم” بعد التخرج سيكون أمرا سهلا.

أحد الأساليب المميزة لنشر ثقافة عامة تعطي العلوم قدرها وترى فيها مهارة عقلية راقية وسبيلا وطنيا للنهضة وتحديا نحو العطاء هي “الخيال العلمي”، وأعني بذلك تلك الكتب والروايات التي كتبت بأسلوب سهل جذاب وترتكز حول تطور العلوم المستقبلي وما يدور حول ذلك من أبحاث.

كان لهذه الروايات والكتب أثر السحر في انتشار حب العلوم في الغرب، وذلك لأنها كتبت بأسلوب سهل يجعلها تصل ليد الجميع بمن فيهم الناشئة في المدارس، ولأنها ترسم آفاقا حالمة لما يمكن أن يحققه باحثو العلوم، فروايات مثل “عشرون ألف فرسخ تحت الماء” للكاتب الفرنسي جول فيرن، والتي توقع فيها في عام 1870 ظهور الغواصات في تفاصيل مدهشة _ وكأنه يرى المستقبل _ وتحدث فيها عن الصواريخ والطائرات النفاثة، أو روايات هربرت ويلز التي توقع فيها صعود الإنسان إلى القمر، في عام 1901م، كانت ببساطة تتستخدم الخيال لترسم أهدافا مستقبلية لباحثي العلوم لينطلقوا بلا هوادة نحو الإنجاز.

لاحقا ازدهرت روايات وكتب وفلسفات الخيال العلمي بشكل مذهل وصارت جزءا من الصناعة السينمائية والتلفزيونية الغربية، وما زال كتاب الخيال العلمي العظماء مصدر إلهام للطلبة الذين يحبون الفيزياء والكيمياء والرياضيات ويملؤون ليلهم ونهارهم بمتعة التعامل مع المنطق والنتائج العلمية والتحديات العقلية.

لدينا عدد جيد من كتاب الخيال العلمي العرب، ونحتاج للمزيد، ونحتاج لدمج جهودهم مع جهود من يفهمون العلم بشكل دقيق ويتابعون تطوراته العالمية والأحاديث عن آفاقه المستقبلية، كما نحتاج أيضا لدمج جهودهم مع أولئك الذين يسعون لنشر ثقافة العلوم بين النشء اليوم.

كتبت يوما بأن كثيرا من الشباب يعاني من الفراغ القاتل مع ضعف وسائل الترفيه المقبولة وقلة الإقبال على العمل في وظائف الصيف، وأعتقد أن أحد أجمل البدائل هو انتشار الأندية العلمية التي قد تبدأ بحلقات مشتركة للخيال العلمي والتدرب عليه وقراءة كتبه ومشاهدة أبرز أفلام الخيال العلمي ثم المشاركة في التمارين العلمية الجماعية، والتي يمكن ببساطة الحصول على تفاصيلها من خلال بعض الكتب الغربية، وربما لاحقا المشاركة في المسابقات العلمية العالمية التي تعقد عادة لمثل هذه الأندية.

بعض الشباب يمتعهم أن يقضي وقتا يحاول فيها الإجابة على معادلة رياضية معقدة بعدة مجاهيل، أو التعامل مع مسألة كيمياء أو فيزياء تشترك في إجاباتها عددا من القوانين والاعتبارات، والبعض الآخر يعشق مبدأ الاختراع، وآخرون يحبون الغوص في علوم الأحياء، ولكن فرص هؤلاء في الاستمتاع الحقيقي بهذه الهوايات محدودة جدا مع قلة عددهم وعدم توفر النشاط الجماعي المشجع وسخرية الأقران، الناتج عن الثقافة الاجتماعية غير المشجعة، وتوفير فرص تبدأ في الصيف وتنتهي عبر مختبرات المدارس أمر له قيمته الهائلة في اجتذاب هؤلاء الشباب وتهيئتهم لمقاعد الجامعات والمراكز البحثية مثل جامعة الملك عبدالله القادمة إلى الساحة.

أقترح على الجامعة أن تهيئ نفسها لدور اجتماعي في نشر حب العلوم لأن هذا ما سيضمن لها اجتذاب الطلبة المميزين لمقاعدها والنجاح في تحقيق مهمتها.

قد تكون البداية في إطلاق جائزة للخيال العلمي!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية