العنوان أعلاه مسروق من عبارة شهيرة للصناعي الأمريكي هنري فورد، مؤسس شركة فورد للسيارات، والذي قال: «إذا كنت تعتقد بأنه يمكنك فعل شيء ما أو تعتقد أنه لا يمكنك فعل شيء ما فأنت على حق»!
فورد يقول بطريقة أخرى بأن الأفكار التي نحملها عن أنفسنا وكيف نتوقع مستقبلنا ومهاراتنا وإنجازاتنا وعيوبنا وغير ذلك من ردود فعلنا النفسية تؤثر بشكل حاد في سلوكنا فعلا، أي أننا نتبع تلك الأفكار حتى لو كانت خاطئة، فإذا كان الإنسان يعتقد بأنه لا يستطيع تعلم أمرا جديدا ما مثل اللغة الإنجليزية حتى لو كان مخطئا وحتى لو كانت لديه موهبة تعلم اللغات السريعة فإن اعتقاده عن نفسه يؤثر عليه ويجعله فعلا غير قادر على التعلم.
العكس أيضا صحيح حسب عدد من النظريات النفسية التي تربط بين السلوك والتصور الذاتي لدى الإنسان عن نفسه، فإذا آمن الإنسان بأنه يستطيع النجاح وتجاوز العقبات الصعبة ولم يتردد في خوضها على هذا الأساس فإن هذا في الغالب يعني أنه سيستطيع تحقيق ذلك ما لم تأت ظروف خارجة عن إرادته.
الدراسات النفسية التي ناقشت هذه القضية تقول بأن النساء يقعن ضحية آرائهن الذاتية عن أنفسهن أكثر من الرجال، وذلك لأن من طبع المرأة أن تأخذ موقفا حادا من نفسها _ إيجابيا أو سلبيا _ أكثر من الرجل، فالمرأة تظن نفسها جميلة فتندفع متصرفة مع الآخرين على هذا الأساس ويترك هذا أثرا رائعا على شخصيتها لدرجة أن الآخرين يقتنعون فعلا بأنها جميلة، وقد تظن نفسها قبيحة فتتأثر بذلك إلى درجة أن هذا يؤثر فعلا على شكلها حتى يراها الآخرون قبيحة فعلا.
الجمال والقبح هنا هي مجرد أمثلة طبعا، وإلا فهناك عشرات الأمور التي نواجه بها أنفسنا كل يوم ونتخذ قرارات حول أنفسنا بشأنها، وهي قرارات تؤثر في سلوكنا في الحقيقة أكثر مما نتوقع بكثير.
وإذا كانت هذه النظريات صحيحة، وهي نظريات لديها الكثير من الدراسات والتجارب العلمية التي تدعمها فإن هذا يعني أنه في كل مرة نشعر بشكل إيجابي حول أنفسنا _ حتى لو كنا على خطأ _ فنحن نقدم لأنفسنا وحتى للآخرين من حولنا خدمة عظيمة، وفي كل مرة نشعر بشكل سلبي حول أنفسنا _ حتى لو كنا على حق _ فنحن نسيء لأنفسنا ونفتح الباب للمزيد من ردود الفعل السلبية في حياتنا.
هذا يجب ألا يجعلنا نشعر بالخوف أو القلق، بل بالعكس تماما هذا يعني أن لدينا تحكما في مسار حياتنا أكثر بكثير مما نظن، ولكن الأمر يحتاج تلك النفس الشجاعة الإيجابية المحبة للحياة وللناس والقادرة على النظر بعين كلها هدوء وسلام وتفاؤل للعالم من حولنا.
أتحدث أحيانا مع بعض الأصدقاء فأجده ينتقي بعناية شواهد كثيرة تدل على أن الحياة سوداء قاتمة ليس فيها خير قط حتى يكاد يشعرك باليأس، وتتحدث أحيانا مع آخرين فتجدهم ينتقون كل الشواهد على أن الحياة تمضي من حسن إلى أحسن وأن كل دقيقة هي أجمل من سابقتها.
الشواهد التي يستخدمها كلا الشخصين _ المتشائم والمتفائل _ صحيحة، ولكن ما يحصل حقيقة أن لدينا في عقولنا “فلترا” حساسا يختار ما نريد أن نشعر به حول الحياة، فإذا كان الفلتر مضيئا منطلقا رأينا الأشياء الجميلة في الحياة، وإذا كان الفلتر نفسه أسودا مظلما منغلقا رأينا الأشياء القبيحة المظلمة في الحياة.
هذا ما يسميه العلماء بـ”الاستقبال الاختياري” Selective Perception، فنحن نختار مما حولنا ويؤثر هذا فينا حيث نبني صورة للدنيا من حولنا بناء على ما نختاره من مكونات ثم نصدق تلك الصورة ونروج لها ونتصرف في كل شيء على أساسها.
كتاب الحياة كتاب مليء بالتعقيد والتفاصيل والصفحات البيضاء والسوداء والزرقاء والخضراء والحمراء والرمادية، ولنا أن نختار ما نريد، ولكن اختياراتنا تؤثر على سلوكياتنا، ونحن نعيش حياتنا مرة واحدة فقط، يعتمد نجاحنا فيها على مشاعرنا النفسية وانطلاقنا نحو تحقيق أهدافنا وتحدينا للصعوبات، وهذا كله يحتاج للكثير جدا من القوة والتفاؤل والثقة في النفس.
أنت تماما كما ترى نفسك في المرآة !!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية