أنت تختار عمرك بنفسك: كيف يصبح العجوز شابا؟

من قسم منوعات
الإثنين 14 يناير 2008|

كثيرا ما يتندر الناس على حرص بعض النساء على ذكر أعمار أصغر من أعمارهن الحقيقية، ومبالغة بعضهن في ذلك، كما يتندرون على الرجل كبير السن الذي “يتشبب” فيركب سيارات الشباب ويلبس كالشباب ويرتاد الأماكن التي يرتادونها.

لكن هذا التندر هو جزء من الثقافة العربية التي تحاول دائما وضع كبير السن في زاوية محددة، تتوقع منه أن يكون وقورا جادا محافظا هادئا بلا طموحات ولا مشاريع ولا اهتمام بالذات ولا اهتمام مهني جديد.

هذه الثقافة التي يعاني منها المجتمع العربي بشكل حاد وبعيدا عن أي محاولة للعلاج ساهمت في حرمان الكثيرين في حياة جميلة عندما يكبرون ويقررون مجاملة المجتمع في توقعاته، والغريب أن جميعنا بمن فيهم الشباب والفتيات الذين يساهمون في هذه صناعة هذه التوقعات سنصبح يوما كبارا في السن، وسيعاملنا المجتمع بنفس الطريقة، إذا لم نغيره، فسيستكثر علينا الوظائف وحب الحياة ويطالبنا أن نمارس دور الأب والجد لا أكثر.

المجتمعات المتقدمة تعيش قصة مختلفة تماما في هذا الإطار، فقد ساهم تقدم الطب في ارتفاع معدل العمر الافتراضي للناس، حتى وصل في بعض المجتمعات إلى الثمانينات، وهذا أدى لتغيير ثقافة المجتمع فلا يعقل أن يطلب المجتمع من الناس أن يتوقفوا عن النمو والتطور وحب الحياة وتعلم الأشياء الجديدة عندما يصلوا إلى الخمسين من عمرهم، أي تقريبا قبل خمس وثلاثين سنة من الوفاة في المعدل.

وقد ساهم البحث العلمي في دعم هذه الثقافة الجديدة، فهناك أوهام لدى الناس أن كبير السن يجب أن يعيش حياته وسط الأمراض وأنه ضعيف الذاكرة ويصعب عليه تعلم الأشياء الجديدة ولا يمكنه ممارسة العلاقة الحميمة، وجاءت الأبحاث العلمية لتثبت خطأ كل هذا، وصار هناك عشرات الكتب التي تشرح كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياة جميلة وغنية بالعطاء والإنجاز والمتعة حتى في السبعينات والثمانينات.

أيضا بدأت هذه المجتمعات في سن قوانين ضد “العنصرية العمرية” بحيث لا يمنع كبار السن من العمل والأنشطة على اختلافها بسبب سنهم، وعلى صاحب العمل أن يكون لديه مبررات مهنية واضحة قائمة على اختبارات دقيقة تثبت أن الشخص المتقدم _ مهما كان عمره _ غير قادر على القيام بالوظيفة على أكمل وجه، كما لا يقبل أن يمنع شخص من العمل لأن “شكله غير مناسب” بسبب عمره بما في ذلك الأعمال في المطاعم والاستقبال وغيرها.

لكن “الحفاظ على الشباب” عندما يكون الإنسان كبيرا له متطلباته، فالإنسان يجب أن يكون ممن يعتني بصحته منذ شبابه ويحافظ عليها حتى يستمتع بها في كبره، كما تتطلب روحا وانطلاقة نفسية تجعله متعطشا للحياة والتعلم والحفاظ على المهارات العقلية والمهنية والعاطفية، وتتطلب وجود شريك الحياة الذي يساهم في صنع هذه الحقيقة، وأحيانا يتطلب وجود المجتمع الذي يتقبل هذه الروح المعطائة في تلك السن.

إن السن المتقدمة، كما يقول عالم النفس في جامعة هارفارد جورج فايلانت، في كتابه Aging well، عن كيفية إدارة الحياة عندما يتقدم العمر بالإنسان، قد تكون أجمل سنوات العمر إذا استطاع الإنسان ترتيب أموره والتحكم في حياته بالشكل المناسب.

في الأسبوع القادم سأتناول بعض التفاصيل التي تحدثت عنها الدراسات الغربية حول التقدم في العمر وكيفية الاستفادة منه بالشكل الأمثل وبعض النصائح التي قد تساعد في هذا المجال.

لقد بحث علماء الكيمياء طويلا عن “إكسير الحياة”، ذلك العنصر الخرافي الذي يمنحنا الشباب الدائم، ولكنهم لم يجدوه، ولكن ما وجده علماء النفس والاجتماع أن الإنسان قد يستطيع أن يستفيد من كل لحظات حياته تماما مثل الشباب، يملأها طاقة وعطاء وحيوية وإنجازا وإبداعا واستمتاعا.

أنت تختار عمرك، تستطيع أن تكون شابا دائما، وتستطيع أن تستعجل سنوات الخريف عندما تعلن تقاعدك المبكر عن اللحاق بتطور الحياة وتعلم أسرارها والاستمتاع بمباهجها.

أنت تملك ساعة الزمن !

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية