يقول الغربيون عن الإنسان الذي تصيبه الغيرة الشديدة بأن عيونه قد “اخضرت” لأن في التراث اللاتيني قصصا خرافية عن رجل تتحول عيونه إلى عيون خضراء كلما اشتدت غيرته على امرأته، فيهجم بلا رحمة على خصمه.
في الأسبوع الماضي، تحدثت بالتفصيل عن شعور الغيرة، وشرحت لماذا يلقى هذا الشعور اهتماما خاصا لدى علماء النفس والاجتماع والأديان والفنانين، وكيف يكون شعور الغيرة في بعض الأحيان معقدا ومدمرا.
هناك دراسات علمية عديدة تتناول الغيرة من وجهة نظر علم النفس، حيث تربط هذه الدراسات بشكل واضح بين الثقة بالنفس وبين الشعور بالغيرة، بحيث كلما تصاعدت الثقة بالنفس عند الإنسان كلما قل شعور الغيرة لديه، وكما هو معلوم، فإن الثقة بالنفس ليس لها بعد واحد، بل لها أبعاد عديدة، فقد يكون الإنسان شديد الثقة بنفسه عندما يتعلق الأمر بعمله، ولكنه قد يكون ضعيف الثقة بنفسه عندما يتعلق الأمر بعلاقته بزوجته مثلا.
وحتى ضمن العلاقة بالزوجة تتفاوت الثقة بالنفس في قدرته على إضحاكها مقارنة بقدرته على كسب إعجابها على سبيل المثال.
تقول الدراسات أن الغيرة عادة تكون قوية في هذا الجانب الضعيف من الإنسان، حتى لو لم يدرك الإنسان ذلك.
هناك أشخاص لديهم شعور بأنهم لا يستحقون زوجاتهم أو أزواجهم، أو بأنهم لن يصمدوا أمام منافسة الآخرين لهم، وهذا يسبب لهم الشعور القاسي والأليم بالخوف من فقدان الزوج والزوجة مما يجعل لديهم حب السيطرة على الزوج أو الزوجة من خلال الغيرة.
هؤلاء الناس يشعرون أحيانا أن عليهم أن يكونوا على بال شركائهم في الحياة طول الوقت، ويبذلون جهدا كبيرا لتحقيق ذلك.
هذا يفسر مثلا شعور بعض النساء بالغيرة من الأصدقاء الرجال لزوجها، وحتى غيرتها من عمله، فهي تسعى في عقلها الباطن لتحقيق السيطرة ولا تريد أن ينشغل فكر زوجها عنها ولو لحظة واحدة، وتعمل ليل نهار لتحقيق ذلك، وإن كانت هي لا تشعر تماما أن سبب غيرتها هذه هو حبها في السيطرة لتضمن أن زوجها لن يفكر في الخروج عن دائرتها ويهجرها في النهاية.
هناك نوع آخر من الدراسات العلمية تربط بين شعور الغيرة المفرط والمرضي وبين معاناة الإنسان في طفولته حين لا يحصل الإنسان على ما يحتاجه من حب الوالدين، أو حين يشهد حالة خيانة أو خلاف حاد بين الوالدين، أو حين يحصل طلاق وفراق بين الأب والأم.
واحد من أشد أنواع الغيرة سلبية هو شعور الرجل بعدم الثقة بزوجته، وما يحصل عادة أن هذا الشعور يبدأ لدى الزوج الذي يضايق زوجته بتلميحات عدم الثقة، فتلجأ هي للهرب منه وتجنب متابعته لها، وعندما يكتشف هو ذلك، تزداد شكوكه، وتزداد ملاحقته، ويزداد هرب المرأة منه، وتدخل الأمور في دائرة تصاعدية من السوء والشر.
على سبيل المثال، يشك الرجل في زوجته فيبدأ في النظر في موبايلها اختلاسا، هي عندما تدرك ذلك تضع كلمة سر على موبايلها، وهذا سيزيد غضب الرجل فيبدأ في تحدي زوجته التي تشعر بأن زوجها لا يثق فيها ويريد اختراق خصوصيتها وتبدأ في توجيه غضبها عليه، وهو بالمقابل سيشعر بأن هذا الغضب له سره الخفي، فتزداد غيرته وشكوكه ويبدأ هذا في توجيه ضربات قاسية للعلاقة الزوجية.
تقول الدراسات أنه في كثير من الحالات تسبب هذه الغيرة المفرطة في خيانة الزوجة لزوجها فعلا، والعكس صحيح، على أساس أنه إذا كانت ستعاقب على كل حال على جريمة لم تقترفها فلماذا لا تقترف الجريمة؟
الغيرة تختلف بين الرجل والمرأة حسب ما تقول الدراسات، فغيرة الرجل أشد من ناحية العلاقة الحميمة والبعد الجنسي والجسدي في العلاقة مع رجل آخر، بينما غيرة المرأة هي عاطفية أكثر حيث تخاف كل الخوف من هرب عاطفة الرجل وحبه إلى امرأة أخرى.
بعض العلماء يقولون بأن السبب له علاقة بأبعاد جينية لدى الرجل الذي يكدح لأجل أسرته ويريد التأكد أن زوجته تحفظ عرضه وشرفه في غيابه، بينما المرأة تريد أن تتأكد أن الرجل سيكدح من أجلها ويمنحها الحنان والعطف ولا يمنحهم لامرأة أخرى.
علماء آخرون يقولون بأن السبب له علاقة بأبعاد ثقافية بحتة، فالرجل يخاف على شرفه أمام المجتمع ولذا يركز على العلاقة الجنسية، بينما المرأة تركز على موقعها في العائلة وتخاف عليه وعلى نظرة المجتمع لها.
أيا كان فهذه تفاصيل علمية دقيقة قد لا تعني الكثير من الناس. في الأسبوع القادم سأتحدث عن بعض الكيفيات لمعالجة الغيرة.
الحب أجمل ما في حياتنا وعيوننا ستخضر بلا شك إذا خفنا عليه من الآخرين..
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية