كانت فكرة حصول سكان الرياض على إجازة خلال قمة أوبك قرارا ذكيا بلا شك، لأنه كما يعرف الجميع يساهم في جعل الأمور أكثر انسيابا وأسهل تنسيقا عندما تكون المدينة هادئة وسكانها في إجازة.
القريبون من الحدث وتنظيمه اطلعوا بالتأكيد على الجهود الضخمة التي يحتاجها تنظيم القمة، وعدد الناس الكبير والتكلفة الضخمة التي استهلكها الإعداد للقمة حتى تظهر بما يتناسب مع مكانة المملكة القيادية في منظمة أوبك وما يتناسب مع الرياض جوهرة المدن العربية.
هذا الأمر ليس بمستغرب، لأن تنظيم المناسبات تحول إلى صناعة متكاملة، تدر على المدن والدول مليارات الدولارات كل عام، وبينما تتنافس دبي والقاهرة وبيروت على المناسبات الإقليمية بتفوق واضح لصالح دبي، فإن هناك عوامل كثيرة تؤهل السعودية لتقديم عاصمة جديدة ومميزة للمناسبات وبالمقابل هناك تحديات متعددة أحب أن أطرحها هنا.
لمزيد من التوضيح، ما أحب أن أقترحه هنا _ بهذه المناسبة _ هو إطلاق عاصمة جديدة للمناسبات في السعودية، بحيث تجهز هذه المدينة بمركز عملاق للمعارض والمناسبات ودورات التدريب، ويكون هذا المركز محاطا بعدة فنادق فخمة وعملاقة مجهزة بكل ما يحتاجه حضور المناسبات والمؤتمرات والمعارض.
هذه المدينة يجب أن تتميز بوجود مطار دولي خاص، له إجراءات خاصة للجمارك بحيث لا يعاني العارضون القادمون للسعودية من إجراءات الجمارك العادية، وله إجراءات خاصة لفيز الحضور مختلفة عن النظام المتبع في المدن السعودية الأخرى، وسيساعد هدوء المدينة وتخصصها في هذا المجال على جعل الحركة هادئة وسهلة للحضور، كما سيمكن القائمين على المدينة من إعداد السكان وإعداد مرافق المدينة لتصبح مؤهلة بكل المقاييس للمناسبات والمؤتمرات.
لماذا يمكن لهذه المدينة أن تنافس دبي أو الرياض أو جدة أو القاهرة في اجتذاب المعارض والمؤتمرات؟
ببساطة لأن المدن الكبيرة لم تعد لاستقبال عدد كبير مفاجئ من الجمهور الحاضر لمعرض ما، ولإن الإجراءات الاعتيادية لدولة لها خصوصيتها مثل السعودية تجعل الترخيص للعارضين وجمركة بضائعهم وتقديم الفيز وغير ذلك أمرا غير متفق مع طبيعة المؤتمرات والمناسبات.
لهذه الأسباب بقيت المعارض في السعودية غير قادرة على منافسة المعارض في دبي رغم أن نسبة عالية من العارضين في دبي والجمهور المتجول في المعارض يأتي في الحقيقة من السعودية نفسها، وهو أمر غريب يؤكد الحاجة لوجود مثل هذه المدينة المتخصصة في المعارض والمناسبات.
بالمقابل يعاني الحاضرون لدبي دائما من زحامها الشديد وغلائها وازدحام فنادقها، والأمر نفسه ينطبق على المدن العربية الأخرى التي تسعى لاجتذاب المناسبات، وهو أمر لن تعاني منه المدينة الجديدة بكل تأكيد.
البعض سيقول بأن الجمهور قد لا يرغب الحضور لهذه المدينة الصغيرة والهادئة لأنه يريد أن يكون هناك ما يفعله في المساء، بخلاف المدن الكبيرة.
هذه الحجة لها حجة معارضة لها تماما وهو أن كثيرا من الشركات صارت تتخوف من إرسال موظفيها للتدريب أو المعارض في المدن العربية لأنهم يرون أن الموظف لن يهتم بالتدريب أو المعرض وسيكون مشغولا بالاستمتاع بمباهج المدينة والتسوق فيها.
وعلى كل حال، فليس هناك ما يمنع من أن تكون مدينة المناسبات الجديدة على البحر الأحمر أو الخليج العربي، أو أن تكون قريبة من أحد المدن السعودية الكبرى حتى يذهب إليها الجمهور في المساء كما هو الحال مع مدينة نيوارك القريبة من نيويورك والتي تحولت لعاصمة للمناسبات تنافس نيويورك نفسها في اجتذاب المؤتمرات والمعارض، كما ليس هناك ما يمنع أن تكون هناك مراكز تسوق ومراكز ترفيه متنوعة في تلك المدينة لأن حضور المعارض يصل إلى الآلاف أحيانا.
إن تحويل مدينة سعودية صغيرة إلى مدينة مناسبات معناه تحويلها إلى مدينة اقتصادية نشطة يعمل سكانها في تلك المناسبات والمعارض والتي ستدر على سكان المدينة وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة بملايين الريالات، كما يعني التدوير الداخلي لأموال آلاف السعوديين الذين يسافرون للخارج كل عام بهدف التدريب وحضور المعارض، ويعني آخيرا وضع السعودية على خارطة عواصم المناسبات في العالم، وهي المكانة التي تستحقها بالتأكيد.
ما أقوله ليس مجرد حلم، بل هو سهل التحقيق، لأن المناسبات والمؤتمرات والمعارض صارت ركنا أساسيا في مختلف القطاعات الاقتصادية اليوم، والاسثتمار فيه مضمون ربحه بلا شك.
العيب الوحيد في هذه الفكرة أن أهل الرياض لن يتمتعوا بالإجازات الاستثنائية بعد اليوم!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية