ينتابني انزعاج شديد عندما أسمع عن قصة يظلم فيها الزوج زوجته، وذلك لأنه عندما يفقد الرجل القدرة على التحكم في نفسه _ وفي رأيي يفقد بذلك واحدة من أهم صفات الرجولة _ ويبدأ في إيذاء زوجته بأي مبرر كان بما في ذلك كونها لا تطيعه أو لا تحبه أو لا تسعده أو لأنها سيئة أو غيرها من المبررات.
هذا يعني مقدمة لحياة تشبه الجحيم للمرأة المظلومة والرجل الظالم وقبل ذلك كله وأهم للأطفال الذين ينشؤون في أسرة لا معنى فيها للحب والاحترام، ويهيئهم ذلك ليكونوا أعضاء كارهين _ وربما مدمرين _ للمجتمع.
أنزعج كذلك بشدة لأن المرأة في مجتمعاتنا ليس لديها نصير عندما تظلم.
الأنظمة الرسمية في العالم العربي على المستوى القانوني والتنفيذي بطيئة جدا في التعامل مع هذه الحالات وتعطي مسألة “الصلح بين الزوجين” أكثر من حقها، وتحس أحيانا أن الرجل المسؤول يظن أنه يمكن الإصلاح لحالات يسود فيها الضرب والإيذاء العاطفي والجنسي والجسدي بشكل يومي.
يؤلمني أن نكون أعضاء في مجتمعات تظلم فيها المرأة _ وأحيانا الرجل / الزوج _ والأطفال دون أن يكون لديهم ملجأ سريع يعالجون من خلاله مشكلتهم.
الأمر ليس كذلك في الدول المتقدمة التي تعطي للإنسان أهميته، ففي أمريكا مثلا، تتصل المرأة أو الطفل أو حتى الجار أو شخص عابر في الطريق على رقم 911 وتأتي الأجهزة المختصة فورا للتدخل ومعاقبة الزوج بالحجز والمحاكمة.
هذا الأمر حق للدولة وليس للزوجة، بمعنى أنه حتى لو تنازلت الزوجة عن حقوقها وقالت بأنها راضية بما يحصل فهذا لا يعفي الزوج من العقاب، بل أذكر أنه في نشرة الأخبار المحلية في أحد الولايات الأمريكية التي كانت تصور عملية القبض على الزوج، كانت الزوجة تبكي وتتمسك بزوجها وترجو الشرطة أن يتركوه وشأنه لكنهم رفضوا ذلك واحتجزوه لكونه ضرب زوجته.
في الحقيقة هذا يعالج جزءا كبيرا من المشكلة، لأنه المشكلة عندما تبدأ، تبدأ صغيرة، وما يحصل عادة أن الزوجة تتسامح في هذا الجزء الصغير، ويأمل قلبها الرحيم أن يعود زوجها لرشده، وتخلق له الأعذار، أو تقبل اعتذاره، ولو كانت الدولة متشددة في العقاب لما حصل هذا الجزء الصغير حتى لو سمحت به الدولة.
علماء النفس يقولون بأن هناك مؤشرات هامة لإدراك ما إذا كان سلوك الزوج مجرد خطأ يمكن العفو عنه فعلا أو أنه مؤشر لـ”سلوك تصاعدي” يزداد فيه الإيذاء يوما بعد يوم، ومن هذه المؤشرات الخطيرة:
- رغبة الزوج الشديدة في التحكم بالآخرين من حوله وخاصة زوجته وأولاده في كل كبيرة وصغيرة.
- الغضب الشديد والمفاجئ لأسباب تافهة.
- عدم قدرة الزوج على بناء علاقة حميمية بسهولة مع الزوجة.
- عدم قدرة الزوج على التحكم في غضبه.
- عجز الزوج الكامل وغير الطبيعي في فهم مشاعر الزوجة “ما إذا كانت غاضبة أو سعيدة أو حزينة”.
- غياب قدرة الزوج على التعاطف في الظروف الصعبة للزوجة أو المجاملة على الأقل.
- شعور الزوج بالحاد بظلم المجتمع له أو أنه ضحية أو قليل الحظ في الحياة.
- ضعف تقدير الزوج لقيمة الحياة الإنسانية والذي يظهر في عدم تعاطفه مع الموتى أو قتله للحيوانات بدون حاجة أو حديثه باستمتاع عن الموت أو الجرائم.
- الحب المتطرف للزوجة إلى درجة تجعله شديد الغيرة، شديد التحكم، ولا يفهم رغبة الزوجة في قضاء وقت لنفسها أو مع أصدقائها بعيدا عن الزوج وخدمته.
هذه المؤشرات، كلما زادت، تخبر الزوجة بأن العلاقة لا أمل منها، وأن الإيذاء سيستمر ويزداد، وأن الحل هو الانفصال والهروب، وخاصة أن كثيرا من حالات الإيذاء قد تتطور للإيذاء الشديد أو حتى القتل، يبلغ المعدل العالمي لقتل الزوج لزوجته حالة لكل 100 مليون شخص في اليوم.
ليس لدي ما أقوله في هذا المقال إلا أنني أتألم، وأتمنى أن تتحرك السلطات الرسمية في العالم العربي يوما بإجراء ما لحل هذه المشكلات وإنصاف المرأة في وجه هذه المشكلة التي تؤثر على حوالي 10% من الأسر العربية كما تدعي أحد الدراسات المسحية، كما أدعو المرأة ألا تتساهل في حقوقها وأن تضع كرامتها ومصلحة أولادها فوق كل اعتبار.
حتى يتم إصلاح الأوضاع عربيا، لا أملك إلا أن أدعوكم للتعاطف مع كل مظلوم بلا استثناء، وتعاطف خاص مع المرأة التي جنى عليها زوجها.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة … على النفس من وقع الحسام المهند
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية