كيف نحمي القضاء من أخطائه؟

من قسم منوعات
الجمعة 17 نوفمبر 2006|

في الأسابيع القليلة الماضية، وإثر عدد من القضايا المثيرة للجدل، نشط الكثير من النقاش في منتديات الإنترنت ومجالس الناس حول المحاكم والنظام القضائي وأنظمة المحاماة وغيرها.

أكثر هذا النقاش يتحدث بلغة سلبية وليست إيجابية وينتقد غاضبا وليس راضيا، وأخذ هذه الانتقادات بشكل جاد أمر مهم جدا لأن العدل وشعور الناس به أمر حيوي لكل أمة، وخاصة إذا كانت الدولة تبذل كل جهد لتحقيقه، فالأولى أن تصل للناس الصورة كاملة ولا يشعرون بغير ذلك.

وأظن أن هذا الشعور يمثل المشكلة الحيوية في الموضوع، لأن النظام القضائي يحتاج دائما أن يشعر الناس بأنه ينطلق من مبدأ العدل في كل قراراته، ولكنه من ناحية أخرى يواجه مشكلة أن القضاة بشر، يصيبون ويخطئون، وهم يواجهون كل يوم قضايا معقدة جدا، ومن الطبيعي أن تكون اجتهاداتهم محل نقاش، وإلا لو كانت القضايا كلها واضحة والعدل بين لما احتاج الناس لقضاة محنكون ومميزون للفصل في قضاياهم.

في نفس الوقت، تجد أن الكثير من الجدل القائم هو ببساطة بسبب جهل الناس بمجريات القضية وما حصل فيها، وهم لا يستمعون لرأي المؤسسة القضائية فتجدهم في معلوماتهم عن القضايا رهن تصريحات المحامين وأطراف القضية والتي تتناقض بشكل رهيب ويبقى الناس في حيرة غير عادية.

أنظر مثلا للنقاش الحاصل في الحكم الصادر بشأن قضية التفريق بين منصور وفاطمة على أساس النسب، تسمع في القضية قصتين متناقضتين كل التناقض لأن كلا يروي القصة حسب ما يراها، ولكننا نحن كجمهور في المقابل لا نعرف الحقيقة ولا نعرف كل معطيات القضية، ويساهم هذا الغموض في إساءة حادة للنظام القضائي الذي قد يكون بريئا من كل هذه الاتهامات لو عرف الناس حقيقة ما حصل.

هذه مشكلة تقليدية واجهتها أنظمة القضاء من قبل، وكان الحل في كثير من الأحيان هو نشر كامل مجريات القضية للجمهور حتى يستطيعوا تقييم الأمور بأنفسهم.

في أمريكا توجد قاعدة معلومات اسمها “لكسز نكسز” LexisNexis تتضمن مجريات جميع القضايا التي عرضت أمام القضاء الأمريكي منذ أن تأسست الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من قرنين من الزمن، والأمر نفسه ينطبق على عدد من الدول الأوروبية.

البعض قد يعترض بأن هذا النشر يمثل تشهيرا بمعلومات شخصية للأفراد، وهذه حسب بعض الدراسات القانونية الشرعية يمكن علاجها باستخدام رموز الأسماء إلا إذا وجدت موافقة من أطراف القضية بنشر أسمائهم.

مثل هذا النشر يساهم أيضا في تقييم عمل القاضي ومناقشة اجتهاداته البشرية، ولذلك يوجد في كل أنحاء العالم مجلات قانونية متخصصة تناقش مجريات القضاء وتبدي الآراء وتقيم القضاة كما تقيم المحامين، وخاصة أن الكل يعرف أنه ليس في القضاء اجتهاد صائب بشكل مطلق وليس هناك اجتهاد خاطئ بشكل مطلق، فلكل قضية عدة أوجه.

إذا كان هذا الاقتراح غير عملي، فعلى الأقل لا بد أن يكون للقضاء صوته الرسمي الذي يجيب على أسئلة الإعلاميين والجمهور ويدافع عن اجتهادات القاضي ويوضح الحقائق عند الحاجة إليها، وأنا واثق أنه لو كان هذا متوفرا في حالة عدد من القصص التي ثارت خلال الشهر الماضي لانتهى أكثر الجدل ولتوضحت الحقيقة جلية للناس ولفهموا أبعاد القرار.

لقد خلصت الحضارات عبر التاريخ لأهمية القضاء الحساسة، ومعروف اهتمام الإسلام بالقضاء وتحقيق العدل، وأعطيت للمحاكم استقلالية كاملة في الأنظمة الديمقراطية، لأن الكل استنتج خطورة أن يفهم الناس أن القضاء يقع تحت أي تأثير غير تأثير العدل، ويحزنني أن أرى هذا النقد الواسع للمؤسسات القضائية والقضاة رغم ما يبذلونه من جهود كبيرة وذلك فقط بسبب عدم توفر المعلومات اللازمة عما يحصل.

القضاء قد يخطئ، ولكنه أيضا يجب أن ينظر إليه على أنه خطأ بشري للقاضي وليس خطأ للنظام كله، ولذا وجدت محاكم الاستئناف والمجلس الأعلى للقضاء لمراجعة هذه الاجتهادات وتعديل مسرى القضية إذا احتاج الأمر لأن تحقيق العدل أهم من حماية سمعة القاضي، ولأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يتخذ قرارات صائبة واجتهادات صحيحة دائما.

العدل هو أجمل قيم الإنسانية، ويجب ألا نسمح لشيء أن يشوهه!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية