قبل سنوات عديدة أجريت حوارا صحفيا مع المفكر الهندي الشهير وحيد الدين خان، وسألته حينها السؤال التقليدي حول “المخرج من الأزمة”: كيف يمكن للعرب أن يخرجوا من كتلة المشكلات المعقدة التي وقعوا فيها حتى صاروا مثالا على التخلف والضعف والانهيار المستمر.
كان جواب وحيد الدين خان: الحل هو “الاكتشاف”، لأن الغرب عندما اكتشف يوما قيمة العلم وأحاطته هالة الثورة الصناعية واكتشف قيمة “حقوق الإنسان” بعد عصور الظلام التي مر بها، انطلق في مسيرة حضارية ما زالت مستمرة حتى الآن، وقبل ذلك لما اكتشف العرب عظمة الإسلام وقيمة العلم انطلقوا في مسيرتهم الحضارية التي استمرت لأكثر من عشرة قرون.
الاكتشاف يجعلك مرتبطا بهدف واضح، تشعر بأن لديك رسالة عظيمة، تبعث في الأمة الطاقة والحيوية وتوحد الجهود وتبني الآمال وينطلق الجميع وكأنهم في حالة عشق وذهول تحيط بهم أنوار الاكتشاف ويحلقون بحثا عن الإنجاز.
لقد لمست هذا الشعور لما زرت ماليزيا قبل حوالي عشر سنوات في مهمة صحفية.
أجريت حوارات مع مجموعة كبيرة من الشخصيات الرسمية والثقافية، وتحدثت مع الناس على الطريق ومع سائقي التاكسي، وكان الجميع على اختلاف دياناتهم ومستواهم الثقافي يتحدثون عن حلم 2020، وهو الحلم الذي صنعه مهاتير محمد، كرمز لخطة تكتمل في عام 2020، بحيث تصبح ماليزيا في ذلك العام دولة صناعية وديمقراطية، أي أن تنتقل ماليزيا من العالم الثالث إلى العالم الأول!!
لو صدقنا ما سلف، فربما نقبل الفكرة التي يطرحها البعض بأن “المخرج من الأزمة” هو بأن يكون لدى الناس الحلم بالنهوض، أن يكون لديهم مشروع، واضح التفاصيل والأهداف، يتحول إلى هاجس للجميع، وحلم للصغار والكبار، وهوس لدى صناع القرار، وعبارة تتردد في الصحف كل يوم.
هناك أفكار كثيرة للانطلاق، واقتراحات وحلول تعج بها وسائل الإعلام كل يوم، ولكن المشروع بطبيعته يوحد هذه الأفكار في بناء متكامل، ويرتب أفكار الناس وأولوياتهم.
البعض قد يتحدث عن “المشروع الإسلامي” أو “المشروع الليبرالي” أو غيرها، ولكن هذه مجرد أفكار عامة تضع أطرا للتفكير، ولا تحدد المسارات ولا تبني الأهداف ولا تحفز الإبداع، لأن المشروع هو هدف وطني ينضم إليه الجميع على اختلاف مشاربهم وأفكارهم.
بدون مشروع واستراتيجية واضحة للمستقبل، نصبح كمن يلعب في “ديزني لاند” اللعبة الشهيرة التي يحمل فيها مطرقة ويجلس بين عشر حفر، ليضرب كل رأس يخرج من هذه الحفر بأسرع وقت ممكن.
بدون استراتيجية وتخطيط مستقبلي نصبح تماما كذلك، كلما ظهرت لنا مشكلة أسكتناها بعلاج ما، لنتابع الطريق في علاج مشكلات أخرى، بينما جذور المشكلة قابع تحت الأرض دون أن يعالجها أحد.
هذا المثل الجميل، مثل ديزني لاند، هو للمفكر السعودي د. أنور عشقي، والذي كان يقول بأننا إذا أردنا أن نتخذ تمرينا بسيطا على التفكير في المستقبل فعلينا أن نتخيل عناوين الصفحة الأولى لجريدة عربية بعد عشر سنوات من الآن.
فكر لدقائق وحاول أن تتخيل هذه العناوين، قد يشطح بك الخيال في أي اتجاه، ولكن ستكتشف أمرا مؤسفا بأنه لا يوجد في بالك حلم سيتحقق حينها أو خطة تشعر بأن نتائجها ستكون قد تحققت في ذلك الحين.
إنني أعتقد أن المجلس الوطني في الإمارات العربية المتحدة الذي بدأ بتحقيق أول حلم وطني من خلال إطلاق تجربة ديمقراطية ناضجة سيكون مسؤولا عن بناء المشروع الذي يتحول لاحقا إلى حلم وطني يشترك فيه الجميع ويصبح مهيمنا على تخطيط القطاعين العام والخاص، ثم يصبح جزءا من أفكار الرجل العادي بينما يقود سيارته وسط الزحام.
على المجلس أيضا أن يخطط للاستفادة من قوة الإعلام في بناء “الحلم الوطني”، الحلم المرتبط بما ستحققه البلاد خلال السنوات القادمة، أن يحمل هذا الحلم عنوانا يعرفه الجميع، ويفرح به الجميع عندما يتحقق لواقع على الأرض.
وقديما قال العرب: ما أقسى العيش لولا فسحة الأمل!!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية