حكايات سفراء السعودية وأصدقائها في الغرب

من قسم منوعات
الأربعاء 21 أبريل 2004|

إذا كنت يوما زائرا لولايات الوسط الأمريكي فاحرص على التوقف في مدينة صغيرة جدا اسمها “لون جاك” على الحدود بين ولايتي ميسوري وكنساس لتزور المتحف السعودي هناك والذي زاره قبلك حوالي مليوني شخص عبر السنوات العشرين التي تلت تأسيس المتحف.

هذا المتحف المتميز بتنوع محتوياته وتميزها والعدد الضخم للقطع الذي يحويها تم تأسيسه على يد “باول نانس” والذي عمل لأكثر من 30 عاما في شركة “أرامكو”، وأراد أن يعبر عن إعجابه بالمملكة وثقافتها، كما أراد أن يعبر عن امتنانه لها فأنفق حوالي 750 ألف دولار على تأسيس المتحف على الطراز الإسلامي، وتلقى محتويات أخرى من أصدقاء له عملوا في “أرامكو” ليكتمل المتحف ويصبح دليلا رائعا على تاريخ المملكة ومسيرتها الحضارية ومكانا اعتياديا لزيارات طلاب المدارس في تلك المناطق.

يتبع هذا المتحف متحف متنقل بين ولايات أمريكا والذي يلقى الكثير من الشعبية حتى إنه في محطته بأورانج كونتي بولاية كاليفورنيا زاره حوالي نصف مليون شخص. 

في ولاية أيوا هناك متحف سعودي آخر صغير يملكه “كيث كارتر” والذي عمل في السعودية أيضا لبعض الوقت.

لكن الغريب أن نانس وكارتر، “يلمحون” لخيبتهم حيث لم يتلقوا ما كانوا ينتظرونه من دعم معنوي من السعوديين في أمريكا الذين يفترض أن يأتوا لزيارة متحفهم ويقدموا له كل دعم ممكن.

نانس، أيضا لم يحصل من العرب في أمريكا على الدعم الذي كان ينتظره لترويج المنهج الدراسي الذي أعده عن المملكة العربية السعودية في أوساط المدارس الأمريكية.

أما عن الدعم المادي فقد استطاع خالد التركي، الأستاذ في جامعة هارفارد، وسعوديون آخرون من جمع مبلغ 200 ألف دولار كعربون محبة ودعم لنانس، وإن كان هذا يغطي بالكاد تكلفة إدارة المتحف خلال عشرين سنة من تأسيسه.

قصة أخرى مرتبطة بالمطرب الكندي الشهير جيمي كلارك، الذي قام برحلة قطع فيها صحراء الربع الخالي من أقصاها إلى أقصاها في عام 2000، وكان بذلك أول رحالة يقوم بذلك على ظهور الجمال منذ رحلة لويلفريد ثيسيجر، عام 1946.

كلارك، قام بالرحلة مع اثنين آخرين من الرحالة الكنديين وتم تغطية الرحلة على مدار الساعة خلال 40 يوما من الترحال بين عمان والإمارات مرورا بالسعودية على شبكة الإنترنت من خلال كاميرا مربوطة بالأقمار الصناعية وذلك ليتابعها الطلاب الكنديين في مدارس مقاطعة كالجاري في وسط كندا بعد أن قرر مجلس التعليم هناك اعتبارها ضمن المنهج الدراسي لذلك العام.

المنهج الذي نشر أيضا على الإنترنت تضمن قسما كبيرا عن المملكة وثقافتها وتاريخها وقصة توحيد المغفور له الملك عبدالعزيز، لأراضيها.

لكنني في حوار مع كالجاري، كان يشعر بالغبن لأنه لم يقدر في السعودية كما قدر من الإماراتيين بل استهلكت تأشيرات الدخول منه ومن زملائه وقتا لا بأس به، وأهم من ذلك، إن أحدا من دور النشر السعودية لم يرغب في نشر كتابه عن رحلة صحراء الربع الخالي، كما أن أحدا لم يشتر فلمه الوثائقي عن الرحلة بالرغم من أن عدة قنوات أمريكية بما فيها قناة “ديسكفري” قد اشترت الفيلم منه.

هاتان القصتان هما مجرد نموذجين لقصص كثيرة تسمعها في أمريكا وكندا وأوروبا ودول شرق آسيا عن أفراد أحبوا المملكة العربية السعودية وكانوا في منتهى الإيجابية وقاموا بأنشطة إعلامية في بلادهم لشرح تاريخ هذه الدولة للشعوب الأخرى، وهم في الغالب بعيدون عن الدعم المعنوي الذي يحتاجه هؤلاء للاستمرار في القيام بدورهم هذا.

لقد أنفقت المملكة العربية السعودية مئات المليارات على دعم المساجد والمراكز الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وأنفقت مبالغ طائلة على الطلبة الذين درسوا في جامعاتها من مختلف الدول، واستفاد الآلاف من الخبرات المميزة من عملهم في السعودية، كما حضر آلاف آخرون لإلقاء المحاضرات في المملكة والمشاركة في مهرجاناتها ومؤتمراتها الثقافية.

لكن الدعم المادي لا يكفي كما كان البعض يظن، والدعم المادي لا يمكنه أن يفي بكل الاحتياجات، ولا بد أن يصاحبه الدعم المعنوي الذي يؤكد لكل هؤلاء احتفاء المملكة بهم وتذكر السعوديين لهم، وذلك لكسب هؤلاء ليكونوا جنودا دائمين لرسالة المملكة وثقافتها وقضاياها وعونا للسعودية في الخارج كلما اشتد “حمى الوطيس” الإعلامي.

وهذا الأمر قد يبدو صعبا، لكنه في الحقيقة سهل، إذا استفيد فيه من أساليب حملات العلاقات العامة التي تقوم على ركنين أساسيين:

  • الأول: وجود رسائل محددة لتوصيلها لهؤلاء الأشخاص. هذه الرسائل يجب أن تكون _ كما هو معروف _ قصيرة، وواضحة، وصادقة جدا، ومفيدة في تحقيق الأهداف، ومكثفة، ومعززة بالمعلومات والأدلة.
  • الثاني: تحديد وسائل متنوعة لإيصال هذه الرسائل، وبعض هذه الوسائل _ مثل النشرات الدورية والاتصال الشخصي ودعوات المناسبات _ معروف وتقليدي، وبعضها قد يكون إبداعيا جديدا يحقق الأهداف المطلوبة في التواصل وإيصال الرسائل لهؤلاء الأشخاص.

إن “أصدقاء السعودية” في كل مكان هم رصيد ضخم لا يستهان به، وقد يؤلم تضييعه بلا استفادة منه، وتقديم الدعم المعنوي لهؤلاء والتواصل معهم حول العالم أمر ليس بالصعب على الإطلاق.

وفي رأيي الشخصي إن هذا الدعم المعنوي يجب أن يمتد لأولئك الأشخاص الذين يخالفوننا المعتقد أو التوجه الفكري، ويمتد لأولئك الذين ربما لم يكونوا في منتهى الإيجابية في رؤيتهم للملكة.

عندما كنت أطرح هذا الموضوع مع بعض الأصدقاء كنت أسمع الكثير من عبارات الإحباط التي تذكر قصصا لآخرين جاءوا للمملكة ثم عادوا لبلادهم ليكونوا أعداء لها، وآخرين قدم لهم الكثير، ولما جاءت حرب الخليج اتجهت أعناقهم نحو صدام حسين، وأنا دائما أجيب بأن هذا أمر طبيعي لأن الناس ليسوا على قلب رجل واحد، وفي كل شعب، وكل مجموعة من الناس هناك الإنسان الخير والإنسان السيء، لكن هذا يجب ألا يضعنا في أي حال في موقف نعاقب فيه المحسن بسبب المسيء، فتزداد الخسائر خسارة.

البعض يتساءل من المفروض أن يقوم بهذا الجهد الضخم وأنا أجيب بأن هذا الدور _ في رأيي الشخصي _ يجب أن يكون رسالة للجميع، تقوم بها السفارات ضمن أنشطتها، ويقوم بها السعوديون، طلبة ورجال أعمال وزائرون، في مختلف دول العالم، وتقوم بها الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الثقافية، لكن تنظيم هذا الدور وتنسيقه لا بد أن يتم من خلال جهة واحدة، جمعية “أصدقاء السعودية” مثلا، تشجع هذه الجهود وتنسقها وتوفر المنشورات التي تحتاجها وتقدم التدريب والتوجيه لمن يحتاجه، وتتعاقد مع شركات العلاقات العامة التي تقوم بتنفيذ بعض هذه المشاريع.

إن جهودا منظمة و”ذكية” ومكثفة ستكفل من جعل “أصدقاء السعودية” سفراء للمملكة في كل دول العالم وفي مختلف المنظمات والجامعات والمراكز الإسلامية، كما ستكفل بإيصال نور الحقيقة حين يتكاثف ضباب سوء الفهم والأحقاد، وهو ضباب لا يكاد ينقشع هذه الأيام..

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية