التأمل في تاريخنا الحديث يقدم لنا “ظاهرة” غريبة تتمثل فيما أسميه بـ”صناعة الرعب”.
لقد استطاعت الصهيونية العالمية أن تثبت جدارتها كمنظمة تخطط على مدى عقود من الزمن وتحقق أهدافها، وكانت الخطة كالتالي: نستفيد من الميول النازية “الإرهابية” ضد اليهود، وندفعهم دفعا لتحقيق ميولهم هذه، ثم نضخم الصورة حتى “نرعب” الشعب اليهودي فينطلق “خائفا” في الاتجاه الذي نحدده له، ثم نعاقب العالم كله بجريمة “إخافة” اليهود، ونرتكب من المذابح ما نريد، لأن العين بالعين ولأننا ضحايا “الإرهاب”.
كل من يتصرف ضد مصالح اليهود هو عدو لليهود وشريك في “إرهابهم” ويستحق “العقاب” نفسه.
هذه الخطة ليست مجرد عبارات إنشائية يصفها عربي “مقهور”، بل هي نتيجة بحث مكثف قمت به في عشرات الوثائق اليهودية التي كتبها يهود يفضحون بها مؤامرات الصهيونية وخططها الناجحة في “صناعة الرعب”.
بدأ اطلاعي على هذه الوثائق بعد أن تعرفت على أحد المعارضين اليهود للصهيونية واسمه “إلياس دافيدسن”.
إلياس، ولد في فلسطين عام 1941، وهو عضو في فرقة فنية بسويسرا، وقد تولى إلياس في عام 1997، رفع دعوى فاشلة ضد حكومة مدينة بازل السويسرية لسماحها ومشاركتها في تجهيزات الاحتفال المئوي للمجلس الصهيوني مستندا في ذلك للمادة 261 من قانون العقوبات السويسري الفدرالي والذي يحرم الأنشطة العنصرية.
بالنسبة لإلياس، هذه الوثائق والأدلة كانت تخبره بأن الصهيونية السياسية هي أيديولوجية عنصرية، وهذه الأيدلوجية هي الأساس الأصيل لوجود إسرائيل كـ”دولة يهودية” وللقانون الإسرائيلي بشكل عام، وهذه الأيدلوجية هي أساس المجلس الصهيوني العالمي أيضا.
ويضيف إلياس، أن المجلس الصهيوني العالمي يتمتع بوضع رسمي في إسرائيل حسب قانون خاص يؤسس التعاون بين الدولة والمجلس والذي يتضمن كيفيات تخصيص جميع الموارد لليهود دون غيرهم.
يقول إلياس: “الصهيونية السياسية عنصرية منذ تأسيسها ويبدأ هذا بتأسيس دولة يهودية في فلسطين في الاتجاه المضاد لإرادة الأغلبية غير اليهودية، وهذا فعل عنصري تضمن سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تحمل إسرائيل مسؤوليتها حيث لم يتم محاكمة أي إنسان بعد بسبب هذه الجرائم”.
إلياس دافيدسن، هو ابن لأسرة يهودية هاجرت لفلسطين، قضى العام الأول من حياته في القدس: “أسرتي كانت لديها علاقات طيبة مع الأسر الفلسطينية العربية في الحي، أمي، وأنا بفخور بقول ذلك، تعلمت لغة البلد، العربية”.
ويضيف دافيدسن، بأنه مثل كل “الأطفال الإسرائيليين” تم تسليمه في شبابه لـ”دورة تنظيمية صهيونية”.
بسبب ذلك رحل إلياس في أثناء مراهقته إلى فرنسا، حيث ارتبط بالحركة الشبابية الصهيونية وبدأ يتعلم مبادئ الصهيونية.
“المعلمون القادمون من إسرائيل والذين كانت مهمتهم جعلنا صهاينة صالحين، كانوا يؤكدون أننا أناس مميزين، لأننا يهود، ولأنه لم يكن لدينا مكان آخر تحت الشمس غير إسرائيل، والسبب وراء ذلك حسب ما شرح لنا أن كل الأمم من بيرو وحتى الصين، ومن فنلندا حتى الكاميرون يكرهون اليهود علموا أم لم يعلموا يتوارثونه أبا عن جد، ولذا فالحل الوحيد قيام دولة إسرائيل”.
التغيير حسب قول إلياس، جاء عندما اطلع على منشورات تفضح الوجه الأسود للصهيونية: “لم يكن من السهل التخلص من رواسب التعاليم الصهيونية في نفسي لكني بعد أن قرأت الكثير قررت أن أقف مؤيدا للفلسطينيين”.
بالنسبة لي لم يكن هذا جديدا، فأنا كعربي جزء من المحنة التي بدأت بتأسيس الصهيونية في بازل في عام 1897، وتضخمت حتى صاغت الوجه السياسي والاجتماعي للعالم الإسلامي في القرن العشرين.
من خلال الوثائق، استطعت أن أشاهد بين السطور خطة “صناعة الرعب”، وفيما يلي جولة سريعة في أهم هذه الوثائق.
المرحلة الأولى من الخطة: تعريض الشعب اليهودي للهولوكست
واحد من أشهر اليهود المعادين للصهيونية في العالم هو “يوري دافيس”.
دافيس، أكاديمي يحمل الجنسيتين البريطانية والإسرائيلية، وهو مؤلف مجموعة من الكتب حول “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
في كتبه يقرر دافيس، أن الصهيونية زرعت في أذهان اليهود أنهم لا يمكنهم أن يحققوا الحرية والمساواة في مجتمعات غير يهودية، لكن أحد أخطر النتائج التي توصل إليها دافيس، هي أن “تعاونا رسميا قام بين المنظمة الصهيونية والسلطات النازية المعادية للسامية بهدف التدمير الجماعي من خلال الهولوكست وذلك بغرض الحث على التهجير الانتقائي لليهود من ألمانيا والدول الأوروبية المحتلة من ألمانيا أثناء الحرب العالمية إلى فلسطين”.
واحدة من الحجج العديدة جدا التي يسوقها دافيس، لدعم رأيه، ما قاله إسحاق جروينباوم، رئيس لجنة الإنقاذ بالمجلس الصهيوني العالمي، وقت الحرب والمنصوص عليه في كتاب “الصهيونية في زمن الدكتاتوريين” لبرينر ليني، والمنشور في لندن عام 1983، حيث يقول: “في هذا الوقت في أرض إسرائيل هناك من يطالبني ألا أضع أرض إسرائيل كأولوية في هذا الوقت الصعب حيث يسحق اليهود الأوروبيين، أنا لا أقبل هذا القول على الإطلاق، وعندما سؤلت: هل يمكن أن أعطي مالا من الصندوق الخيري الصهيوني _ أسس لتمويل الاستيطان اليهودي في فلسطين _ لإنقاذ اليهود في المهجر الأوروبي؟، قلت لا، ومرة أخرى أقول لا؛ أعرف أن الناس يتعجبون لماذا كان علي أن أقول هذا، الأصدقاء يخبرونني أن هذه الأمور حتى لو كانت صحيحة لا داعي لبيانها على الملأ في هذا الوقت العصيب، أنا أعترض؛ أعتقد أن علينا أن نقف ضد هذه الموجة التي تضع النشاطات الصهيونية في الصف الثاني، ولأن الناس هاجموني لأنني لم أعط الأولوية لإنقاذ الضحايا يجب أن أقول الصهيونية فوق كل شيْ”.
ويبدو أن الحجج تواترت حول قرار قادة الصهيونية ألا يتدخلوا في إنقاذ الناس من الهولوكست وأن يركزوا استخدام المال في ترحيل من يختارونهم من نخب اليهود تاركين الباقين للنازيين، وقد ساق دافيس، هذه الحجج بتفصيل مكثف في كتاب له صدر عام 1975 مع مؤلف آخر بعنوان “وثائق من إسرائيل: قراءات نقدية للصهيونية”.
علاقات قوية مع النازية
لكن الأمر في الحقيقة يتجاوز التقصير المتعمد من قبل الحركة الصهيونية العالمية في إنقاذ اليهود من براثن النازيين الألمان.
في كتاب حديث بعنوان “إسرائيل: دولة عنصرية والصندوق القومي اليهودي”، والمنشور في لندن ونيوجرسي عام 1987، كشف عن حقائق رهيبة عن علاقة وطيدة بين الحركة الصهيونية والحركة النازية كتبها يوري دافيس، الذي عاش بنفسه هذا الوجه المظلم.
ما يثبته ذلك الكتاب وكتاب آخر من 548 صفحة بعنوان “المليون السابع: الإسرائيليين والهولوكوست”، والمنشور في نيويورك عام 1992، أن الصهيونية في الحقيقة تعاونت مع النازيين في تدبير الهولوكست، الأمر الذي يدمر بإثباته أساسا سياسيا وأيديولوجيا هاما لقيام دولة إسرائيل.
يقول مؤلف كتاب “المليون السابع”، المؤرخ اليهودي وكاتب العمود بجريدة «هآريتز» الإسرائيلية، توم سيجيف، محاولا الإجابة على السؤال: كيف تعامل القادة الصهيونيون مع الهولوكست واليهود الأوروبيين خلال الحرب العالمية الثانية؟
الجواب بأن القيادة الصهيونية بجناحيها اليمين والعمل تعاملت بتجاهل كامل للأحداث في أوروبا، والمهم منها لهذه القيادة فقط كان مايخدم الأهداف الصهيونية.
سيجاف، يشرح الطريقة التي استعمل فيها القادة السياسيون الهولوكست مثل بن غوريون، وبيجين، والتي تأخذ هذا المنحى تماما، فحسب مايقول سيجاف: «مصير اليهود تحت السيطرة النازية لم يكن أبدا أولوية لبن غوريون، لقد كان رجلا بهدف واحد: تأسيس الدولة اليهودية».
لكن سيجاف، يضيف أن القيادة الصهيونية أدركت أن الهولوكست خدمت الأهداف الصهيونية بقوة ولذا دعموها أيضا.
أكاديمية يهودية أخرى اسمها د.حنا أريند، كتبت كتابا دعمت فيه فكرة التعاون الصهيوني مع النازية ضد اليهود أنفسهم، وإن كانت المؤلفة في كتابها تدعم فكرة قيام دولة إسرائيل بشكل عام.
أريند، تحدثت عن اتفاقية عالية المستوى وموثقة بين السلطات النازية والوكالة اليهودية لأجل فلسطين “المؤسسة الرسمية الممثلة للحركة الصهيونية”.
هذه الاتفاقية والتي تحمل اسم «هآفارا» أو «التهجير» بالعبرية، والتي تنص على أن المهاجر لفلسطين من ألمانيا يمكنه أخذ ماله من خلال استبداله ببضائع ألمانية في ألمانيا وحملها معه إلى فلسطين حيث يتم هناك استبدالها بالجنيهات الأسترلينية، لتصبح هذه الطريقة الوحيدة التي يمكن لليهودي بها إخراج ماله من ألمانيا.
النتيجة كانت في الثلاثينيات، حين كانت أمريكا تفرض حصارا اقتصاديا شديدا على ألمانيا في الحرب أن فلسطين والدول المحيطة بها كانت مليئة بالبضائع الألمانية.
في نفس الكتاب تتحدث أريند بعبارات مليئة بالألم: «بالنسبة لليهود كان دور القادة اليهود في تدمير شعبهم بلاشك الفصل الأكثر سوادا في القصة كلها».
تشرح أريند، في كتابها أن المسئولين اليهود قدموا قوائم بأملاك اليهود للألمان قبل ترحيلهم حتى يستولي عليها الألمان كثمن لهم على تسهيل تهجير اليهود.
أكثر من ذلك، هؤلاء المسئولين الصهاينة ساعدوا في اصطياد هؤلاء اليهود وحشرهم في القطارات وتسليم أملاكهم للألمان.
«لقد عملوا على أساس: بمائة ضحية رحل ألف شخص، وبألف رحل 10 آلاف»، د. كاستنر، المسئول اليهودي لهنغاريا على سبيل المثال، رحل 1684 شخصا في مقابل حوالي 476.000 ضحية تم التخلي عنها وترك مصيرها لقرار النازيين.
تضيف المؤلفة: «لقد كان المسؤولون الصهاينة هم فاضحو أسرار الجالية اليهودية بالرغم من أن السرية يمكن أن تساعدهم حينها في النجاة».
رد الآلة الدعائية الصهيونية على هذا الكتاب وكتاب آخر بعنوان «اليهودي كمنبوذ»، والذي نشر في نيويورك عام 1978، حيث قالت: «المفهوم عن مشاركة اليهود في تنظيم محرقة الهولوكست قد يغيظ اليهود لسنوات طويلة كان ضخما جدا».
ففي مارس 1963، قام اتحاد «بناي بيرث» الصهيوني، بإصدار «ملخص مقترح على الصحفيين الراغبين في الكتابة عن هذا الكتاب»، يهاجم الكتاب بشدة وخاصة عباراتها التي تقول بأن المنظمات الأوروبية اليهودية لعبت بشكل عام دورا كبيرا بالتعاون مع آلة الإبادة النازية، ولذا فاليهود أنفسهم يحملون جزءا كبيرا من اللوم لأن اليهود ببساطة هم الذين قتلوا أنفسهم.
الحملة اليهودية بدأت على مراحل فبينما كانت قبل صدور الكتاب تقدم د.أريند، على أنها عالمة معروفة وذات احترام في الأوساط الأكاديمية، انتهت الحملة بأنها عدو اليهود المتآمر عليهم ضمن المؤامرة العالمية.
في كتابها «اليهودي كمنبوذ»، تصف د.أريند _ بشكل نادرا ما يوثق بهذا التفصيل _ الحملة ضدها بما يكشف لنا بشهادة شخص من داخل المجتمع اليهودي الآلية الإعلامية الدعائية الرهيبة التي يستعملها اليهود ضد خصومهم.
تقول بلسان الجريح المحطم: «لا أحد يشك في فعالية صناعة الصورة الذهنية الحديثة، ولا أحد يتوقع ما يمكن للمنظمات اليهودية فعله من خلال العدد اللانهائي من قنوات الإعلام خارج سيطرتهم المباشرة في التأثير على الرأي العام، بالإضافة لقوتهم في السيطرة هناك قوة تطوعية غير مباشرة يقوم بها كل يهودي حتى لوكان غير مهتما بالشئون اليهودية، حيث يقوم بدوره في خدمة الآلة الصهيونية وكأن هناك خوفا يجمعهم ويدفعهم لمواجهة كل من ينتقد اليهود أو قادتهم. مافعلته كان حسب رأيهم هو جريمة الجرائم، لقد قلت الحقيقة في بيئة غاضبة حسب ماقاله لي مسئول صهيوني، إنها منظمات جماهيرية تستعمل كل وسائل الاتصال الجماهيري بحيث كل قضية يناقشونها سلبا أو إيجابا ترسم بما يكفي لجذب اهتمام جماهير الناس إلى الدرجة التي قد يفقدون فيها تحكمهم في القضية، ولذا فما حصل لي بعد فترة أن بعض الناس بعد مشاهدة كل هذا الهجوم عليّ بدأ يقتنع أنني قلت الحقيقة».
ولكن لاتذهب لليهود أبدا!
اليهود في بولندا يعرفون دور الصهاينة في مأساتهم أيضا.
ماريك إيدلمان، نائب قائد منظمة اليهود المحاربين، عضو «جمعية مكافحة الصهيونية» والتي استطاعت قبل الحرب الفوز في الانتخابات وسط كل جالية يهودية بولندية، نشر كتابا بعنوان «حروب الغيتو» في عام 1946، قال فيه: «أنه خلال محاولات النازيين الألمان للسيطرة على وارسو العاصمة البولندية من يوليو إلى سبتمبر عام 1942، كان للصهيونيين دور كبير في مساعدة النازيين للقبض على اليهود وترحيلهم لمخيم الموت المعروف باسم تريبلينكا، وبلغ عدد هؤلاء أكثر من ربع مليون يهودي»،.
وأضاف: «كانت الجماعات السياسية اليسارية، وخاصة منها حزب العمال اليهود، في الغيتو، الأحياء اليهودية المغلقة، قد وقفت بغضب عارم رغم ضعفها وعدم تسلحها في وجه الشرطة اليهودية والتي كانت تصطاد اليهود أنفسهم وتسلمهم للنازيين».
إيدلمان، تحدث عن الصهيونيين الذين تفاوضوا وتعاونوا مع النازية لدرجة عقد صفقات تجارية مربحة، وشرح كيف كان المجلس اليهودي عقبة رئيسية في مقاومة «الجيتو» ضد النازيين.
«لقد حاربنا ليس من أجل، بل بالرغم من الصهيونيين»، ويضيف إيدلمان، في كتابه، بأن الشرط الأساسي للمقاومة كان تصفية اليهود الخائنين المتعاونين مع النازيين والمتوزعين في أنحاء الغيتو.
وينبه إيدلمان، لنقطة هامة بأن «الصهيونية لم تساعد فقط النازيين خلال الحرب بل هم أيضا شجعوا المشاعر المعادية للسامية في بولندا من خلال عزلهم لليهود في أحياء مستقلة بعيدا عن البولنديين غير اليهود”.
في نفس القضية كتب البروفسور الأمريكي اليهودي الشهير إسرائيل شاحاك، والذي عاش بنفسه محرقة الهولوكوست بوارسو العاصمة البولندية، رسالة للمحرر نشرت في 19 مايو 1989، في جريدة «كول هآير» بالقدس بعنوان «تزييفات الهولوكوست».
يقول شاحاك في مقالته بأنه: «في الغيتو بوارسو، وحتى خلال فترة الإبادة الجماعية الأولى، يونيو حتى أكتوبر 1943، لم يكن الشخص يرى أي جندي ألماني.
كل الذين تولوا العمل في الإبادة سواء في الإدارة وبعد ذلك في ترحيل مئات الآلاف من اليهود إلى مصيرهم الأخير وهو الموت تم من خلال اليهود أنفسهم.
أغلبية سكان الغيتو كانوا يكرهون الصهاينة اليهود أكثر من الألمان النازيين، كل طفل يهودي كان يعلّم، وربما هذا حفظ حياة البعض، «إذا دخلت مربعا به ثلاثة مخارج، واحد محروس برجل ألماني نازي، وآخر برجل أوكراني، والثالث بشرطي يهودي، فعليك أولا أن تحاول عبور الألماني، وبعد ذلك ربما الأكراني، ولكن لاتذهب لليهودي أبدا».
الكلمات الأخيرة من الرسالة كانت «ومن ثم، إذا كنا نعرف القليل من الحقيقة عن الهولوكوست، فعلينا على الأقل أن نفهم لماذا الفلسطينيين الآن يصفون الخائنين من بينهم، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يملكونها في مقاومة نظامنا الذي يعشق تكسير الأعضاء».
وحتى في الأرجنتين
مارسيل زوهار، مراسل «يديعوت أحرونوت» في الأرجنتين بين عامي 1978 و1982، في كتابه «دع شعبي يذهب للجحيم»، والمنشور عام 1990، شرح كيف أن الحكومة الإسرائيلية والوكالة اليهودية وغيرها من المنظمات اليهودية الرسمية في الأرجنتين كان يمكن أن تحفظ أرواح المئات من اليهود الأرجنتينيين الذين قتلوا أو اختطفوا أثناء حكم الجنرالات بين عامي 1976 و1983، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأسباب سياسية صهيونية متعددة مثل دعم فكرة «العداء للسامية» لدفع اليهود للهجرة لإسرائيل ولحفظ العلاقات السياسية والتجارية الجيدة لإسرائيل مع الجيش الحاكم بهدف إكمال صفقة مبيعات عسكرية قيمتها تصل لحوالي بليون دولار.
سياسة الصهيونية هي وضع اليهود أمام حل وحيد، الهجرة لإسرائيل لتحقيق أهدافها السياسية وفعل كل مايمكن فعله لتأمين هذه السياسة، ذلك كان في الماضي ومازال مستمرا حتى لحظتنا هذه في تعاملها مع المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي.
«يديعوت أحرونوت»، الجريدة الإسرائيلية اليومية، نشرت في 15 مارس عام 1991، أن هلموت كول، المستشار الألماني، في لقائه مع وزير الخارجية الإسرائيلي دافيد ليفي، وعد إسرائيل بمنع مساعدة اللاجئين السوفييت اليهود الذين يصلون لألمانيا بحيث يكون خيارهم الوحيد الهجرة لإسرائيل، وتمت اتفاقيات مماثلة مع العديد من دول العالم التي يمكن أن يلجأ إليها اليهود السوفييت والذين ساءت أوضاعهم في الفترة الأخيرة بفعل عوامل يقدر العديدون أن ورائها الحكومة الإسرائيلية والوكالة الصهيونية ولا أحد غيرهم.
هذا ما دفع إلياس دافيدسن، الصديق الذي ذكرته في أول هذا المقال، لكتابة رسالة لكول، عقب نشر هذا الوعد الألماني.
تقول الرسالة: «أنا مفاجئ جدا بهذا الخبر، إنه يذكرني بعام 1935، ففي ذلك العام أرغمت والدتي من خلال النظام النازي على مغادرة ألمانيا لأنها كانت يهودية، رفضت كل حكومية غربية أن تعطي عائلتي ملجأ، كان على أسرتي أن تذهب لفلسطين حيث ولدت، الآن يتكرر الحدث نفسه حيث الدول الغربية ترفض المهاجرين اليهود للغرب وتعمل على حل المشكلة اليهودية على حساب الفلسطينيين أنفسهم، إسرائيل لسنوات ضغطت على الدول المختلفة لتغلق أبوابها في وجه اليهود السوفييت بعد أن وجدت أن معظمهم سوف يهاجر لأوروبا أو أمريكا لو منحت له الفرصة، معظم اليهود السوفييت مستقرين في المجتمع السوفييتي ومتزوجين من أشخاص غير يهود، وبالتالي فلا رغبة لديهم في الرحيل للدولة اليهودية إسرائيل لو كان لديهم خيار، إلا أن قادة إسرائيل يرون أن واجبهم هو نزع اليهود من المجتمعات غير اليهودية ولوكان ذلك بالقوة، هم يعتبرون اندماج اليهود أكبر تهديد خطير لليهود منذ الهولوكوست، وهم بفعلهم ذلك يضعون الأيديولوجية الصهيونية فوق حقوق الإنسان الأمر نفسه الذي كانت تفعله الحكومات الفاشية، رفض إسرائيل للزواج المدني المتحضر وتفعليها لقوانين عنصرية يسلط الضوء على الطبيعة العنصرية لهذه الدولة».
دافيدسن، أعلن أن كثير من اليهود لايمكن أن يقبلون بإسرائيل كمتحدث بالنيابة عن يهود العالم وكأنها تمثل مصالحهم: «إنها لا تمثلهم..».
خاتمة الرسالة بأن سلوك إسرائيل لايتوافق مع الأخلاق اليهودية ولا مع مصالح اليهود حول العالم، أولئك المهتمون فعلا بمصالح اليهود عليهم أن ينهوا تماما علاقتهم مع دولة إسرائيل الصهيونية.
عودة
خير مصدر للوثائق المضادة للصهيونية هي بالتأكيد ريترن Return، أو «عودة»، وهي مجلة بدأ نشرها في مارس 1989 بلندن، من خلال ثمانية محررين وأكاديميين يهود مثل يوري دافيس، المذكور أعلاه، وتوني جرينستين، وحآيم سكورتاريو.
المحررون قدموا مجلتهم بأنها أسست لإعلان معارضة القانون الإسرائيلي لعودة اليهود وأقاربهم، ودعم حق الفلسطينيين في العودة، أكثر من 300 شخص، يدخل قانونا تحت مسمى «يهودي» حسب قانون العودة الإسرائيلي، وقعوا هذا الإعلان، «عودة»، حيث المجلة جزء من أنشطتها، هي واحد من أوضح التعبيرات عن معارضة اليهود للصهيونية.
ولأن «رب اليهود أصبح الدولة اليهودية»، ولأن «الدولة اليهودية والصهيونية هي العوامل الأساسية المحددة في هوية عموم الشعب اليهودي»، فإن الهوية السياسية لليهود «تعكس التعارض الشديد بين متطلبات الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل من جهة، والموقف الفعلي لليهود من جهة أخرى».
«العلاقة بين إسرائيل والجالية اليهودية علاقة استعمارية إن لم تكن استعبادية»، أيضا المقدمة التحريرية قالت بأن: «إسرائيل هي مخلوق طفيلي ليس ماليا فقط بل سياسيا أيضا، إنها تستعمل اليهود كرهان سياسي وغطاء لمصالحها الإمبريالية، هذا حقيقي خاصة في الولايات المتحدة حيث يستعمل الناخبون اليهود بشكل غير صحيح لدعم الاتحاد الاستراتيجي مع إسرائيل، وبفعل ذلك فالصهيونية ليست فقط تبعد الانتباه عن المصدر الحقيقي للمصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط بل إنها تخاطر مباشرة باليهود بدعمها للمشاعر المعادية للسامية ولليهود، وإشعار الآخرين بأن اليهود أجانب في أوطانهم الأصلية، وهي في الأصل كذبات مدعومة بقوى أجنبية، إنها الصهيونية التي لم تترجم مصالح اليهود، فهي بعيدا عن كونها ملجأ لليهود، أصبحت إسرائيل مصدرا للخطر عليهم».
خاتمة المقدمة المطولة للمجلة هي هذه العبارات: «ليس فقط الصهيونية دمرت ثقافة اليهود في المهجر، لقد دمرت في حال العالم العربي هذه الجاليات بالكامل أيضا، لكن جريمتها الأساسية هي مافعلته للفلسطينيين.. إنه أمر أساسي الربط بين ما فعله النازيون لليهود، وماتفعله الصهيونية للفلسطينيين كما يعتقد الكثير من الإسرائيليين.. الدروس التي يمكن نسجها من الهولوكوست تعلمنا معارضة الصهيونية».
يهود يرفضون إسرائيل
مجموعة “عودة” الفكرية ليست الرافض الوحيد لقيام دولة إسرائيل، بل هناك فئات يهودية كاملة تعلن هذا الرفض الذي يوضح الصراع الداخلي بين صانع الرعب والرافض له.
نشر إعلان في جريدة نيويورك تايمز، في يوم 18 مايو 1993، بواسطة نيتوري كاترا، وهي فئة دينية من اليهود الأرذثوكس الذين يعارضون الصهيونية ويرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة.
أعضاء هذه المنظمة موجود أغلبهم في لندن ونيويورك، الإعلان كان يحمل العنوان «لماذا تخالفون أوامر الله؟ إنكم لن تنجحون».
يقول الإعلان بأنه استنادا للتوراة فإن اليهود أخرجوا من الأرض المقدسة قبل 3264 عاما بسبب ذنوبهم، ولذا فإن ما يحتاجه اليهود لبناء أنفسهم هو التوبة الكاملة حسب ما نصت عليه التوراة، وأن يبقوا في الشتات حتى يأتي النبي المخلص لهم ليؤمنوا به ويتبعوه “وهذا النبي كما هو معروف هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانت هذه الفئة تؤمن أنه عيسى عليه السلام، في عودته الثانية”.
الإعلان يقول بالنص: «الصهاينة رفضوا المعتقد اليهودي وادعوا بأن علاج المشكلة اليهودية هو امتلاك دولة قوية بجيش قوي، هذا التغيير للمعتقدات المقدسة نحو الوطنية هو تدمير للجوهر المقدس لليهود وسبب حربا وإسالة دماء، والنتيجة أن الدولة هي المكان الأكثر خطرا».
ويضيف الإعلان ما نصه: «جرائم أخرى للصهيونية أنهم ضحوا بأرواح اليهود في صراعهم المستمر، لتحقيق هدف الدولة، الصهاينة دائما وبشكل مخطط شجعوا معاداة السامية، خلال الحرب العالمية الثانية وقف الصهاينة ضد إعطاء مال لتحرير اليهود، القائد الصهيوني إسحاق جرينباوم، قال في حديث له في تل أبيب في فبراير 1943، يجب أن نستنكر هذه الموجة التي تريد دفع الأنشطة الصهيونية لتعطيها أهمية ثانوية، هو أيضا قال، بقرة واحدة في فلسطين أكثر أهمية من كل اليهود الأوروبيين، هدفهم لم يكن حفظ اليهود بل على العكس إسالة المزيد من دماء اليهود لأن هذا سيقوي مطالبتهم العالم بتأسيس دولتهم الخاصة بهم، شعارهم كان فقط بالدماء سنحصل على الأرض».
وبعد بضع كلمات عن عملية السلام تقول المنظمة في إعلانها: «ليس فقط الإيمان بأنه لن يكون هناك سلام حقيقي مادامت الدولة الصهيونية موجودة بل أسوأ من ذلك، الدولة الصهيونية هي أكبر فاجعة لليهود».
ويضيف الإعلان: «اليهود الحقيقيون لايعارضون فقط احتلال الضفة الغربية وغزة مع الاضطهاد اليومي والقتل، ولكنهم أيضا يعارضون احتلال كل أرض فلسطين، حسب التوراة، كل فلسطين يجب إعادتها للفلسطينيين، وكل المقاطعات المحتلة يجب أيضا إعادتها لمالكيها الحقيقيين».
خاتمة الإعلان العجيب أن السياسيين الصهيونيين وأتباعهم المسافرين لا يتحدثون باسم اليهود، فاسم إسرائيل سرق بواسطتهم، بالتأكيد، المؤامرة الصهيونية ضد التعاليم والقوانين اليهودية يجعل الصهاينة وكل أنشطتها وحلفائها العدو الأعظم للشعب اليهودي.
الإعلان موقع باسم «نيتوري كاترا الأمريكيين: أصدقاء القدس – الحاخام شوارتز»، ثم عنوانه البريدي في نيويورك.
هذا الإعلان يعبر عن فكر مذهب نيتوري كاترا، وإن كان لا يمثل النشاط الوحيد لهم، فهم قد بذلوا جهودا سياسية مكثفة مع كل الرؤساء الأمريكيين تتضمن اللقاء الشخصي والدعم المالي في الانتخابات الرئاسية لإقناع صانعي القرار الأمريكيين بمعارضة إسرائيل وإنهاء جهودها، كما تتضمن المظاهرات المتواصلة التي تحمل الشعارات التي يتبرأ فيها اليهود من إسرائيل، وخاصة في منطقة مانهاتن بنيويورك وفي لندن، وجهود التوعية المتنوعة للشعوب الأوروبية عن الظلم الصهيوني لليهود.
عمل أتباع نيتوري كاترا، على تقوية نفوذهم في بريطانيا وأمريكا، وحققوا الكثير من ذلك، ولكنهم يمنون بالهزيمة بعد الأخرى من الحركة الصهيونية، ولا يذكر لهم إلا انتصار واحد ساحق في اليمن.
منعا للإطالة، أشرح باختصار ما حصل في اليمن، نيتوري كاترا، تؤمن أن يهود اليمن هم اليهود الوحيدين في العالم الذي يحملون عرقا يهوديا أصيلا غير مشكوك فيه، لما عرف أتباع الجماعة بوجود جهود إسرائيلية سرية لترحيل كل يهود اليمن إلى إسرائيل، ذهب قادة هذه الجماعة بالعشرات إلى اليمن وبذلوا جهود دعوة مكثفة في أوساط الجالية اليهودية باليمن لإقناعهم بمبادئ الجماعة، وبالفعل حصل لهم ما أرادوا، وكان هذا خبرا سارا للحكومة اليمنية التي سرعان ما عقدت اتفاقا مع الحكومة الإسرائيلية سمحت بموجبه بسفر اليهود اليمنيين، لكن الحقيقة لم يتجه إلا حوالي 100 يمني لإسرائيل بينما سافر كل الباقين إلى بريطانيا وأمريكا، ليحصلوا على جنسيات هذه الدول ويعيشوا ضمن أحياء يهود نيتوري كاترا.
بقي إن أشير أنه بالرغم من اشتداد المعارضة اليهودية الداخلية للصهيونية بعد عام 1919، إلا أنه بالرغم من ذلك وهو أمر غريب فإن معارضة الصهيونية كانت واضحة لدى بعض اليهود في الولايات المتحدة قبل هذا التاريخ، وربما كان ذلك لإدراكهم للاستراتيجيات التي اعتمدتها الصهيونية منذ تأسيسها للوصول لأهدافها.
العبارات التالية هي أجزاء مختارة من وثيقة هامة جدا سلمت للرئيس الأمريكي ويلسون، نيابة عن موقعيها بواسطة عضو الكونجرس، جوليوس كاحن، في 4 مارس 1919، بمناسبة مؤتمر السلام في باريس.
الخطاب أعد بواسطة د. هنري بيركويتز، عن ولاية فيلاديفيا، ماكس سينيور، والبروفسور موريس جاسترو، من جامعة بنسلفانيا.
يقول الخطاب: «كشكل مستقبلي لحكومة فلسطين والتي سيتم تدارسها بواسطة مؤتمر السلام، فإننا نحن الموقعين من مواطني الولايات المتحدة نتقدم مسبقا بمعارضتنا لتنظيم دولة يهودية في فلسطين كما هو مطلوب بواسطة الجمعيات الصهيونية في هذه الدولة وفي أوروبا، ولتأسيس اليهود كوحدة وطنية في أي دولة، نحن نشعر أن بفعل ذلك نعبر عن صوت الأغلبية من اليهود الأمريكيين المولودين في هذه الدولة والمولودين خارجها ولكنهم مستقرين فيها ومندمجين مع ظروفها الاجتماعية والسياسية، الصهيونيون الأمريكيون يمثلون، حسب الإحصائيات المتوفرة حاليا، فقط جزء صغير من اليهود الذين يعيشون في هذه الدولة، حوالي 150,000 من أصل 3,500,000، حسب إحصائيات الكتاب اليهودي السنوي الصادر في عام 1918م».
«هذا الطلب ليس فقط يسيء تمثيل اتجاه التاريخ اليهودي والذين لم يعودوا كأمة منذ 2000 عاما، ولكنه يشمل أيضا محدودية وبطلان مطالبة قطاع أكبر من اليهود بالمواطنة الكاملة وبحقوق الإنسان في كل الأراضي حيث هذه الحقوق لم تتأمن بعد، إننا نطالب مجلس السلام بتطبيق المبادئ الأساسية للديمقراطية عمليا، بما يكفل حقوقا متساوية لكل المواطنين في أي دولة، بعيدا عن الأصل أو العرق الإثني، وبعيدا عن أي تجمعات قائمة على وطنية عرقية».
«هؤلاء الذين يتصرفون بهذه الطريقة يشككون في انتمائهم للدول التي يحملون جنسياتها وقد غشوا أنفسهم بانتمائهم للصهيونية تحت ضغط الاندفاع العاطفي، هذه المخاطر عبر عنها تحذير السير جورج آدم سميث، والذي يعتبر عموما أعظم مرجع في هذا العالم في كل مايتعلق بالفلسطينيين في الماضي والحاضر، في منشور حديث له عن سوريا والأرض المقدسة يقول بأنه لا يوجد هناك بكل ما تحمله الكلمة من معنى أي تحديد لأرض فلسطين لأن هذا تغاير بشكل كبير عبر القرون، هذه الادعاءات المطالبة بوطن على أرض غير محددة المعالم سيخلق بلا شك مواجهات شديدة الحدة».
«نحن نرفض التجميع السياسي لليهود وإعادة تأسيس فلسطين كدولة يهودية بما أن ذلك معارض أساسا لمبادئ الديمقراطية، هذه الأرض، فلسطين، مملوءة بمعالم مقدسة مرتبطة بأتباع ثلاثة ديانات عظمى، وتحتوى على جماعات مختلفة هاجرت إليها عبر القرون، وذلك يستدعي ضرورة بقاء فلسطين في نظام ذو أوسع قاعدة ممكنة».
من كل ما سبق يتضح لنا الكثير عن الجزء الأول من خطة “صناعة الرعب” والتي تتضمن _ حسب المثل الشعبي العربي _ “قتل القتيل” ثم “المشي في جنازته”، أو بالأصح قتل القتيل حتى يستمتع القاتل بالمشي في جنازته ويستخدم ذلك حجة ضد أهل القتيل، وضد العالم كله متهما إياهم بقتل القتيل، ويجني الكثير من ذلك، كما سنرى في المرحلة الثانية من الخطة.
المرحلة الثانية من الخطة: معاقبة العالم بالهولوكست
عاش اليهود في أوروبا الهولوكست، أيا كان حجمها الحقيقي ومصدر المأساة فيها، والمتوقع لشعب عاش المعاناة وتحدث عنها كثيرا أن يتأثر بها إنسانيا وأن يكون رسولا عالميا يدعو لتخليص العالم من العنصرية والاضطهاد وكل وسائل التعذيب والتفرقة، وكان هذا ممكنا أن يحصل لليهود لولا أن المعاناة تم المشاركة في صنعها بشكل مختلف تماما، أو بالأصح بالشكل المعاكس تماما.
الصهيونية العالمية قررت استخدام الهولوكست كوسيلة لمعاقبة الجزء المذنب من العالم، وللسيطرة واضطهاد الجزء البرئ من العالم.
وكانت البداية مع المأساة الفلسطينية، وكلنا نعرف أبعادها و”الهولوكست” اليومي الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني عبر خمسين سنة.
لكن دعوني أنقل بعض ما قاله اليهود أنفسهم عن هذا الاضطهاد حتى تعرف أنه لم يأت صدفة بل أنه جزء من المخطط.
يتحدث المفكر اليهودي، يوري دافيس، الذي أشرنا له سابقا في كتابه “الدولة الفلسطينية”، المنشور في لندن عام 1990، عن سياسات التهجير الجماعي للفلسطينيين من أراضيهم، والذي يعتبره أعظم جريمة حرب مأساوية في القانون الدولي.
جرائم الحرب الصهيونية حسب الكتاب تشمل أيضا حسب ما يوثقه الكتاب، تدمير قرى فلسطينية بالكامل كان يسكنها أكثر من 750,000 فلسطيني، منع إمدادات الطاقة والكهرباء، الاعتقال الإداري لعدة آلاف في المخيمات الجماعية، تدمير المنازل، الترحيل غير القانوني، الضرب بهدف الشلل والإعاقة بدون تمييز، الاستعمال غير القانوني للغازات المسيلة للدموع في أماكن مغلقة نتج عنه مقتل الكثيرين وإجهاض المئات من النساء الحوامل، التعذيب، قتل الفلسطينيين غير المسلحين والمتظاهرين ضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي _ رجالا ونساء _ وغالبهم من الشباب وكثيرين من الأطفال تحت سن 14 بمعدل شخص كل 24 ساعة، وفي حال استعمال المعدلات السكانية البريطانية فسيكون المعدل 500 شخص كل شهر، و17 كل يوم.
بعد كل هذا دافيس، يتساءل: «كيف يمكن لشعب جرب الترحيل والقتل الجماعي لأكثر من 6 ملايين يهودي ومحرقة الهولوكست النازية أن يفعلوا جرائم حرب مماثلة ضد شعب آخر؟».
الجواب بالنسبة لدافيس، هو الصهيونية التي غسلت الدماغ الجماعي لليهود وأقنعتهم أن العالم يكرههم وأن العالم يتمنى الخلاص منهم، وأن الحل الوحيد للبقاء هو تدمير كل وجود آخر لأن كل وجود آخر معاد تماما لهم، ويورد دافيس، إحصائيات ووثائق وتحليلات للنفسية اليهودية تجعلك تؤمن أن اليهود يعيشون في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه، فاليهود هم أكثر شعب يؤمن بالمؤامرة، ويؤمن أن قادة العالم يجتمعون كل صباح يتدارسون الطرق التي يضطهدون بها اليهود ويقضون فيها على نفوذهم، وعلى رأس هؤلاء الرئيس الأمريكي، والرؤساء الأوروبيين، وكل رجال الأعمال غير اليهود في العالم، وهؤلاء يستخدمون حقد العرب الأزلي ضد اليهود حتى يضطهدوا بها اليهود ويحاولوا القضاء عليهم، وأن دعم أوروبا وأمريكا لقيام إسرائيل في منتصف القرن الماضي كان فقط لتجميع اليهود في مخيم واحد كبير هو “فلسطين” حتى يوظفوا العرب من بعدها فيسحقوا اليهود بالجملة!
صناعة العقلية اليهودية بهذا الشكل ضمن للصهيونية التأييد الكامل من اليهود في كل أعمالها الوحشية، وجعل الصحف الإسرائيلية، أحيانا بنوايا مغفلة، تتابع كل حركة على وجه الأرض تثبت وجود المؤامرة، بما فيها مثلا أن يخسر يهودي مناقصة تجارية لصالح رجل أعمال غير يهودي، وأخيرا ضمن التضامن الكامل من الشعب اليهودي عاقلهم وجاهلهم، غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، المتدين والملحد منهم، لأنهم _ حسب ما يقول دافيس _ كلهم خائفون من العالم من حولهم.
يمكن تقديم أمثلة أخرى لمثل هذا الفكر، مع التأكيد أن هذا لا يعني أن هؤلاء جميعهم معادين للصهيونية كمبدأ، بل بعضهم يرفض فقط الأعمال الإجرامية للحركة وهو مايعنينا هنا وهو سماع صوت الإعتراف من داخل اليهود أنفسهم.
ليس فقط دير ياسين ..!
في مقالة مطولة نشرت في جريدة «هآير» العبرية اليومية، في 6 مايو 1992، وترجمها لنا من العبرية للإنجليزية إلياس دافيدسن، يقدم الكاتب جاي إرليتش، أدلة على جرائم الحرب التي قامت بها القوات الصهيونية في عام 1948، ضد الفلسطينيين.
المقالة، ذات العنوان «ليس فقط دير ياسين»، تخبر عن مذبحة إسرائيلية حدثت في «ليدا»، وهي مدينة عربية بين تل أبيب والقدس.
دان كوتزمان، صحفي يهودي أمريكي، سمع قصة المذبحة من قائدها، موشي كالمان.
كوتزمان، أخبر بالقصة للمؤرخ الإسرائيلي أريه إسحاق، المحاضر بجامعة بار إلان بتل أبيب، المحاضر في مجال التاريخ العسكري في كلية قوات الدفاع الإسرائيلية IDF، لرجال الشرطة، وأحد أعضاء مركز دراسات «أرض إسرائيل»، ويقصد بهذا المصطلح هنا المنطقة الفلسطينية الممتدة من نهر الأردن للبحر الأبيض المتوسط.
حسب ما يقوله إرليتش، المؤرخ إسحاق، تعرف على الكثير من المذابح التي حصلت في حرب عام 1948، والتي يسميها الإسرائيليون حرب الاستقلال، ويسميها العرب النكبة.
إسحاق، عرف كل هذه المذابح خلال فترة عمله في أرشيف قوات الدفاع الإسرائيلية كمدير للأرشيف.
إسحاق، والذي أراد أن “يواجه بحر الكذبات”، يؤمن أنه تقريبا في كل قرية شملتها منطقة حرب الاستقلال، حصلت جرائم يمكن تصنيفها كجرائم حرب مثل القتل غير التمييزي بين الرجال والأطفال والأبرياء وغيرهم حسب المصطلحات الحربية، والمذابح والاغتصاب.
ويضيف إسحاق، بأن المذابح التي يزيد عدد ضحايا عن 50 شخصا تجاوز عددها 10 مذابح في حرب عام 1948، بالإضافة لحوالي 100 مذبحة صغيرة “أقل من 50 قتيلا”.
ويقول، بأن هذه المذابح كان لها أثر رهيب على العرب لتهجيرهم من أراضيهم.
يمضي إرليتش، في مقالته، وينقل عن المؤرخ الإسرائيلي، يوري ميلستين، والذي أيد رواية أريه إسحاق، بل ذهب لما هو أبعد من ذلك ليقول: «إذا كان إسحاق، يدعي أن تقريبا في كل قرية كان هناك قتلى، فأنا أشدد أنه حتى قبل تأسيس الدولة، كل معركة انتهت بمذبحة».
ثمانية مذابح على الأقل وصفت من خلال بيني موريس، في كتابه «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين».
إيرليش، شرح في مقالته كل قصة تم توثيقها بواسطة إسحاق، ميلستين، موريس.
تلاحظون أن هذه الأرقام تبدو سخيفة بالنسبة لما يحدث اليوم، لكن الحقيقة التي تجعل المؤرخين اليهود يهتمون بهذه الأرقام بالذات أنها جاءت مع مولد الدولة اليهودية، وجاءت بعد سنوات قليلة جدا من حصول الهولوكست، وليس بعد حربي 1967 و1973، والتي يمكن قبولها من قبلهم كمحرض سياسي وعسكري ونفسي للاضطهاد الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب اليهودي.
ولعل المآسي التي حصلت في الأشهر الماضية تجعل هذه المذابح نموذجا لـ”رحمة” الإسرائيليين الأوائل بالفلسطينيين، وعلى أن العالم لم يستوعب الدرس الصهيوني بعد وما تريد تحقيقه.
العقاب بالهولوكست
أقول هذا لأنه بعد تلك السنوات الأولى من تأسيس دولة إسرائيل، حصل التأسيس الفعلي لمائة إسرائيل تحت الأرض في معظم دول العالم حسب الممكن والمستطاع في كل حالة، وصارت الكثير من القوى السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية الموجودة في تلك الدول تحسب ألف حساب للأفعى الصهيونية التي تمشي تحت الأرض وتلدغ كل أعدائها باسم “الهولوكست” أو “كراهية اليهود” أو “معاداة السامية” أو “الإرهاب ضد اليهود”.
من هو عدو الصهيونية؟
هو بالضبط كل شخص يعمل ضد مصالحها، حتى إن اللوبي اليهودي في أمريكا يصنف كل من يدعو لتقليل ترسانة الأسلحة الأمريكية واستهلاكها للميزانية الأمريكية بأنه عدو للسامية.
لماذا؟
حسب تصريح اللوبي اليهودي فإن دراساتهم لم تجد سببا يدعو أي شخص لفعل ذلك، إلا إذا كان “يكره” اليهود ويريد إضعاف قوة الجيش الأمريكي حتى لا يستطيع دعم إسرائيل في معركتها الحتمية مع أقطاب المؤامرة العالمية ضد اليهود.
إذن، هذا ملمح أساسي من المرحلة الثانية من “صناعة الرعب”، صناعة المصطلح ثم تمطيطه ليدخل فيه كل من يؤثر على مصالحك، حتى لو كان ما يفعله هذا “العدو” شرعيا تماما ومقبولا في كل القوانين والأعراف الدولية.
ربما لا نحتاج للكثير من التفصيل في هذا الموضوع، لكنك لو بدأت تستهلك الإعلام الغربي، فستجد أن الهولوكست حاضرة في الإعلام الغربي كل يوم تقريبا، رغم مرور 50 عاما على حدوثها.
هناك دائما قصص عن الناجين من الهولوكست، ولدي وثائق تشرح كيفية تزوير هذه القصص بما يمنع افتضاح أمر الصهيونية المختلقة للقصة ولشخصياتها، هناك أفلام سينمائية ومسلسلات وبرامج إعلامية.
هناك متاحف الهولوكست المنتشرة حول العالم والتي ينفق عليها الملايين، غالبا من ميزانية الدول التي تريد “التكفير عن خطاياها” من ناحية دعم الهولوكست، وهي المتاحف التي يسخر منها البعض على أساس أنه مع تأسيس كل متحف تظهر آثار مادية جديدة على الهولوكست، مما يشير إلى أنها مزورة.
هناك دائما دراسات تخرج الواحدة بعد الأخرى تثبت تورط كل دول العالم في الهولوكست وعلى رأسها أمريكا.
في عام 1998، قامت الدنيا ولم تقعد، لما ظهرت دراسة تقول بأن الأمريكيين منعت سفن المهاجرين اليهود الهاربين من النازية أثناء الحرب العالمية الثانية من دخول أمريكا وأعادتها لتعبر البحر الأبيض المتوسط من جديد حتى تصل إلى إسرائيل.
ربما كان هذا صحيحا، لكننا نعرف مما سبق أن هذا كان بطلب من الحركة الصهيونية حتى تجبر اليهود على الهجرة لفلسطين.
ومع ذلك، خرج المسؤولون الأمريكيون يعتذرون عن ذلك، ويؤسسون صندوقا بملايين الدولارات لدعم “ضحايا الهولوكست”.
ألمانيا المتورط الأكبر في الهولوكست ما زالت تدفع سنويا حوالي مليار دولار للتعويض عن خطيئتها.
كل الشركات والبنوك التي ساهمت بشكل أو بآخر في دعم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية اعتبرت مسؤولة عن الهولوكست وصارت تدفع التعويضات السنوية أيضا.
باختصار، كل العالم الغربي متورط في اضطهاد اليهود قبل الهولوكست، والمساهمة في الهولوكست بشكل أو بآخر، ولذا عليها دفع الثمن.
طبعا مصطلح “الهولوكست” لم يعد يكفي لتبرير الأنشطة الصهيونية، فظهر مصطلح “معاداة السامية”، وصار كما قلنا من قبل كل نشاط يحدث في أي دولة معارض لمصالح اليهود ومطالبهم نشاطا “معاديا للسامية”، وأعداء السامية كما تعرفون هم _ حسب النظرية الصهيونية _ أناس قد تشربت العنصرية والكراهية في قلوبهم ويستحقون العقاب.
الطريف أن هذا المصطلح استخدم حتى ضد اليهود الأمريكيين الذين يعارضون الاضطهاد الإسرائيلي وربط ذلك بعقدة “جلد الذات اليهودية”، ولعلي أستطيع في مقال مقبل، شرح الكيفية التي تعمل بها الصهيونية حاليا لإجبار كل يهودي في أمريكا على المشي في ظلالها وأنواع العقوبة العجيبة التي تبذل ضدهم بدءا من قصة عضو كونجرس يهودي اسمه، بيت مكلوسكي، تمت محاربته واضطهاده بكل الأساليب، حتى بعد إخراجه من الكونجرس.
كل ذلك لأن اللوبي اليهودي شاهد زوجة مكلوسكي، في مظاهرة بلوس أنجلوس، تطالب بخروج إسرائيل من جنوب لبنان وتطلب ربط مساعدات أمريكا لإسرائيل _ التي تنفق 30 مليار دولار سنويا _ بإنهائها لاحتلال جنوب لبنان.
هناك أيضا قصص الأكاديميين والعلماء اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب مواقفهم المعارضة للصهيونية، وعلى رأس هؤلاء، نعوم تشومسكي، الذي يعتبر من أعظم فلاسفة أمريكا في القرن العشرين، ولكنه بالمقابل عارض الصهيونية بكل ما يملك من قوة، ودفع الكثير جدا ثمنا لذلك.
لماذا كل هذا الكلام؟
لقد قدم اليهود للعالم فن “صناعة الرعب” الذين ما زالوا يمارسونه على اليهود وعلى العالم ويجنون من وراءه الكثير جدا.
لكني دعني أقل شيئا واحدا أختم به الكلام: قد يفكر أحد من خارج إطار الصهيونية في استخدام فن صناعة الرعب، ولكن أحدا لا يملك المهارات والانتشار والطبيعة النفسية والآلة الإعلامية والخبرة الطويلة والدعم المالي الذي يمكنه من ذلك، إلا إذا كان يستعين بالصهيونية كمستشار ومخطط ومنفذ ومتابع على المدى الطويل.
* نُشر في مجلة المعرفة السعودية