الناتو تواجه سؤال القوات الأرضية الصعب

من قسم منوعات
الخميس 15 أبريل 1999|

بالرغم من قرار الإدارة الأمريكية بدفع خمسين ألف من جنود الناتو إلى الحدود الكوسوفية استعدادا لدخول كوسوفا مع أول اتفاقية سلام يمكن التوصل إليها مع الصرب مما يوحي بتفاؤل الناتو بالانتصار المخطط له، إلا أن الحقيقة مختلفة عن ذلك بعض الشئ حسب ما تخبر به عدد من التقارير الأمريكية.

الناتو، كما يبدو، يواجه الآن التحدي الصعب، حيث يتعين على الاتحاد حاليا وخلال ثلاثة أسابيع فقط أن يقرر فيما إذا كان يرغب في استعمال أسلوب أكثر قوة وعلى نطاق أوسع يسمح بالإنهاء السريع للحرب مع يوغسلافيا، وهذا الأسلوب الأقوى كما هو مطروح على طاولة الحرب هو استعمال هيلوكبترات الأباتشي المعروفة بقدرتها على شن حرب تشبه الحرب الأرضية بسبب سرعتها وقربها من الأرض واستعمال القوات الأرضية.

نظرية الثلاثة أسابيع جاءت من قبل المحللين العسكريين، وعلى رأسهم قائد القوات الأمريكية في حرب الخليج الجنرال شوارتسكوف، الذين يرون أهمية إنهاء الحرب ونقل اللاجئين الكوسوفيين إلى بيوتهم وإعادة جنود الناتو إلى دولهم قبل ابتداء فصل الشتاء القارس في كوسوفا، أي قبل منتصف شهر أكتوبر الميلادي القادم.

على المستوى الأمريكي ليس الجميع سعيد بهذا الطلب، لأنه يجعل القرار العسكري مواجها بتوقيت حرج يخالف الخطة الأصلية المعتمدة على التدمير البطئ للقدرات العسكرية للجيش اليوغسلافي، لينتهي الأمر باستسلام سلوبودان ميلوسفيتش، غير المشروط لقوات الناتو.

المتحدث الرسمي بوزارة الدفاع الأمريكية، قال يوم الثلاثاء الماضي في تعليق على تساؤلات بهذا الصدد، بأن الجيش الأمريكي مدرب على القتال في كل الظروف الجوية والمعدات العسكرية الموجودة مجهزة بهذا الشكل، أما نصف المليون لاجئ الموجودون في العراء فهؤلاء يمكن حل مشكلتهم بطريقة أو بأخرى.

هؤلاء العسكريون قد يبدون هم وحدهم أصحاب القرار العملي مع المعارضة الألمانية الإيطالية الشديدة لأي استعمال للقوات الأرضية في كوسوفا، ومع وجود معارضة أمريكية داخل الكونجرس الأمريكي للأمر نفسه.

 

بناء كوسوفو!

بالنسبة للطلب الأمريكي بدفع خمسين ألف جندي لحدود كوسوفو، والذي جاء بناء على اقتراح الجنرال ويسلي كلارك، قائد قوات الناتو المشتركة، فإن هؤلاء يفترض أن يكون منهم مهندسون وجنود مدربون على الإدارة المدنية وشرطة عسكرية ستساهم في حفظ النظام في كوسوفا أثناء عودة حوالي مليون ونصف لاجئ كوسوفي، منهم 850 ألف خارج كوسوفو، و580 ألف شخص موجودون داخل كوسوفو ولكن في مناطق خارج مدنهم الأصلية.

هؤلاء الجنود يفترض أن يساعدوا أيضا في التأهيل المؤقت لبيوت اللاجئين التي دمرها الصرب ودمر بعضها هجمات الناتو الجوية بعد استخدام هذه البيوت كقواعد عسكرية ليوغسلافيا.

لكن إرسال هؤلاء الجنود لا يبدو الجميع في الناتو نشيطا لتحقيقه مع الحاجة لتحديد الفرق المرسلة واستدعاء الاحتياط المدني ونقل التجهيزات المدنية الخاصة بهذه الفرق ونقلهم للحدود الكوسوفية مع وجود أزمة لا يبدو واضحا تماما كيف ستنتهي.

بعض دول الناتو تشعر بأنها قد أرسلت عددا كافيا من الجنود للشؤون المدنية _ يوجد حاليا 28 ألف جندي في مقدونيا وألبانيا منهم 4000 أمريكيين _ وأن الطلب الأمريكي غير مبرر وله مقاصد سياسية بحتة.

في أوساط الناتو، هناك مخاوف تنمو شيئا فشيئا في رؤوس المسؤولين السياسيين، بدءا من الخوف من الرأي العام بحكم أن كل الأنظمة السياسية في دول الناتو تتحكم فيها عملية الانتخابات السياسية والرأي الشعبي العام، والخوف من مساهمة هذه الحرب في تعميق هوة الخلاف بين بعض أعضاء حلف الناتو.

عامل آخر توقع كثيرون مساهمته في تغيير اتجاه القرار السياسي، وهو «تبعثر» اللاجئين اليوغسلافيين بين الدول واستقرارهم فيها.

هذه المشاعر كلها تساهم حاليا في صناعة قرار دول الناتو بشكل أو بآخر.

عامل هام آخر له دور أساسي في صناعة القرار في أوساط الناتو، هو محاولة توقع رد الفعل اليوغسلافي.

البعض، وخاصة الأمريكيون والبريطانيون، يبدون متفائلين جدا بأن يوغسلافيا على حافة الاستسلام النهائي لمفاوضي الناتو وطلباتهم منعا للمزيد من التدمير لقواعد الجيش اليوغسلافي، بينما بعض الدبلوماسيين الأوروبيون يرون أن هذه مجرد أماني، وأن الاعتقاد بأن دكتاتورا يوغسلافيا كميلوسفيتش، سيستسلم لهذا السبب هي مجرد أماني لاتحاد يدخل حربا مشتركة لأول مرة ويريد أن يرى نتائج مبهرة.

هؤلاء الدبلوماسيون وجدوا في الصعوبة التي واجهتها دول الناتو وروسيا في اجتماعهم الأسبوع الماضي بالعاصمة الألمانية لوضع نسخة تمهيدية لاتفاقية السلام تأكيدا على نظريتهم بأن الناتو قد لا يحقق كل النتائج التي يعلن عنها كأهدافا لهذه الضربات، وأن ميلوسفيتش، قد يفوز في النهاية مع استمراره رئيسا ليوغسلافيا ووصيا بطريقة أو بأخرى على كوسوفا.

الاعتقاد بأن 31% من قدرات الجيش اليوغسلافي قد دمرت مؤيد للنظرية العسكرية التي تقول بأن الجيش الذي يفقد ثلث قدراته يفقد القدرة على المقاومة.

أصحاب هذه النظرية، وغالبهم من القادة العسكريين في قوات الناتو، يطالبون بتخطيط سريع خلال الأسابيع القليلة الماضية لهجوم أرضي شامل ينتهي بإسقاط الحكومة اليوغسلافية والسيطرة الكاملة على الإقليم.

السياسيون من جهتهم يريدون قرارا يدعمه مجلس الأمن والأمم المتحدة دون التعرض لفيتو من روسيا أو الصين.

هل تحقق الضربات الجوية وحدها أثرا عميقا سينتهي بالنصر؟

إجابة هذا السؤال تبدو حيوية جدا وسط هذا الخضم الرهيب من الآراء السياسية والعسكرية التي قد لا يدفع ثمن تعدديتها وتنوعها سوى اللاجئين الكوسوفيين.

لو حصل هذا، ولله أمره من قبل ومن بعد، فستكون لحكمة الرئيس البوسني، عزت بيجوفيتش، قولها الأخير، بعد أن توقع بيجوفيتش، ماذا يعني بالضبط أن تقرر أسود الغاب دخول معركة في وجه الذئاب من أجل «الحملان الوديعة».

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية