عشرات ملايين الألغام تنتظر جدية المجتمع الدولي و.. الضحايا!

من قسم منوعات
السبت 28 أغسطس 1999|

قضية الألغام التي قام الصرب بزرعها في مختلف المناطق في كوسوفا، ينتظر حاليا الضغط على الصرب لتزويد الناتو بخرائط الألغام كشرط في الاتفاقية السلمية أعادت تركيز المجتمع الدولي من جديد على بذل جهود قصوى لإزالة ملايين الألغام المزروعة في حوالي 60 دولة حول العالم، بما فيها البوسنة وأفغانستان وكمبوديا ونيكارجوا وأنجولا، والتي تصيب ما معدله 500 شخصا أسبوعيا، أكثرهم ينتهي به الأمر للوفاة أو الإعاقة الدائمة.

كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قبل فترة قصيرة قد حددا هدفا يتمثل في إزالة هذه الألغام تماما في عام 2010، وبالرغم أن هذه الفترة المحددة تبدو طويلة، إلا أن عددا من الخبراء الأمريكيين والأوروبيبن قالوا في مؤتمرات صحفية خلال الأسابيع الأخيرة أن الجهود المبذولة حاليا غير كافية لتحقيق هذا الهدف قبل عام 2010، وأنه لابد من تسريع العمل بنسبة 10 إلى 100 ضعف لأداء المهمة بالشكل المطلوب.

واحد من أهم الأسباب حسب هذه التصريحات الصحفية، ضعف الميزانية المخصصة لمركز البحث الأوروبي المطلوب منه تحقيق هذه المهمة، والتي لا تتجاوز 20 مليون دولارا أمريكيا سنويا تتضمن الإنفاق على الأقمار الصناعية التي تقوم بمسح حقول الألغام إلى الأجهزة الأرضية التي تكشف وتدمر الألغام.

هذا العمل يتم من خلال الباحثين العسكرين ومن خلال المؤسسات الإنسانية المتخصصة في هذا المجال، حسب ما صرح به توماس هندرسون، كبير الباحثين بالجيش الأمريكي، والذي أشار أن هذا العمل المزدوج بين الفريقين يتم في مركز فورت بيلفوير للأبحاث بولاية فرجينيا الأمريكية، والذي يتبع الجيش الأمريكي ويدعم البرنامج المتمركز في مدينة إسبرا الإيطالية.

لكن يبدو أن هذا الازدواج في العمل بين العسكريين والباحثين الإنسانيين ينتج عنه بعض المشكلات التي تعوق العمل، حيث يرغب العسكريون في الانطلاق بسرعة تحت أي ظروف لإنهاء المهمة، بينما يركز الباحثون المدنيون علي مستوى أعلى من الأداء، بحيث يتؤكد تماما من خلو الأرض الممسوحة من الألغام حين يطلب من الناس العودة للإقامة فيها.

العسكريون يقولون أن الأسلوب المدني أصبح قديما، حيث مازالت المنظمات الإنسانية تستعمل الأسلوب القديم والذي لم يتغير منذ الحرب العالمية الثانية، ويتضمن إرسال خبراء شجعان داخل حقل الألغام ليسيروا بهدوء شديد ومعهم أدوات فحص إلكترونية للأرض، وعندما يجد هؤلاء لغما يضعون عليه إشارة ويتراجعون ليتم تفجيره.

المشكلة أن هذا الأسلوب يأخذ الكثير من الوقت، كما أن الأدوات الحالية تخطئ أحيانا في كشف الألغام البلاستيكية، وكان هذا سببا في مقتل خبير بريطاني اسمه جوستين بايلي، قبل أشهر، حين كان يعمل في أحد حقول الألغام في أنغولا.

الباحثون العسكريون يقولون بأن الحل الأفضل يتضمن في كشف الألغام من خلال الطائرات الصغيرة والأقمار الصناعية، إلا أن باحثو المؤسسات الإنسانية يقولون بأن نسبة الدقة في التكنولوجيا المستعملة حاليا صغيرة ويمكن أن يبقى الكثير من الألغام في الأرض دون الانتباه لها.

ولذا؛ فإن مارتين أوراشير، رئيس مؤسسة إنسانية ألمانية متخصصة في إزالة الألغام اسمها «دي مايرا»، يقول بأن أهم أولويات العمل حاليا هو تطوير نظام تكنولوجي راق يمكنه فحص الألغام وربما تدميرها من الجو بنسبة دقة عالية، أو تطوير عربات متطورة يمكنها بسهولة كشف أي نوع من الألغام الموجودة تحت الأرض بلا أخطاء، وذلك من خلال تطوير رادار متخصص وعلى درجة عالية من التقدم.

أحد مراكز الأبحاث الأوروبية تعمل جديا على هذا الاختراع، بحيث تجعل الرادار جاهزا لرصد أي ألغام مهما كان شكلها وطريقة إخفاءها تحت الأرض.

في أفغانستان استعمل أسلوب آخر يبدو أنه الأكثر فعالية حتى الآن، حيث تم تدريب 161 كلبا على تتبع رائحة مادة معينة تنبعث عادة من الألغام.

محمد شهاب حاكمي، رئيس مركز تفجير الألغام في أفغانستان، قال في مؤتمر صحفي بأنه حتى الآن لم يموت إلا ستة كلاب منذ بدء المشروع في عام 1989، وقد ساعدت الكلاب المدربة، وهي كلاب من نوع بلجيكي، على كشف أكثر من مائة ألف لغم من أنواع روسية وصينية وإيرانية وهندية، حسب ما قال حاكمي، يوم الخميس الماضي.

هذا الأسلوب أوحى لعدد من الباحثين فكرة تطوير «أنف ألكتروني» يرصد هذه الرائحة بحساسية عالية جدا، وإن كانت المشكة التي تواجههم أن هذه الرائحة نفسها تصدر من بعض أنواع الأطعمة والمنتجات الطبية.

التطوير الآخر المهم في مجال الألغام هو تقنيات تفجير الألغام، والذي يبدو أن شركة اسكتلندية تسيطر عليها حاليا من خلال تطويرها لعربة تقوم بتفجير الألغام اسمها «آردفارك».

شركة سويدية أخرى في طريقها لتطوير تقنية مماثلة، إلا أنها يفترض أن تكون أسرع وأكثر دقة وأكثر سهولة في الاستعمال ولا تترك آثارا كبيرة في الأرض بعد التفجير.

لكن هندرسون، كبير باحثي الجيش الأمريكي، يقول بأن أمريكا طورت ما يمثل «الرولزرويس» في عالم تفجير الألغام، وأن هذه العربة التي تبلغ قيمتها مليون دولار يمكن التحكم فيها بالريموت كنترول من بعد، إلا أن مشكلتها الوحيدة أنها لا تعمل في الغابات والأراضي الوعرة جدا.

خلال الأحاديث الصحفية، كان هناك تفاوت في تقدير عدد الألغام الموجودة حاليا في العالم.

تصريحات الأمم المتحدة الرسمية تصل بهذا الرقم إلى أكثر من مائة مليون لغم، بينما يقول كولين كينج، رئيس تحرير مجلة متخصصة في الألغام، بأن هذا العدد مبالغ فيه كثيرا، وإن الإعلام وراء هذه المبالغة بسبب رغبته في الإثارة، ويضيف كينج، أن عدد الألغام في العالم حسب تقديره، يتراوح من 30 مليون إلى 50 مليون.

تساهل المجتمع الدولي في التعامل مع قضية الألغام يدفع ثمنه يوميا أبرياء بسطاء لا يملكون القوة الاقتصادية أو السياسية لدفع المجتمع الدولي نحو تحرك أقوى في اتجاه تخليص العالم من الألغام.

ما لا يتمناه أحد أن تكون مآسي الكوسوفيين _ كما حدث في البوسنة من قبل _ في طريقها للبدء حين يعود هؤلاء سعيدين إلى بلادهم «المحررة»!

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية