الحركات التبشيرية تستعمل معلومات محرفة للحصول على المال

من قسم منوعات
الجمعة 15 مايو 1998|

يوجد على الإنترنت مراكز معلومات ضخمة مرتبطة بالبعثات التبشيرية حول العالم، هذه الصفحات تحتوي على معلومات مصنفة ومركزة ومصاغة بطريقة شديدة التأني حول دول العالم والشعوب والأديان المستهدفة من خلال الحركة التبشيرية.

هذه المعلومات بالتأكيد لا تستهدف تعريف المبشرين بهذه الدول والشعوب فقط، بل أيضا رسم الأجندة الخاصة بهم في عملهم التبشيري وتحديد القضايا التي يتم التركيز عليها والإطار الذي ينظرون إليه لهذه القضايا، بالإضافة للتأثير في القارئ المسيحي العادي “غير المبشر” في نظرته لهذه الشعوب والقضايا، ومحاولة جره للتبرع بنصيب أكبر من المال، مع الإدراك بأن هناك كثيرا من المناطق حول العالم التي تحتاج «لإحضار المسيح إليها» وأن ذلك ممكن بسهولة نظرا للاستعداد الكبير لهذه الشعوب لولا العقبات السياسية والاجتماعية والتي يمكن التغلب عليها بالمال فقط.

هذه هي الرسالة التي تسعى مراكز المعلومات هذه لتأسيسها في أذهان المبشرين والناس العاديين، ومكاسب مثل هذه الرسالة واضحة جدا.

إلا أن مراكز المعلومات هذه، على ما فيها من تحريف واسع للحقائق كما سترى لاحقا، تحتوي على قدر رهيب ومفاجئ من المعلومات حول الشعوب وعاداتها الدقيقة ومشكلاتها والثغرات التي يمكن النفاذ إليها منها، وهناك تفصيلات قد لا يعرفها البعض منا ممن يسكنون في الدولة نفسها عن هذه الشعوب.

فيما يلي ثلاثة أمثلة من مركز معلومات «الشعوب غير المبلغين»، والذي يحتوي على قائمة طويلة من دول العالم في كل قاراتها، بحكم أن في كل دولة في العالم أقليات يعتقد أن الحركة التبشيرية لم تعطها حقها بعد:

  • المثال الأول أفغانستان: بعد تقديم بعض المعلومات الجغرافية والتاريخية والتي تنتهي بالحديث عن الاحتلال السوفييتي ثم حديث «شديد الإيلام» عن الحرب الداخلية بين جماعات المجاهدين، والتي بدأت كحرب إسلامية مقدسة “جهاد” ثم تحولت لمسابقة وحشية من أجل القوة والسيطرة العرقية والقيادة الدينية، ثم معلومات عن وضع الحركة المسيحية في أفغانستان، حيث يوجد 48,000 مسجد ولكن بلا أي كنيسة واحدة ولا حتى بعثة تبشيرية رسمية تضم تحت مظلتها الأفراد المعدودين الذين اعتنقوا المسيحية.

بعد مقالات حول العمل التبشيري أثناء سنوات الحرب الماضية كلها، يأتي فهرس مطول لكل الجماعات العرقية والدينية التي تحتويها أفغانستان، بما فيها أقليات صغيرة جدا مثل الأكراد.

لنذهب مثلا لما قالوه عن مجموعة «الأفغان الطاجيك»، يبدأ الملف بحقائق حول الطاجيك وتاريخهم وأصولهم _ يوجد ملف كامل لطاجيكستان كدولة غير هذا _ ثم حديث حول المجموعات الصغيرة منهم في الجبال الشمالية الشرقية لأفغانستان.

يتضمن الحديث وصفهم، لون جلدهم، شكل أنوفهم، لون شعرهم، عاداتهم في الزواج وزواجهم من الأوزبك والبشتان وأثره عليهم، وصفاتهم «عزيزي النفس، يعملون بجدية، وهم كذلك كرماء ومساعدين للمحتاج، هم أيضا مسلمين حريصين على دينهم قويين في إيمانهم وملتزمين كثيرا بمعتقداتهم الإسلامية».

أيضا حديث عن صناعاتهم وتجارتهم وتفصيل لنمط حياتهم الجبلية ولباسهم للرجل والمرأة والفلوكلور الخاص بهم.

أيضا هناك حديث عن معتقداتهم، والمذاهب الفقهية التي ينتمون إليها «99% مسلمين، معظمهم سنة على المذهب الحنفي، مع نسبة بسيطة من المسلمين الإسماعيلية».

أيضا حديث عن ارتباطهم الشديد بالإسلام في كل عاداتهم وحرصهم على الصلوات الخمسة، ثم حديث عن انتشار بعض العادات الصوفية بينهم.

العنصر الأخير والأخطر هو «ماذا يحتاجون؟»، ويتضمن هذا احتياجاتهم المادية «الماء، المساعدات الطبية، المدرسين»، واحتياجات من يفكر باعتناق المسيحية «حمايته من أقربائه المسلمين»، واحتياجات من يبشرهم «تعلم لغتهم، وحمل الأناجيل الموجودة على عنوان معين بلغتهم والتي يمكن إعطائها لـ10% من الناس التي تستطيع القراءة».

أخيرا كما هو في كل ملف، مجموعة دعوات للأفغان الطاجيك، وهذه الدعوات تساعد على زيادة تصميم المبشرين في عملهم، وعلى تبني الناس لقضاياهم حين يختارون الدعاء لهم وبالتالي التبرع لهم.

من الدعوات الموجودة إعطاء السلام والاستقرار لهم، وأن يعين الله، سبحانه وتعالى عن تحريف المغضوب عليهم، المبشرين المدربين على اللغة الفارسية والطاجيكية والموجودين حاليا في باكستان على العمل بينهم، وأن يكشف الله ضلال دين المسلمين للطاجيك، وأن يزيدهم رغبة في التوجه للمسيح، وأن يوجههم الله لسماع المحطة الإذاعية المسيحية الموجهة لهم ومشاهدتهم لفيلم «المسيح» الذي يوزع بينهم بلغتهم، وأن يتوفر المال الذي يساعد المبشرين على العمل هناك، وأن يمكن بناء كنائس محلية هناك بحلول عام 2000.

ذكرت هذه الدعوات حتى ترى بوضوح كيف يتم زرع أهم الأفكار التي تريد الحركة التبشيرية، وصولها للمسيحيين العاديين حول العالم من خلال مثل هذه الدعوات التي تبدو بريئة ومخلصة.

ما الحاجة أن تذكر في الدعاء أن هناك مبشرين مدربين جاهزين في باكستان ينتظرون الدعم، إلا إذا كان المقصود زرع هذه الأفكار في ذهن المسيحي العادي الذي لا يحس في مثل هذا طلبا صريحا للمال؟.

  • المثال الثاني من مصر: وترتيب المعلومات في الملف هو نفسه تماما في ملف أفغانستان.

في الملف تركيز على الادعاء بأن أصل 4.86% من المصريين ليس من العرب بل من الأقباط، وهذه معلومة محرفة هدفها جعل المسيحيين يؤمنون أن هؤلاء خسرتهم المسيحية لصالح المسلمين ولابد من إعادتهم للمسيح.

قائمة المجموعات تتضمن عدة مجموعات من البربر، النوبيين المستعربين، البدو، البشاريين، عدة مجموعات مفصلة من النوبيين، عدة مجموعات مفصلة من الغجر، الفلسطينيين، السودانيين، الأتراك، اليمنيين.

لنأخذ مثلا ملف إحدى مجموعات الغجر، هناك حديث عن لغتهم، والتي تحتوي على كلمات عربية كثيرة، وأصولهم، بناء على الدراسات الأنثربولوجية الغربية والتي ترى أن أصولهم الأساسية هنود اضطهدتهم الديانة الهندوسية فهاجروا لإيران ثم تفرقوا حول العالم، والفروق بين مجموعاتهم السبعة، وبين المستقرين منهم في العالم العربي أو في أوروبا.

هناك حديث عن شكلهم ونمط حياتهم بالتفصيل، وموقف الناس الاجتماعي منهم وأسبابه، وترحالهم وأسبابه وما يركبون، وعاداتهم الاجتماعية كالزواج، وحتى عادات النظافة “الشخصية جدا”، ومعلومات سريعة عن من يعيش منهم في المدن والقرى.

هناك أيضا حديث عن مهنهم باختلافها، ولباسهم بما فيها _ عند بعضهم _ الرقص والشحاذة وسرقة الأكل، والظروف المحيطة بذلك.

هناك حديث عن ديانتهم كمسلمين، بالإضافة لإيمان العديد منهم بخرافات قديمة وتفصيل لبعض هذه الخرافات.

احتياجاتهم الرعاية الصحية، الأكل النظيف، السكن، التعليم، والذي يزودون به من خلال البعثات للخارج، بالإضافة لمحطة إذاعية مسيحية وبعثات تبشيرية.

بعض أجزاء الإنجيل مترجمة للغتهم بلهجة «نور مصر»، والدعوات على النمط السابق بما فيها كنيسة محلية في عام 2000 وآخرها «اسأل الروح المقدسة أن يلطف قلوب الغجر نحو المسيحيين حتى يكونوا مؤهلين لاستلام رسالة المسيح»!!

  • المثال الثالث والأخير حول السعودية: قد لا يعنينا كثيرا حديثهم المشوه والمليء بالحقد على النظام الإسلامي فيها، لكن ما يعنينا أنهم يدعون أن 5% من السكان مسيحيين مضطهدين ولا يستطيعون أن يرفعوا رؤوسهم، وفي حديثهم عن مجموعة «الحجازيين»، تدعي معلوماتهم أن 1% منهم مسحيين، مع أنه من المعروف تماما أن 100% من السكان مسلمين، وهؤلاء المسيحيين المزعومين لو كانوا موجودين لسافروا للخارج، واستطاعوا الحديث للإعلام الغربي الذي يرحب بهم بصدور مفتوحة.

لكن كما قلت المعلومات مصاغة بطريقة تحقق أهدافا سياسية للبعثات التبشيرية، أهمها إقناع الناس بضرورة الدعم اللامحدود لعملهم، وأيضا خدمة الجهات السياسية التي تعمل في السنوات الأخيرة، لضم السعودية ضمن الدول التي تضهد سكانها المسحيين، بالرغم أنه في الحقيقة أن السعودية ليس فيها مواطنين مسيحيين أصلا.

هناك أيضا ملف شديد التفصيل وشديد التشويه أيضا عن الإسلام وتعاليمه وعن حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، والقرآن الذي يدعون أن الصحابة جمعوه من أقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته وليس هناك أي إشارة أن المسلمين يرون أنه وحي من الله، عز وجل.

مثل هذه المعلومات بطريقتها هذه تخبرنا عن استراتيجيتين أساسيتين للعمل التبشيري:

  • الأولى: تقسيم الناس لمجموعات صغيرة على أساس الفروق الاجتماعية والعرقية ودراسة العادات الاجتماعية لكل مجموعة منها، وهو منهج مستقى من الدراسات الأنثربولوجية والاجتماعية، وبالتالي غزو كل مجموعة على حدة.

هذا التخصص والتركيز في رأيهم يعطي نتائج أفضل بكثير من توجيه رسالة عامة لكل الناس، هذه الاستراتيجية قد تكون مفيدة في بعض وجوهها للعمل الدعوي الإسلامي.

  • الثانية: هو إعطاء معلومات دقيقة لا يفاجأ المبشر أو المسيحي العادي بأنها كاذبة، مع صياغة هذه المعلومات ضمن تفسيرات عامة محرفة تماما تخدم الأهداف المسيحية البحتة، وهذا بالتأكيد مما لا حاجة للمسلمين به لأن الإسلام دين حق لا يحتاج لمثل ذلك كله.

هذا بالإضافة طبعا لما هو واضح وذكرناه من تركيزهم على المتلقي والمتبرع المسيحي بشكل غير مباشر، ومع ذلك شديد التأثير، وهذا أحد تفسيرات الدعم المالي الرهيب الذي تتلقاه الحركة التبشيرية حول العالم.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية