«التعلم عن بعد» حلم جميل تحول إلى واقع يزداد قوة يوما بعد يوم مع سيل من الدراسات والأبحاث حول الكيفية المثلى لإيجاد مثل هذا التعليم ودعمه والمقارنة بينه وبين التعليم التقليدي وإيجابيات وسلبيات مختلف أساليب التعلم عن بعد.
أهم إيجابية للتعلم عن بُعد تجعله حلمًا جميلًا هو أنه يسمح للناس من كل مكان من مختلف الأعمار والأجناس والظروف المادية والمعيشية أن يشاركوا في برنامج يشرف عليه متخصصون في أماكن متعددة حول العالم.
إنه يعني تلاقح الخبرات في قرية العالم الصغيرة لإنتاج برنامج يمكن لأي شخص التعلم من خلاله والحصول على الشهادة دون الحاجة للحضور إلى جامعة معينة وترك الوظيفة أو الانتقال من مدينة أو دولة لأخرى.
هذا الحلم ليس جديدا، وحصلت كثير من المحاولات التي اعتمدت على البريد والمراسلة فقط، لكن الإنترنت جعله قريبا من الأيدي مما ساهم بشكل غير مسبوق في طرح أفكار وبداية تجارب كثيرة للتعلم عن بعد.
بعض هذه التجارب كان مثمرا مع الكثير من الإيجابيات والكثير من السلبيات أيضا.
من هذه السلبيات عدم اعتراف العالم «العملي» على المستويات الأكاديمية والتوظيفية بهذه الشهادات بعد، وحصول أشخاص غير مؤهلين بما يكفي على شهادات عالية كون الاختبارات كلها تجرى عن بعد مما يسمح بالتزوير، وغيرها وإن كانت هناك محاولات ضخمة لوضع حلول عملية تنهي هذه السلبيات.
في المقابل كان هناك من استغل هذا الجو في إنشاء خدمات للتعلم عن بعد على الإنترنت فقط للحصول على المال من خلال النصب والكذب على الناس.
واحدة من هؤلاء الناس نشرت قصتها حديثا على الإنترنت، حيث قامت بالتجاوب مع برنامج عالي المستوى يمنح خريجه شهادة الدكتوراه.
مديرة مدرسة ابتدائية بولاية نبراسكا الأمريكية، تجاوبت مع العرض، ودفعت 3,500 دولارا أمريكيا وبدأت تحصل على توجيهات تعليمية منظمة وذات إيحاء أكاديمي.
خلال تلك الفترة أعدت هذه المديرة رسالة الدكتوراه التي وضعت فيها الكثير من الجهد، لتحصل بعدها على الدكتوراه وتحتفل بذلك مع أسرتها، قبل أن تعلم بعدها بأيام أن هذه الجامعة «الإلكترونية» مزورة ولا وجود لها، كما لا وجود لكل الدكاترة «الكبار» الذين يتحدث عنهم إعلان الجامعة.
في الشهر الماضي، استطاع المدعي العام لولاية لويزيانا الأمريكية، الحصول على أمر من المحكمة بإغلاق ما يسمى بـ«جامعة ولاية كولومبيا»، والذي يشابه اسمها اسم جامعة كولومبيا أحد أشهر الجامعات الأمريكية، والتي غشت من خلال الإنترنت آلاف الناس لتجمع ما مقداره مليون دولار شهريا من أناس أكثرهم كان غير عالم أبدا بهذا الغش، بينما علم آخرون وسكتوا حتى يحصلوا على شهادات عالية وخاصة أولئك الذين لن يستخدموا هذه الشهادات داخل أمريكا.
القرار نفسه توجه نحو «جامعة ولاية كامبريدج»، هناك أيضا أحد أشهر جامعات العالم جامعة كامبريدج، ولكن صاحب الجامعة المزورة انتقل مباشرة لولاية هاواي الأمريكية، ليفتح الجامعة من جديد، مستفيدا من الاستقلال القضائي بين الولايات الأمريكية.
في هاواي نفسها تم إغلاق جامعتين من هذا النوع، كما أغلقت جامعة أخرى في ولاية إلينوي الأمريكية.
الموضوع انتقل الآن لمستوى أعلى، حيث تدخل مكتب المدعي الأمريكي العام ليحقق في شأن 15 جامعة إنترنتية أخرى، ومازال الأمر تحت التحقيق، وإن كان يتوقع أن تتضخم القائمة قريبا مع كثرة الخدمات الجديدة.
الفضيحة التي فاجأت المحققين أن قائمة الأشخاص الذين حصلوا على شهادة «جامعة ولاية كولومبيا» المزورة هذه _ وغالبهم اكتشف تزويرها بعد ذلك لكن دون أن يعلن عن ذلك _ تضم سياسيين معروفين، ورجال شرطة، ورجال أعمال كبار.
أحد الحاصلين على الشهادة فلسطيني جاء تحت الضوء بسبب التحقيقات ليسجن بعد ذلك بتهمة الانتماء لـ«حماس»، والمعروف أن مثل هذا الانتماء جريمة في القانون الأمريكي بعد تصنيف «حماس» رسميا كمنظمة إرهابية.
المحققون في شأن الحاصلين على شهادات هذه الجامعة، قالوا إن الكثير من خريجيها لابد وأن يكونوا قد عرفوا أنها مجرد جامعة مزورة، لأنه يمكنك الحصول على بعض درجات عليا خلال 27 يوما فقط، ولأن الطلاب يعتبرون وكأنهم حصلوا على ساعات دراسية في مجالات معينة إذا أثبتوا أن لديهم خبرة في هذه المجالات، وإن كان من هذه المجالات لعب الجولف لطالب علوم اجتماعية.
لكن في المقابل، هناك مجموعة أخرى من الناس الذين لم يكن لديهم أي فكرة عن تعارض مثل هذه الممارسات مع التقاليد الأكاديمية، والذين اشتكوا الجامعة بعد اكتشاف تزويرها.
هؤلاء مثلا غشهم صورة تبدو وكأنها صورة لمبنى الجامعة المتكون من عدة أبراج عالية، بينما في الحقيقة هذه الأبراج تتبع شركة عادية في نيويورك ومركز الجامعة موجود في منزل صغير في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وفي المنزل سنترال هاتفي وساعة على الحائط تشير لتوقيت نيويورك المختلف عن توقيت كاليفورنيا حتى لا يقع الشخص المجيب على الهاتف في أخطاء من هذا النوع.
الطريف أن صاحب هذه المدرسة وهو زوج سابق لفنانة أمريكية شهيرة كان قد أسس في أول التسعينات جامعة لعلم التجميل في كاليفورنيا، والتي أغلقت بسبب كونها مزورة وحكم عليه، إلا أنه عاد بعد خروجه من السجن لصنعته القديمة.
هذه المرة استطاع أن يتدارك نفسه قبل القبض عليه ليهرب إلى المكسيك برا.
هذا الشخص وحده مثل كل «الدكاترة» الذين صححوا شهادات الدكتوراه بعبارات مختلفة مثل «أحسنت»، «حاول أن تفعل كذا أو أن تكون أكثر دقة»، «أنت تمضي على الطريق الصحيح».
طبعا مثل هذا التزوير لم يولد مع ولادة الإنترنت، ففي السابق وبين عامي 1983 إلى 1986، قبضت الشرطة الفدرالية الأمريكية FBI، على مسؤولي 39 جامعة بالمراسلة، والتي كانت تمنح شهادات عليا في تخصصات دقيقة مقابل القليل من الجهد أو مقابل لا جهد أبدا.
لم يمكن اتخاذ أي قرارات قانونية ضد الحاصلين على الشهادات وكثير منهم حصلوا على وظائف داخل أمريكا وخارجها بسببها، ولكن هذه الحملة أوقفت مثل هذه الجامعات في أمريكا.
الإنترنت جاء ليغذي الفكرة لدى «لصوص الشهادات» من جديد بسبب الإمكانيات الاتصالية والسحر الخاص لشبكة الإنترنت كبديل معلوماتي غزا العالم بلا مقاومة.
هناك بالمقابل عدد من المواقع على الإنترنت التي تزود مرتادها بتقييم دقيق للخدمات والجامعات والمدارس الموجودة على الإنترنت ومدى مصداقيتها ومستواها الأكاديمي.
بعض هذه المواقع تطالب بمقابل مادي في مقابل هذه المعلومات، بينما تقدمها الباقي مجانا، ويمكن الوصول لهذه المواقع من خلال العنوان المكتوب أدناه.
في نفس العنوان يمكن الوصول أيضا لموقع «مجلس التعليم والتدريب عن بعد»، والذي يتبع وزارة التعليم الأمريكية ويوجد عليه قائمة بأسماء الجامعات والبرامج المعتمدة رسميا والدرجات التي تمنحها وتكاليفها المادية.
عدد الجامعات والمدارس المعتمدة من هذا المجلس يصل إلى 72 برنامجا.
عدد كبير من هذه البرامج مشرف عليه من قبل جامعات أمريكية كبرى تفكر في تجريب التعليم عن بعد من خلال تلك البرامج.
واحدة من هذه الجامعات المعتمدة أسسها مركز «كابلان» التعليمي، المعروف بإشرافه على اختبار «التوفيل» الأمريكي وغيره من الاختبارات العالمية، والذي أسس «جامعة كونكورد»، والتي تحتوي حتى الآن على كلية تمنح البكالوريوس في القانون.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية