عندما أعلن بات روبرتسون، أقوى شخصية مسيحية في أمريكا وأكثرهم شعبية، بدء بث قناة «الشرق الأوسط» التبشيرية MAtv، بالأقمار الصناعية في المنطقة العربية في الخامس من يونيه الماضي، كان يمكن رسم العديد من دوائر الشكوك حول الدور الصهيوني في تأسيس القناة، خاصة أن الافتتاح تم بمناسبة مرور 30 عاما على حرب 1967.
روبرتسون، يعلن دائما من خلال قناتيه التلفزيونيتين، قناة الأسرة وقناة CBN، دعمه المطلق لإسرائيل على أساس أنهم شعب مفضل من الله من خلال أدلة إنجيلية.
هذه الشكوك سرعان ما تأكدت عندما قبض الجيش اللبناني الأسبوع الماضي على موظفين من القناة بتهمة التعاون مع جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل والمتمركز في مارجايون بجنوب لبنان خارج السيطرة اللبنانية، حيث يتمركز أيضا المقر الرئيسي للقناة التلفزيونية الجديدة.
اعتقال الشخصين وهم الصحفي شكيب آغا، ومهندس الإلكترونيات بطرس خوري، على بعد 7 كيلومتر من مدينة جزين اللبنانية المحتلة، وترحيلهم لسجن وزارة الدفاع في بيروت الشرقية، أثار روبرتسون، الذي هاجم لبنان في برنامجه الشهير «نادي الـ700»، جاعلا السبب هو تآمر المسلمين في لبنان على المسيحية دون أي إشارة لجيش لبنان الجنوبي والتهمة الحقيقية الموجهة للقناة ولموظفيها.
روبرتسون، استطاع تكوين علاقة مع جيش لبنان الجنوبي من خلال شخصية مسيحية لبنانية اسمه جورج عطيس، والذي التقى به في حفلة غداء عام 1982، حيث بدأ العمل على تأسيس القناة التلفزيونية، حسب ما يروي روبرتسون، في أحد كتبه.
ومن المعروف أن بات روبرتسون، هو أحد المؤسسين الأساسيين لـ«التحالف المسيحي»، واحدة من أكثر قوى الضغط في أمريكا نفوذا سياسيا، والتي تتزعم حاليا جهودا سياسية وإعلامية مكثفة في أمريكا تحت عنوان «تعذيب المسلمين للمسيحيين في العالم الإسلامي»، والتي تسعى لاستصدار قوانين أمريكية تعاقب كل دولة تقف بأي شكل في وجه الجهود التبشيرية، بما فيها معاقبة دولة كباكستان لكونها تعاقب من يسب الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حسب ما تم مناقشته بالفعل في الكونجرس الأمريكي.
وبالرغم من معارضة الحكومة الأمريكية لهذه الجهود إلا أنها بالفعل بدأت تترك أثرا كبيرا في الأوساط الإعلامية والسياسية، وقد تثمر عن مفاجآت مزعجة في القريب العاجل.
روبرتسون، وهو شخصية دينية يرأس الصلوات المسيحية من خلال التلفزيون وهو رائد هذا النوع من الصلوات، وسياسية، رشح نفسه للانتخابات الأمريكية عام 1988 منافسا للرئيس السابق جورج بوش، وشعبية، كتبه احتلت المرتبة الأولى في أكثر الكتب رواجا في أمريكا عدة مرات، يروج من خلال برنامجه ذو الـ36 عاما عمرا لأفكار حركة «شهود يهوه»، والتي تدعي أن الإنجيل يثبت أن العالم سينتهي قريبا خلال السنوات العشرين القادمة، حيث سينزل المسيح، عليه السلام، إلى الأرض ليعيش المؤمنون به (كابن لله تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا) في عالم مثالي إلى الأبد ويفنى الباقون، إلا أن الحركة تجعل من إسرائيل مركز هبوط المسيح الذي يجب أن يتم باسترجاع اليهود «لأرضهم المغتصبة» منذ 2500 عاما والممتدة من الفرات للنيل بالإضافة لبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
وهذا بالضبط ما ستروج له قناة «الشرق الأوسط»، والتي تبث بأحدث التقنيات الاتصالية على مساحة واسعة من العالم العربي وتركيا وإيران وقبرص، الأمر الذي يخدم الأهداف الصهيونية فقط تحت ستار الدعوة للمسيحية، والذي سيكون أول ضحاياه نصارى لبنان الذين يفترض تحت تأثير القناة أن يحبوا روبرتسون، ثم يؤمنوا بأفكاره الموالية لإسرائيل وبالتالي كسب جزء كبير من الشعب اللبناني لصالح الدولة الصهيونية.
كتابه الجديد «إعداد الطريق»، تحدث فيه عن حرب 1967 والتي كانت «معجزة ينتظرها النصارى منذ زمن طويل تحقيقا لوعد المسيح عيسى».
ليست كل هذه جهود روبرتسون، المعادية للإسلام والمؤلمة بحق، فهناك أيضا إشرافه على مشروع ضخم لتبني الأطفال المسلمين وخاصة الأيتام في عدد من الدول الإسلامية الفقيرة وخاصة الهند.
بعد اتصال سريع بمركز CBN، القناة التابعة لروبرتسون، أرسل إلي بريديا ملفا مليئا بصور لأطفال مسلمين في الهند ونيجيريا وكازخستان وأندونيسيا وألبانيا لاختيار واحد منهم أو أكثر لتبنيه بمبلغ شهري قدره 20 دولارا فقط، وتقول الرسالة الموقعة باسم روبرتسون، «تخيل أن مثل هؤلاء الأطفال يظنون أن عيسى، نبي ويقارنونه بمحمد..».
الرسالة تشير لعدد من المشاريع الأخرى التي يمكن التبرع لها مثل «تدريب قادة مسيحيون في دول متعطشة للمسيح في أفريقيا»، و«250 دولار يمكنها أن توزع 100 شريط فيديو تحتوي على برامج لـCBN باللغة العربية، وتشمل هذه البرامج….».
مع الرسالة أيضا كتيب صغير عن تلفزيون الشرق الأوسط في جنوب لبنان، ومعه قسيمة صغيرة لكتابة الإسم والمبلغ المتبرع به وعلى القسيمة امرأة مسلمة بحجابها الكامل تحمل طفلا صغيرا في الثالثة من عمره.
روبرتسون، تقف وراءه إمكانيات مادية ضخمة جدا جعلته يملك فروعا لمنظمته في أكثر من 90 دولة حول العالم تحت تصرفها آلاف الموظفين، طائرات خاصة، معاهد لإعداد المبشرين، وغيرها من التجهيزات، واستديوهات تساعده على تقديم برنامجه «نادي الـ700» بـ46 لغة مختلفة.
من أين كل هذا المال؟
روبرتسون يجيب، «لو أن 1000 شخص فقط أعطوني شهريا 1000 دولار لصار عندنا مليون!»، حسبة بسيطة ثمنها.. نحن.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية