واحد من الموضوعات الأكثر انتشارا على المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت، هو الحديث عن ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الإنجيل، لأن هذا الموضوع يمثل نقطة فاصلة في الجدال بين المسلمين والمسيحيين، وقد حقق شعبيته في الأساس على يد الداعية أحمد ديدات، في مناظراته الشهيرة مع القساوسة.
لكن هذا الموضوع نفسه من الموضوعات الأكثر انتشارا على المواقع المسيحية الموجهة ضد المسلمين، لأن أصحاب هذه المواقع يعرفون أن القارئ على الإنترنت سيمر بمواقع المسلمين، ولابد لهم من الرد عليها، إلا أن هذا الرد يأخذ عادة منحى محرف وشرس في استعماله كل وسيلة ممكنة لإثبات العكس، وحسب بحثي الشخصي هناك 383 موقع إسلامي ومسيحي يتحدث حول هذه القضية بتكرار كبير بين كل هذه المواقع.
في مادة نشرتها مؤسسة المعلومات الإسلامية في كندا، والتي يشرف عليها د. جمال بدوي، على موقع «الإسلام – الولايات المتحدة»، يبدأ الكاتب _ وهو غالبا د. بدوي نفسه _ بذكر النصوص الإنجيلية التي تؤكد أن الله سيبارك لإبراهيم، عليه السلام، في نسله، فيبارك له في نسله من ابنه إسحاق، كما سيبارك له في نسله من ابنه إسماعيل، الذي ستبعث منه «أمة عظيمة»، وأن ذلك لن يتأثر بكون أم إسحاق، عليهم السلام، امرأة حرة، وكون أم إسماعيل، عليهم السلام، جارية، والتي ينص الإنجيل على كونها أصبحت زوجته، وهذه المباركة لنسل إسماعيل، عليه السلام، تحققت ببعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
لكن قبل بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، جاء في الإنجيل على لسان موسى، عليه السلام، الوعد بمجيء الرسول المنتظر، وهذا الرسول يفترض أن يكون من أبناء عمومة الإسرائيليين، والمقصود أبناء إسماعيل، عليه السلام، كما يفترض أن يكون شبيها بموسى، عليه السلام، ويقول الكاتب أنه لا يكاد يوجد نبي يشبه موسى، عليه السلام، مثل النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، فكلاهما جاء بشريعة حياة مفصلة، وكلاهما واجه أعدائه وانتصر عليهم بطرق معجزة، وكلاهما قبلتهم أممهم كأنبياء ورؤساء لهم، وكلاهما هاجر بعد مؤامرات لقتلهم، بينما هناك فروق واضحة بين موسى، عليه السلام، وعيسى، عليه السلام، حيث أن عيسى، لم يلد ولادة طبيعية ولم يتوفاه الله ولم يكن رئيسا لقومه.
أيضا؛ هناك نص آخر يفيد بخروج النور بعد عيسى، عليه السلام، من «باران»، وباران، هي حسب نص آخر مكان استقرار إسماعيل، عليه السلام، والذي هو مكة المكرمة.
ويشير نص موجود في أحد نسخ الإنجيل “نسخة الملك جيمس”، إلى مرور الحجاج بقرية بكة، وهو اسم آخر لمكة المكرمة.
في الآيات الثلاث عشرة الأولى من سورة «إشياع»، حديث عن «حبيب الله» الرسول الذي لن يفشل أو يقدر على مقاومته أحد حتى يفرض قانونا على الأرض.
في الآية 11 ذكر لكون هذا الرجل من نسل «كيدار»، في سورة أخرى، كيدار، هو الابن الثاني لإسماعيل، عليه السلام، جد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
أيضا؛ الكاتب يؤكد أن هجرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى المدينة موصوفة في الإنجيل.
في نص عجيب ذكر لعون من الله يأتي من «تيمان»، وهي واحة شمال المدينة المنورة حسب قاموس هاستينج لشرح معاني الإنجيل.
العون يأتي للرجل المقدس القادم من «باران»، وهذا بالفعل ما حصل في الهجرة، أضف إلى ذلك نص آخر في سورة «إشياع» يتحدث عن معركة بدر، حيث «رجال مؤمنون قليلوا السلاح» يهزمون بشكل معجز الرجل العظيم من «كيدار»، والذي ربما كان يقصد به أبو جهل، وهو من نسل إسماعيل، عليه السلام، كما هو معروف.
في الإنجيل أيضا إشارة واضحة للقرآن الكريم، فالنبي الذي هو من أبناء عمومة الإسرائيليين، بني إسماعيل، وصف في الإنجيل أن الله وضع الكلمات في فمه وأنه سيتحدث باسم الله، عز وجل، وفي نص في فصل «جون»، ذكر لكون الـ«باراقليط» الذي ذكر عيسى، عليه السلام، أنه سيأتي من بعده «لن يتحدث من نفسه، بل ما يسمعه، سيتحدث به».
في فصل «إشياع» ربط بين الرسول من «كيدار» وبين «نص مقدس في لغة جديدة من الرب»، وفي النص وصف لكون حديث الله لهؤلاء القوم سيخرج من بين شفتين مرتجفتين، وهو ما يشبه حال الرسول، صلى الله عليه وسلم، عند تلقيه الوحي.
أيضا في «إشياع» إشارة لكون ذلك سيكون مفصلا في قطع عديدة ولن يأتي مرة واحدة كما حصل للقرآن الكريم.
«الباراقليط» الذي وعد به عيسى، عليه السلام، هو الرسول المنتظر الذي ينتظره اليهود موصوف بأنه «روح الحقيقة»، والذي يشابه لقب الرسول، عليه الصلاة والسلام، «الأمين».
بينما بعض المسيحيين يرون أن «روح الحقيقة» تعني أن «الباراقليط» هو روح وليس برجل، ترى عدة قواميس وبعض الكتابات المسيحية المبكرة أنه رجل حقيقي.
دليل آخر يذكره الكاتب وهو ما ذكر في فصل «ماثيو» في الآيات 19-21، والذي يتحدث فيه عيسى، عليه السلام، عن شجرة النبوة والتي أعطيت فرصتها الأخيرة في بني إسرائيل دون تحقيق الوعد بتأسيس حكم الله في الأرض، قائلا «ولذا مملكة الله ستؤخذ منكم وتعطى لأمة تعطي ثمارها»، وهذا بالضبط ما يتوافق مع كون الإسلام انتصر في أيامه الأولى على كل القوى العظمي والتي يقول عنها عيسى، عليه السلام، في الآية التي تليها أن من يقف ضدها سيكسر ويتفتت.
الكاتب يقول إن هذه النصوص كلها قد تكون مجرد مصادفة _ كما يدعي بعض المسيحيين _ ولكن ما لا يمكن أن يكون مصادفة هو أن النبي الذي سيأتي من «باران» سيأتي ومعه «عشرة آلاف من أصحابه».
هذا كان عدد الصحابة الذي دخلوا مكة مع الرسول، عليه الصلاة والسلام، في فتح مكة.
في موقع إسلامي آخر على الإنترنت هناك حديث عن نص في كتاب «ترتيل سليمان» في نسخة «الملك جيمس» من الإنجيل، يقول عنه بأنه «رجل كله مافيه محبوب»، وهذا حسب كاتب النص ترجمة للأصل العبري «محمد»، والذي ترجم بهذا الشكل.
هناك عشرات المواقع الأخرى التي كررت هذه المعاني بشكل أو بآخر وربما ذكرت نصوص أخرى أقل وضوحا في الدلالة على الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك بالمقابل عدد كبير من المواقع المسيحية التي حاولت المستحيل للرد على هذه النصوص بعد أن أصبح من غير الممكن تجاهلها وهي على شبكة الإنترنت ويمكن لأي شخص قراءتها.
لكن هذه المواقع تجاهلت الكثيرين على الإنترنت الذي قدموا حججا بشكل واضح ومسلسل كما فعل د. جمال بدوي، ليردوا على أولئك الذين بالغوا قليلا في الاستنتاج من النصوص الأخرى بما يمكن الرد عليه.
في موقع خاص بإرسالية «هايد بارك» المسيحية بلندن، وهو بعنوان «المناظرة»، عدة مقالات خصصت للهجوم على الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبعضها يحاول الرد على هذه النصوص من خلال الادعاء أن «محمد»، عليه الصلاة والسلام، ليس مؤهلا ليكون «نبيا» لعدم تحقق شروط النبوة فيه.
فهو يجب أن يتحدث باسم الله، عز وجل، واسم الله «جيهوفا» والذي يعني «الواحد» ليس مذكورا أبدا في القرآن وليس له مقابل في العربية!، ولأن أي نبي يجب أن ألا تعارض كلماته من قبله لأن كلمات الله لا تتعارض، وهذا صحيح لكنهم من خلال ذكر اختلافات بين قصص الأنبياء في الإنجيل والقرآن، واختلاف الرؤية تجاه عيسى، عليه السلام، “رسول أم ابن الله سبحانه وتعالى؟” يقولون بأن هناك تعارض يلغي صحة نبوة الرسول، ولأن العرب ليسوا أبناء إسماعيل، بل من نسل ستة أبناء لزوجة ثالثة لإبراهيم، عليه السلام، وأن هناك جدل كبير حول كون العرب أبناء إسماعيل، عليه السلام، ولأن الرسول، عليه الصلاة والسلام، ليس له معجزات ولم يأتي بأي توقعات مستقبلية (في الرد ذكر أن الرسول كان خائفا من تكذيبه بسبب أنه ليس له معجزات مستدلين لذلك بالآية 20 من سورة يونس، والآيتان 7 و27 من سورة الرعد، ارجع إليهما وتعجب ما شئت من تحريف الظالمين).
أخيرا الكاتب يستدل بنص في الإنجيل يقول بأن النبي القادم «من إخوانكم» أي لابد أن يكون من بني إسرائيل.
في محاولة الرد على التشابه بين موسى، ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، يدعي الكاتب أن الله حفظ موسى، وعيسى، في صغرهما، بينما لم يحفظ محمدا، في صغره، وأن الله تحدث مباشرة لموسى، وعيسى، ولم يتحدث لمحمد، وأن الله أعطى موسى، وعيسى، سلطته في الأرض بما فيها مغفرة الذنوب، بينما في القرآن لا يوجد نص يشابه الله، عز وجل، بالرسول، صلى الله عليه وسلم!!، وعلى أساس مقارنات سخيفة كهذه يستدل الكاتب بأن محمدا، عليه الصلاة والسلام، لا يمكن أن يكون رسولا.
أما «الباراقليط»، فهي روح وليست إنسانا حسب استدلالات الكاتب من النص، ولذا فهو الروح القدس الذي جاء بعد عيسى، عليه السلام، بـ10 أيام، ليبقى مع أتباع عيسى، على الأرض وهو ثالث الثلاثة في ثلاثية المسيحيين الغريبة: الله، وعيسى، والروح القدس.
موقع آخر يرد بشكل مستميت على محاضرات أحمد ديدات، في لندن حول هذا الموضوع نفسه عام 1975.
الكاتب يدعي أن هذه المحاضرات محاولات من المسلمين لإنقاذ الإسلام، لأن القرآن يذكر أن التوراة والإنجيل تتنبأ بقدوم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ولو لم يجد المسلمون مثل هذه النبوءات لانهدم دينهم.
من الردود مثلا أن أبناء عمومة بني إسرائيل ليسوا العرب بل هم أبناء عمومة الأنبياء من بني إسرائيل من الأبناء الآخرين لإسحاق، عليه السلام، “الأسباط الإحدى عشر”، وأن الادعاء بأن القرآن كلام الله، عز وجل، ليس له أساس علمي، لكننا في كل مرة نجد تجاهلا لبعض الردود وردا على من بالغ في التفسيرات وتركا لمن أخذ أهم النصوص ودرسها دون غيرها التي تحتمل عدة تفسيرات.
أخيرا؛ ربما يحسن القول إنه لا يوجد أبدا ما يشترط أن يكون الرسول، صلى الله عليه وسلم، مذكورا في الأناجيل المحرفة الموجودة اليوم، والتي تحرفت كثيرا عن أصلها بدلالة وجود نسخ كثيرة منها، ولذا ربما كان من الأفضل التمهل في قراءة النصوص الحالية والاعتماد على الموضوعية العلمية الكاملة بدلا من اتباع العواطف للاستدلال على ذكره صلى الله عليه وسلم، لأن هناك من يقف بالمرصاد لكل كلمة تقال وفي يده سلاح الكذب والخداع وكره لا ينتهي أمده أبدا.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية