قرار محكمة جديد بث الحياة مرة أخرى في دعوى قانونية تتهم «رابطة مكافحة تشويه السمعة» اليهودية، والتي تعتبر من أقوى أجنحة اللوبي اليهودي في أمريكا، بالتجسس بشكل غير قانوني على نشطاء سياسيين.
سبعة عشر شخص علموا أن الرابطة تحتفظ بوثائق شخصية لهم، يحاولون الآن معرفة ما في وثائق الرابطة عنهم حتى يتمكنوا بعدها من مقاضاة الرابطة بسبب التجسس ضدهم، وقرار المحكمة الجديد الذي جاء بعد خمس سنوات من الدعاوى في المحاكم أمر الرابطة بفتح وثائقها، والتي كان قد تحفظ عليها من قبل بأمر من المحكمة.
الرابطة استئنفت الدعوى لدى المحكمة العليا لولاية كاليفورنيا، والتي من لم تصدر قرارا بعد حول القضية.
كانت القصة قد بدأت حين ظهرت الصحف الأمريكية بمانشيتات قبل خمس سنوات حول مباغتة شرطة مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، لمكتب الرابطة بالمدينة، واستيلائهم على أكثر من 10,000 ملف تتضمن معلومات حول المنظمات والأفراد ذوي الأنشطة السياسية في المدينة، والذين تدعي الرابطة عبر الإعلام الأمريكي المؤيد أنهم نازيين وإرهابيين، إلا أن بعض التقارير تعترف أن هناك عدد هائل من الملفات ضد المجموعات الذي انتقدوا إسرائيل أو النظام العنصري في جنوب أفريقيا.
سبعة عشر شخصا من العرب الأمريكيين والمنظمات المقاومة للنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا، والذي كان يتمتع بعلاقات استثنائية جدا مع إسرائيل، ومن الشخصيات اليهودية المعارضة لنظام دولة إسرائيل، بمن فيهم ابن وزير دفاع إسرائيلي سابق، قرروا رفع دعوى ضد الرابطة، بعد أن أعلمتهم شرطة المدينة رسميا أن هناك ملفات عنهم ضمن وثائق مكتب الرابطة.
هؤلاء رفعوا حينها دعوى بالنيابة عن 1000 شخص، وقد يستطيعوا إذا تجاوزوا كل العقبات الضخمة التي ينصبها اللوبي اليهودي الحصول على 2500 دولار على كل حادثة يثبت فيها حصول غير قانوني على معلومات سرية.
لكن كان على المجموعة أولا أن تعرف ماذا يوجد بالضبط في ملفات الرابطة.
حتى شهر سبتمبر 1997 الماضي، كانت الرابطة قد أوقفت كل هذه الجهود بالادعاء أنها كناشر لتقارير دورية ضد «المجموعات المتطرفة»، فينطبق عليها ما ينطبق على الصحفيين الذين يحق لهم حماية مصادرهم.
لكن في شهر سبتمبر الماضي، حكم قاضي الولاية أليكس سالداموندا، أن حماية حقوق الصحفيين تنتهي عندما يتعلق الأمر بحق مواطن عادي في معرفة مصدر معلومات شخصية قد تكون استعملت ضده بشكل غير قانوني، وسمح بالتالي لرافعي الدعوى بالاطلاع على الملفات التي لدى شرطة سان فرانسيسكو، وعلى مذكرات الرابطة الداخلية ضد النشطاء العاملين لصالح الفلسطينيين أو ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا.
إذا لم تدخل المحكمة العليا للولاية خلال هذا الشهر في القضية، فهؤلاء سيتاح لهم أخيرا الاطلاع على الملفات واستخدامها في الدعوى القضائية التي سيبدأ البت فيها في شهر سبتمبر الميلادي القادم.
الرابطة كانت قد ادعت أمام المحكمة أن السماح بالاطلاع على المعلومات ومعرفة أسماء عملاء الرابطة داخل «المجموعات الإرهابية» أو حتى بمجرد وجود عملاء سيهدد مستقبلهم مما سيؤدي لنتائج سلبية خطيرة!.
محامي الرابطة حاول دائما التأكيد أن الملفات خاصة بمجموعات أكثرها تدعم وتمارس الكراهية وعدم التسامح والاعتداء والإرهاب.
جفري بلانكفورت، شخصية يهودية عملت لصالح حقوق الفلسطينيين وضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وأحد مؤسسي لجنة العمل للشرق الأوسط، هو أحد المشاركين في رفع الدعوى بعد علم أن رقمه الأمني الخاص “الرقم الأمني هو حلقة الوصل لأي شخص في أمريكا مع كل تعاملات الحكومة والضرائب والبنوك” موجود في ملفات الرابطة التي تحفظت عليها الشرطة.
يقول جفري، «الرابطة كونت سمعة كمنظمة لمتابعة الحقوق المدنية لليهود ولكن الحقيقة أن لديهم تاريخ طويل من العمل التجسسي».
الجدير بالذكر أن «رابطة مكافحة تشويه السمعة»، تأسست قبل 80 عاما بواسطة جمعية بناي بيرث، والتي تمثل الجناح اليهودي من المنظمة الماسونية والمسئول الأول عن إنشاء المستعمرات اليهودية في فلسطين منذ أوائل القرن العشرين.
الرابطة كان هدفها المعلن محاربة «معاداة السامية» في أمريكا، إلا أنها دخلت في العقود الأخيرة في معركة علنية مع كل النشطاء السياسيين الأمريكيين الذين يدعمون حقوق الفلسطينيين.
في عام 1992، رأي عملاء الشرطة الفدرالية الأمريكية FBI، محققا يعمل للرابطة اسمه روي بوللوك، ومحقق بشرطة سان فرانسيسكو، اسمه توم جيرارد، يتحدثان مع عملاء للنظام العنصري بجنوب أفريقيا في مكان سري.
الشرطة الفدرالية أمرت شرطة الولاية بتفتيش مكتب الرابطة والتحفظ على وثائقه، وبعدها اعترف بوللوك، أنه وجيرارد، باعوا وثائق حكومية لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية.
جيرارد، حكم عليه بجريمة استعمال منصبه للوصول لوثائق حكومية سرية واستخدامها بشكل قانوني، الأمر الذي وضع الرابطة تحت تحقيق مكتب المدعي العام مرة أخرى في عام 1993، لكن القضية لم تصل للمحكمة، بل انتهت باتفاقية في مكتب المدعي العام بدفع مبلغ 75,000 ألف دولار لبلدية المدينة والتعهد بعدم الاستيلاء على أي ملفات حكومية سرية في المستقبل!!
في عام 1996، حصلت قضية مشابهة ضد مكتب الرابطة بمدينة لوس أنجلوس، والذي فتش حينها ووجد فيه ملفات لـ600 أفراد ومنظمات سياسية، ومرة أخرى حصلت اتفاقية بين المكتب والمدعي العام على إتلاف كل الملفات والتعهد بعدم الرجوع لمثل ذلك مرة أخرى، الأمر الذي يعتقد محامي الـ17 مدعي ضد الرابطة أنه تم بضغط رهيب من اللوبي اليهودي في أمريكا.
محامي هؤلاء النشطاء الـ17 هو بيتي مكلوسكي، وهو عضو كونجرس سابق، قرر أن يتحمل مغامرة رفع الدعوى، لأن علم أن زوجته هيلين، لها ملف لدى الرابطة فقط لأنها شاركت مظاهرة صغيرة احتجاجا على تفتيش امرأة عربية-أمريكية وتعريتها على الحدود الإسرائيلية في الثمانينات الميلادية.
الدعوى ستركز في الأساس على ما هو ثابت في القانون بتحريمه، وهو استعمال الرابطة لملفات شخصية خاصة مثل أرقام رخص القيادة “والتي تطابق الرقم الأمني”، وصناديق البريد، وتقارير الشرطة.
الدعوى تؤكد عدة حوادث استعلمت فيها الرابطة هذه المعلومات للتضييق على كل الأشخاص الذين لهم أسماء على قائمتها السوداء من كل مؤيدي الرابطة، كما ستوثق حوادث بيع هذه المعلومات لحكومة إسرائيل، وحكومة جنوب أفريقيا.
ما كان يحدث عادة، هو أن بوللوك، كان يأتي لهذه المجموعات ويتحدث معهم كمؤيد لهم، ثم يحصل على أرقام لوحات سيارتهم، ثم يعطيها لجيرارد، والذي كان يذهب لكمبيوتر الشرطة ليخرج كل المعلومات التي تملكها الشرطة عن هؤلاء الأشخاص في ملفاتها لتصبح متاحة أمام مكتب الرابطة ومركزها في نيويورك، وأمام كل من يمكنه التضييق على مصالح هؤلاء في منطقة سان فرانسيسكو، من خلال أعضاء الرابطة المؤيدين لها، والذين تدعي الرابطة أن عددهم يصل إلى 12,000 شخص.
مكلوسكي، يعترف أن إثبات هذه الحوادث بشكل قاطع أمام المحكمة أمر صعب جدا إلا في حالة واحدة لمصورة فوتوغرافية وجدت نفسها غير قادرة على التعامل مع كل زبنائها اليهود بمجرد أن نشرت أختها مقالة تنتقد فيها إسرائيل، بالرغم من أنه لا يوجد مع المقالة ما يبين هوية أختها.
د. فرانسيس بويل، يقول أنه «حصل له الشرف» بكونه على القائمة السوداء للرابطة لتمثيله لبروفسور يهودي صديق له كان من قبله على القائمة السوداء لمعارضته للاعتداء الإسرائيلي على لبنان في عام 1982، والذي كان في زيارة للبنان في ذلك الوقت وشاهد بعينيه فظائع الاعتداء.
بويل، يقول أنه وصديقه اليهودي وأساتذة جامعيين أخرين على القائمة السوداء، تعرضوا لمضايقات رهيبة في حياتهم الجامعية اليومية، ومع ذلك رفض الاتحاد الأمريكي لأساتذة الجامعات مساعدتهم بأي شكل ممكن، الأمر الذي دفعه لترك الاتحاد.
بويل، وهو أستاذ للقانون، وكان مستشارا في الثمانينات الميلادية لرابطة الأكاديميين المهتمين بالسلام والعدل في الشرق الأوسط، يقول بأن القائمة السوداء لرابطة مكافحة تشويه السمعة لها كل يوم ضحايا جدد، وهؤلاء الضحايا يتعرضون بمجرد وضع أسمائهم على القائمة لمضايقات لها أول وليس لها آخر بما فيها التجسس عليهم، إلا أن بويل، يدعي أن هذه المضايقات تتضاعف مرات عديدة إذا كان هذا الضحية من اليهود «والذي لا يعرف أحد كيف ينتهي طريق العذاب الذي بدأه بمجرد معارضة بسيطة للرابطة أو للصهيونية العالمية أو لإسرائيل».
الجدير بالذكر أن البروفسور اليهودي نآوم تشومسكي، أحد أكبر مفكري القرن العشرين الأمريكيين، وصاحب عدد من النظريات الشهيرة في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، قال مؤخرا في حوار معه نشر في كتاب عن حياته أن رابطة مكافحة التشهير واللوبي اليهودي تحاول بذل وسائل خفية للمحافظة على مستوى الحوادث المسجلة رسميا كحوادث معادية للسامية حتى لو كانت هذه الحوادث مصطنعة تماما، وذلك لأن الرابطة تستفيد بشكل كبير من وجود سجلات رسمية بعدد كبير من هذه الحوادث.
تشومسكي، يشير لكتاب أصدرته رابطة مكافحة التشهير في الثمانينات الميلادية بقلم رئيس البحث في الرابطة، تحاول فيه الرد على التصريحات الرسمية بانخفاض حالات المعاداة للسامية لرقم تاريخي، مدعية أن هذا خطأ وأن معاداة السامية تشمل التأثير على مصالح إسرائيل بأي شكل كان، بما في ذلك انتقاد المجلس الوطني للكنائس للميزانية العالية لوزارة الدفاع الأمريكية، لأنهم بذلك بشكل غير مباشر يؤثرون على مصالح إسرائيل.
تشومسكي، يقول بأن اللوبي الصهيوني والرابطة حولوا اهتمامهم القديم الآن تماما من الحديث عن النازية إلى الحديث عن تأييد الفلسطينيين كشرط أصيل لتكون معاديا للسامية.
المصادر الصحفية المدعومة بواسطة اللوبي اليهودي تحاول التحذير دائما من أن الجالية الإسلامية في أمريكا وصلت عددا كبيرا قد يهدد مصالح أمريكا في إسرائيل بتهديدها لنشاط اللوبي اليهودي لو كونت الجالية لوبي إسلامي يعمل على استقطاب أصوات الناخبين المسلمين لصالح السياسيين المؤيدين لقضاياهم.
الجدير بالإشارة «بناي بيرث» أو «أبناء العهد»، والتي أسست الرابطة وتعتبر المنظمة الأم للوبي الصهيوني في أمريكا، تأسست في نيويورك في عام 1843، على يد 10 من اليهود كمنظمة مقصورة على اليهود، وإن كانت تتداخل في تسلسلها التنظيمي مع المحفل الماسوني.
بناي بيرث، أسست محفلا لها في فلسطين عام 1888 وكانت لغته العبرية، والذي عمل حينها علي تأسيس مستعمرات يهودية صغيرة في فلسطين، وكانت موتسا، أول قرية يؤسسونها عام 1894 بالقرب من القدس، كأول نواة لإسرائيل.
وللجمعية حاليا فروع في مختلف المدن الأمريكية ومعظم دول أوروبا، وخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا بالإضافة لاستراليا وعدد من الدول الأفريقية والآسيوية، وكان لها محفلان في أوساط الجالية اليهودية بمصر والذين حظر نشاطهما تماما في الستينات الميلادية.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية