واحدة من المشاكل الأساسية التي تعاني منها الأسرة المسلمة في أمريكا هي ابتعاد أبنائها عن الإسلام وذوبانهم في تقاليد المجتمع الأمريكي دون أن يستطيعوا الوقوف في وجه ذلك.
الداعية أمينة السلمي، تقول أن السبب الرئيسي لذلك أن الكثير من المسلمين ربوا أبنائهم من الصغر على الإسلام كعادات وتقاليد وليس عن قناعة، فتجده دائما يأمر ابنه بالصلاة مثلا، ويشعر الإبن أنه يفعل ذلك لأن ذلك من عادات أسرته دون أن يقتنع تماما بسبب صلاته، حتى لو كان صغيرا، وهذا يعني مطالبة الإبن المحافظة على الثقافة الأصلية للأسرة، إلا أن ذلك لا يمكن أن يصمد أمام الثقافة الأمريكية الجارفة، فيبتعدوا عن الإسلام وهم يشعرون في أنفسهم أنهم في الحقيقة يبتعدون عن ثقافتهم الأصلية ويلتحقون بالثقافة الأمريكية التي نشئوا فيها.
الشيخ محمد الجبالي، يؤيد ذلك بأن أصل المشكلة من الأهل الذين تركوا أولادهم في الصغر دون الاهتمام بتربيتهم، ثم تعود الأسرة لرشدها بعد فوات الأوان.
ما الموقف من هؤلاء الأبناء؟
يقول الجبالي، بأن هؤلاء إذا ارتدوا عن الإسلام يكون التعامل معهم كالتعامل مع الكفار، وإذا كانوا أقل من ذلك فيبين لهم الحق من خلال الدعوة بالتي هي أحسن، مع الاهتمام بتنمية علاقة الرحم على كل حال ومحاولة دعوتهم بمختلف الوسائل، ولا يؤيد الجبالي، ما يفعله الكثير من الناس بمقاطعة أبنائهم، لأن هذه المقاطعة لن تأتي بخير بل ستؤدي للمزيد من الذوبان في أحضان الكفار، بل على الأهل أن يقدروا الظروف التي هم فيها ويستعينوا بمن لديهم العلم والنضج في الدعوة والخبرة.
د. محمد عطا، يشير أن الشباب يمرون بعشر سنوات، بين 15 و25، من الحياة التي توجد فيها الرغبة العاطفية بدون زواج في الغالب، ويعيشون وسط مجتمع مبني في كثير من جزئياته على الإباحية الجنسية.
ويقترح وجود وسائل ومؤسسات لدعم زواج الشباب ماديا، ويتسائل د. محمد عطا، ما إذا كان للعلماء رأي حول خوف الكثير من الشباب من الإنجاب ومسئوليات الأطفال في مثل هذه السن فيما إذا كان يباح لهم تنظيمهم للنسل حتى يتخرجوا من الجامعات وتستقر حياتهم، لأن ذلك سيشجع الكثير من الشباب على الزواج.
ويشير د. محمد عطا، أنه من المعروف في علم النفس أن التوجيه التربوي للأطفال صعب جدا فالأطفال عادة لا يحبون أن يكونوا مثل آبائهم ويقاومون أية محاولات لتحديد شخصيتهم، ولذا ربما كان من الأسهل أن تربي أبناء غيرك من أن تربي أبنائك، وربما كان من المهم محاولة دعم وجود المراهقين والشباب مع بعضهم في أنشطة مباحة.
ويذكر الشيخ معتز الحلاق، أن تربية الأبناء المسلمين تتطلب فقط المحافظة على الفطرة التي خلقهم الله عليها وحمايتها من المؤثرات الخارجية ويكون ذلك بزرع محبة الله، عز وجل، ومحبة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والتعلق بالقرآن الكريم وحفظه في قلوب الأطفال، وذلك كما يرعى الإنسان شجرة صغيرة.
أىضا يذكر الشيخ الحلاق، أن الإنسان عليه أن يستعين بأمر الله، عز وجل، أولا ثم عليه أن يقضي وقتا طويلا مع أطفاله بحيث يكونوا الهم الأوحد له، لأن الأطفال يقضون وقتا طويلا في المدرسة العامة ولابد من معادلة هذا الوقت بوقت مماثل له في البيت.
كما يتطلب ذلك الالتزام الكامل بأحكام الشريعة في المنزل وبالصلة الدائمة بالثقافة الإسلامية الأصلية بحيث يهتم الشخص بالأمة الإسلامية وقضاياها، ويصل أبنائهم بالماضي الإسلامي والثقافة الإسلامية كنوع من المقاومة للثقافة الأمريكية ورموزها الخيالية التي يجذبون الأطفال بها، ويضيف الحلاق، بأنه يجب أن يكون لدينا إنتاج إعلامي يبرز الرموز الإسلامية ولكن هذه مهمة هائلة جدا وتتطلب إمكانيات ضخمة.
بعض الشباب المسلمين أيضا يأتون من العالم الإسلامي للمجتمع الأمريكي فينغمسوا في المجتمع ويتخذوا صديقات غير شرعيات لهم وربما حصل لهم أبناء غير شرعيين كذلك، وينتج عن ذلك الكثير من المشكلات وربما وجد الشاب نفسه في موقع حرج عندما يريد التوبة إلى الله، عز وجل.
د. محمد يونس، يذكر أن باب التوبة مفتوح لهؤلاء الشباب، ولكن عليهم كذلك أن يفعلوا شيئا تجاه أطفالهم غير الشرعيين لأن هذه مسئوليتهم، وربما كان الحل أحيانا الزواج من أمهاتهم التي أنجبت هؤلاء الأبناء، وينصح د. يونس، الشباب القادمين للمجتمع الأمريكي بالزواج لتفادي الوقوع في الخطأ بسبب الإثارة الإباحية في الإعلام والمدارس والأماكن الترفيهية، كما ينصحهم أن يعيشوا بالقرب من من المسلمين وأن يرتبطوا بالمساجد في مدينتهم.
الشيخ معتز الحلاق، يقول أن الإبن غير الشرعي لا يعتبر إبنا في الشريعة الإسلامية ولا ينسب لأباه ولا يرثه، ولكن قوانين هذا البلد تجعل لهذا الأب مسئولية نفقة، ويرتبط الولد بأبيه غير الشرعي، وهذه فرصة كبيرة للدعوة إلى الله، عز وجل، لأن الإبن يحب الاقتداء بأبيه، فعلى الرجل أن يرعي هذه النبتة وينشئها نشئة صالحة ما أمكنه، والتفريط في ذلك إثم.
ويضيف أن الزواج بالأم أصلا لا يجوز لأنها زانية غير محصنة، ولكن في العادة في المراكز الإسلامية تحضر الأم ويطلب منها التوبة عن الزنا، فإن فعلت أمكن للرجل الزواج منها وبالتالي رعاية ذريته.
واحد من الحلول التي لجأ إليها المسلمون في أمريكا هو إنشاء المدارس الإسلامية التي انتشرت في كل المدن ذات التجمعات الإسلامية.
وكان لهذه المدارس دور واسع التأثير، إلا أن بعض الآباء المسلمين يحتجون بأن أبناءهم في هذه المدارس ينعزلون عن المجتمع الأمريكي ويصبحون بعد ذلك غير قادرين على التفاعل مع المجتمع والتنافس مع أفراده، والشيخ محمد الجبالي، يرد بأن هذا من ضعف الإيمان وضعف التوكل على الله، عز وجل، الذي وعد أن ينصر من ينصره، ولا يجوز للمسلم أن يضحي بدينه من أجل تحصيل المناصب والأموال كما قال صلى الله عليه وسلم، «ومن كانت الآخره همه جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة».
يقول د. محمد يونس، أن العيش في المجتمع الأمريكي فيه تحدي كبير في حماية النفس والأولاد من المجتمع الأمريكي، وهناك أيضا فرصة في المشاركة مع غير المسلمين ودعوتهم للإسلام، لكن لابد من وضع أولويات لتحقيق الفرصة ومواجهة التحدي في نفس الوقت وهذا ممكن.
هذه الأولويات يجب ألا تكون مرتبة بحيث يكون السعي المادي كهدف للمسلم وإهمال الإسلام، والعلماء ينصون أن المسلم إذا لم تكن لديه أولوية للإسلام في كل شئون حياته فيجب ألا يعيش في دولة غير مسلمة.
الشيخ يونس، يقول بأن الأولوية لدى المسلمين يجب أن تكون الحفاظ علي دينهم أولا، والدعوة إلى الله، عز وجل، ثانيا.
من ناحية الحفاظ على الدين يجب أن يجاهد الإنسان نفسه ليكون رضا الله، سبحانه وتعالى، هو أساس حياته، ويكون لديه برنامج لقراءة القرآن والسنة ويندمج في كل تصرفات حياته اليومية في الإسلام، أيضا من ناحية الأسرة يجب اختيار المرأة المسلمة الصالحة، وما يفعله بعض الناس من الزواج بغير المسلمة أو غير الملتزمة ينتج عنه الكثير من المشاكل.
بعد الاختيار الصحيح يبدأ التطبيع الكامل للإسلام في البيت، فيمنع المحرمات ويدرس أهله الإسلام بحيث يأتي الأطفال وأمامهم النموذج الإسلامي الكامل ثم يحسن اختيار أصدقائهم ويساعدون على الاندماج في مختلف الأنشطة الإسلامية منذ البداية حتى يعرفوا أن أبويهم جادين حول الإسلام وليس هناك أي تناقض أو نفاق.
أما واجب الدعوة إلى الله فأمريكا فيها فرصة حرية الاتصال والتعبير التي يجب أن يستفاد منها لصالح الإسلام ودعوة الناس لهذا الدين على كل المستويات الممكنة، وكثير من الناس هنا لا يعرف الإسلام أو يعرف عنه صورة مشوهة جدا، والشكوى من ذلك لا تصلح، بل يجب أن يسعى المسلمون للاستفادة من الفرصة.
أيضا يمكن الاستفادة من المشاكل الكثيرة التي يعانيها المجتمع الأمريكي لتقديم الدعوة إلى الله، لأن الإسلام لديه الحل، ولكن المشكلة أن المسلمين منغمسين في الحياة المادية وخجلين من تقديم دينهم وربما دفعوا ذلك في يوم من الأيام غاليا جدا.
المسلمون من الجاليات الأخرى كالمسلمين الأفروأمريكيين أو اللاتينيين ربما ساعدونا على الوصول لجالياتهم وإيصال الإسلام إليهم.
ويضيف الشيخ محمد يونس، بأنه متفائل جدا من نمو الإسلام في أمريكا وأن الإسلام سيكون له مستقبل ضخم في أمريكا، والإسلام سينتشر على كل حال لأن الله، عز وجل، قد تكفل بذلك كما في النصوص الشرعية، فإن قمنا به نحن كسبنا رضا الله وثمرات ذلك، وإن لم نقم به وضع الله تعالى من يقوم بذلك فيكسبون رضا الله ونخسر نحن ذلك ونخسر أولادنا.
الشيخ محمد الجبالي، أشار أن المسلمين يجب أن يهتموا بإقامة المساجد والمدارس الإسلامية التي تحمي أطفالهم وتنشئهم على الإسلام، وإذا قصرت عليهم المادة فيمكنهم أن يبدؤوا بمبنى بسيط أو مستأجر ثم يتوسعوا بعد ذلك وهذا يتفق مع أمر الرسول، عليه الصلاة والسلام، «عليكم بالجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».
كما أن على المسلمين أن لا يتساهلوا في الأمور المحرمة، فلا يتساهلوا مثلا في الاختلاط أو العمل في الأماكن التي تبيع أشياء محرمة أو أخذ القروض الربوية، بل إن على المسلمين أن يلتزموا في دينهم في هذه البلاد بأمور قد لا يلتزموا بها في بلادهم حتى يستطيعوا الوقوف في وجه التيار، وهم قد اختاروا بأنفسهم وجودهم في هذه البلاد، ولذلك يلزمهم بذل الجهد والتضحيات كضريبة يجب أن يدفعوها لذلك.
الدكتور محمد عطا، يشير أن الحرية الموجودة في أمريكا تساعد الناس على تطبيق دينهم، ولكن المشكلة أن الثقافة الأمريكية تفصل الدين عن الحياة، مما جعل الدين بلا قيمة في المجتمع الأمريكي، وكثير من المسلمين تأثر بذلك مما صاروا يريدون عيش الحياة المادية وترك الدين للمسجد، وهذا لا يمكن لأن الإسلام نظام مختلف تماما، وأيضا الإسلام هنا ليس له ما للإسلام في بلادنا من ارتباط ثقافة الناس وعاداتهم وتقاليدهم به.
ويشير د. محمد عطا، لمشكلة أساسية وهي أن هذا المجتمع يعطي قيمة أساسية للترفيه، إلا أن الترفيه الإسلامي معدوم تماما، والمسلمون يضطرون أن يسمحوا لأولادهم للذهاب لأماكن ترفيه فيها ما يناقض الإسلام.
ويختم د. عطا، بأن بعض المسلمين اختاروا الرحيل من أمريكا بأبنائهم، ولكن الحقائق أثبتت أن هؤلاء الأبناء كثيرا ما يبقون متعلقين بالمجتمع الأمريكي بسبب الفارق المادي بين الحياة الجديدة في البلدان الإسلامية وبين المجتمع الأمريكي، كما أن كثيرا منهم يعود لأمريكا من أجل التعليم الجامعي ويعودوا أكثر تعلقا بمادية المجتمع وأخلاقياته وهذه مشكلة كبيرة تحتاج لتكاتف الجهود لعلاجها
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية