البوسنة.. دولة الألغام والأيتام والنساء الجريحات: «السياحة الإنسانية» لاغتصاب المسلمات!

من قسم منوعات
الإثنين 21 سبتمبر 1998|

البوسنة؛ ذلك الجرح العميق الذي لن يندمل أبدا.. المأساة ذات ملايين الآلام وملايين الحكايات.. كل زائر للبوسنة ينقل إلينا معه واحدا من هذه الآلام وحكاية من هذه الحكايات ليزداد جرحنا بعد ذلك اتساعا.

هذه شهادات أليمة لمسلمين من أمريكا زاروا البوسنة حاملين تبرعات اخوانهم المسلمين محاولين أن يفعلوا شيئا في وجه طوفان المأساة الرهيب.. هذه الشهادات تحمل معها حكاية جديدة تؤكد أن البوسنة مازالت جرحا نازفا وتحتاج منا للكثير الكثير، والهيئات الإغاثية المسلمة في أمريكا تحاول فعل شئ من هذا الكثير.

استمع لهذه القصص حتى تلمس حرقة الألم بيديك، يروي نبيل صيادي، مدير فروع مؤسسة النجدة العالمية بأوروبا، والتي تأسست في شيكاغو عام 1992، قصصا عن معاناة المرأة المسلمة البوسنوية أثناء الحرب وبعدها.

يقول، في سنة 1995 كنت في موستار الكرواتية، وقد اضطررت للنوم هناك ليلة بانتظار بعض الأوراق الرسمية، وتعرفت على شاب كرواتي كندي ويعمل في مؤسسة إغاثية كندية، وكنا نتجاذب أطراف الحديث، فدعاني لزيارته في توزلا، وقال لي بأن هناك الكثير من المخيمات للاجئي سربرينتسا وجيبا، وأن فيهم فقط الأطفال والنساء الجميلات، وأنه وأصدقائه يتمتعون كثيرا هناك، وأنهم يجزلون العطاء _ من المساعدات الإنسانية طبعا _ للفتيات الاتي يمكنهم من أنفسهن، وقد أعطاني هذا الشاب كارته لكي آتي لزيارته حتى أرى بأم عيني، وكان يتكلم بحماسة شديدة، وقد سمى عمله «السياحة الإنسانية».

ويضيف صيادي: في العام نفسه زرت زغرب مع زوجتي، وكان الهدف من هذه الزيارة التعرف على مجموعة من الطالبات البوسنيات المسلمات اللاتي يدرسن في المعهد الإسلامي هناك، وعند اللقاء بهن بدأن برواية معاناتهن لزوجتي، فإحداهن تخلى عنها أبويها بسبب ارتدائها الحجاب، إذ أن الأبوين تشربا لفترة طويلة الفكر الشيوعي العلماني، فلم يقبلا أن ترتدي ابنتهما هذا الزي «الرجعي»، وهناك أخرى روت لنا كيف كانت مع صديقتها المحجبة تنتظران الحافلة، وكان هناك جنديان كرواتيان ينتظران أيضا على نفس الموقف، فما كان من هذين الجنديين إلا أن اقتربا من الفتاتان وبدءا بالتبول أمامهما، أمام كل الناس، وعندما هربت الفتاتان تبعهما الجنديان الخبيثان حتى انتهيا من فعلتهما الخسيسة.

ويقول نبيل صيادي، بأن مسلمة بوسنوية مكثت أكثر من سنتين ونصف في معسكرات الاغتصاب روت له كيف كان الصرب يتداولون على الفتيات، ومنهم من كان من أبناء حيهم ومعارفهم قبل الحرب، كما أخبرت أنه كان يأتي في بعض الأحيان جنود من القوات الدولية ليشاركوا الصرب التلذذ بفتيات المسلمين.

«الشعب البوسنوي يخوض معركة أشد من الحرب السابقة، ولكنها حرب خفية»، فهناك 9 ملايين لغم مرمية في كل مكان حول المدن والقرى البوسنوية، هذه الألغام تحمل معها 9 ملايين قصة حزينة قادمة، 600 حالة شهريا من انفجارات الألغام تحدث في سراييفو وحدها.

يشير لذلك د. حسام السعيد، الذي عاد لتوه من البوسنة ممثلا لـ«الإغاثة الإسلامية حول العالم»، والذي يقول أن هذه الألغام تجعل عملية الإعمار مغامرة قاسية، فكل أرض غير معبدة تحمل معها خطورة انفجارات تقدم المزيد من المعوقين للشعب البوسني، مما يجعل الحاجة لرعاية المعوقين ومساعدة أسرهم وبناء مصانع الأطراف الصناعية كبيرة جدا.

د. السعيد، يذكر بأن الصرب لم يتركوا شيئا من البنية التحتية للبوسنة إلا ودمروه مما جعل هناك حاجة ماسة لإعمار المساجد والمستشفيات والمدارس والطرق لإعادة شريان الحياة للبوسنة، وهذا يعني أن البوسنة تحتاج لإمدادات ضخمة لتعويض بعض ما فقدته.

هناك أيضا مآسي آلاف الأطفال الذين خرجوا ضحايا الاغتصاب والذين لا يوجد لهم آباء، بينما أمهاتهم محطمين من أثر الجريمة، والعديد منهن تخلى عن رعاية أطفالهن لشعورهن بالألم النفسي كلما رأوا هؤلاء الأطفال وتذكروا فظاعة ما حدث لهم، وهؤلاء الأطفال الذين تبلغ أعدادهم مابين 5000 إلى 10,000 طفل تتقاذفهم مختلف المؤسسات الغربية، غالبا تبشيرية، لأخذهم لينشئوا تحت رعايتهم في المجتمعات الغربية، حيث يتم سلخهم تماما من هويتهم الأصلية.

ويقول د. حسام السعيد، بأنه من الرغم من قرار الحكومة البوسنوية بمنع خروج أي أطفال من البوسنة عن طريق هذه المؤسسات، إلا أن سيطرة الحكومة البوسنوية على الحدود ليست كاملة لذا فهناك حالات تهريب ضخمة، بالإضافة أن عدد كبير من هؤلاء الأطفال كانوا موجودين أصلا خارج البوسنة في كرواتيا، وهذه المشكلة الأليمة بالذات هي التي جعلت الرئيس البوسنوي علي عزت بيجوفيتش، يناشد الهيئات الإغاثية الإسلامية «لا تتركونا وهذه الذئاب من حولنا».

ليس هذا فحسب، بل إن المراكز الثقافية الغربية المتنوعة جاءت بأعداد وإمكانيات كبيرة للبوسنة بحجة تقديم دورات في الكمبيوتر واللغات أو رعاية برامج ثقافية، بينما الهدف في الحقيقة تعميق انتماء الشباب البوسنوي لأوروبا والهوية الغربية بعيدا عن هويته الأصلية الإسلامية، الأمر الذي يجعل المؤسسات الإسلامية مطالبة بالمثل حتى لا تضيع الهوية الإسلامية.

المشكلة نفسها يشير إليها طارق الرحمن، السكرتير العام للحلقة الإسلامية لأمريكا الشمالية ICNA، ورئيس «إغاثة ICNA»، والذي عاد من زيارة للبوسنة ليقول أن المسلمين في المواقع الحكومية المؤثرة يستضافون في برامج صيفية مع أسرهم في أسبانيا وألمانيا وهولندا، كما أن الكثير من الجامعات الغربية تحاول اجتذاب الطلبة البوسنويين وإرسال طلابها للجامعات البوسنوية من خلال برامج تبادل الطلاب، وكل ذلك لزرع الهوية الغربية في البوسنة.

وطارق الرحمن، قلق جدا على أطفال البوسنة الذين يتعرضون لمثل هذه الهجمات، لأن مثل هؤلاء الأطفال هم الذين سيقودون مستقبل البوسنة.

الأيتام بالذات يتعرضون لخطر مضاعف، حيث يفقدون الأب الذي يرعاهم ماديا ويشجعهم على تلقي تعليمهم، كثير من النساء فقدن أزواجهن في الحرب كما يوجد آلاف النساء المغتصبات غير قادرات على الزواج مما يجعل تعليم هؤلاء النساء المهن اليدوية مثلا ليعتمدوا على أنفسهم ويصونوا أنفسهن، مما يجعل النساء والأطفال تحديا رئيسيا يواجه كل من يحاول تقديم شئ على الساحة البوسنوية.

ويضيف طارق الرحمن، بأن المنظمات التبشيرية تعمل داخل البوسنة أيضا، حيث تحاول تتبع المؤسسات والاتجاهات الإسلامية لطردها من الساحة ومن الجيش والمواقع المؤثرة في الدولة، ويروي نبيل صيادي، بأنه أثناء زيارته الأخيرة لمخيم للاجئين قرب مدينة توزلا روى له سكان المخيم كيف قام وفد من المنصرين ومعهم طبيب بزيارة المخيم قبل شهرين، وقاموا بمعاينة الأطفال وتوزيع الأدوية والكتب التنصيرية، ثم طلبوا بكل وقاحة من مسئول المخيم البوسنوي إغلاق قاعة الصلاة وطرد الإمام منها وتحويلها لقاعة بلياردو وتنس الطاولة من أجل الشباب والشابات، وقد استجاب المسئول ضعيف الإيمان لطلبهم في البداية، ولكن بعد ذهابهم وتحت ضغط سكان المخيم عدل عن هذا الأمر وأعاد فتح القاعة أمام المصلين.

الجامعات، حسب ما يقول طارق الرحمن، بدأ العديد منها يأخذ اتجاها علمانيا بسبب تأثير الجامعات الأوروبية ولذا فهي تحتاج لدعم تعليمي من المسلمين لتشجيعها على الحفاظ على الهوية الإسلامية.

محمد أحمد، مسئول المساعدات الخارجية لمؤسسة «الرحمة» العالمية، يتحدث عن مشاهداته في البوسنة التي عاد منها قريبا بأن الوضع الحالي بعد اتفاقية «دايتون» أهدا بكثير من الحرب، ولكن لا يوجد سلام حقيقي، فالأهالي المهجرين لم يعودوا لأماكنهم بعد وخاصة أهالي بريشكو شمال شرق البوسنة، وبرنيسيا التي سقطت في يوليو 1995، وهؤلاء يشعرون بالظلم والإحباط لأن الذي تسبب في التطهير العرقي والقتل والتعذيب لم يقدم للمحاكمة.

كل شئ متوفر في البلد، ولكن القدرة الشرائية شبه معدومة، الناس في احتياج كبير لتعمير بيوتهم المهدمة ومصانعهم المغلقة.

ويضيف، المشاكل الاجتماعية وما خلفته من أمراض نفسية لا يمكن حلها إذا الناس مازالوا يحسون بالظلم الواقع عليهم، لقد عشت شخصيا مشكلة الألغام عندما انفجر لغم بطفل بوسنوي يتيم عمره 11 عاما بالقرب من سراييفو، ولم يستطع بعدها المشي، والآن نخطط لإحضاره لكندا لمستشفى متخصص لعلاجه بتمويل مجلة كندية اسمها «هوم ماكير»، في الأيام القليلة القادمة.

وجود القوات الدولية في البوسنة مهم جدا هذه الفترة ولو انسحبت في يوليو 1998 فربما عادت الحرب من جديد كما كانت وحينها ستحدث مأساة حقيقية.

أخيرا استمع لشهادة إمام مسجد الجالية البوسنوية في نيويورك الشيخ بيرم، والذي عاد من زيارة أسرته في سراييفو قبل شهرين، يقول: الأوضاع تتحسن ولكن أعداءنا الذين حاربونا بالسلاح من قبل يحاربوننا سياسيا الآن، ولن يسكتوا حتى يحولوا المسلمين لمسيحيين، الاقتصاد البوسنوي متدهور جدا والبنوك تعطي الديون بشروط صعبة جدا، إنهم يطالبون المسلمين نسيان ما حدث والمغفرة، وقد فعلوا فالمسلمين في مقاطعاتهم استقبلوا الجميع بالرجوع لبيوتهم بما فيهم الصرب، بينما الصرب والكروات مازالوا ضد الفكرة ولم يسمحوا لأحد بالرجوع، ومن يعود فهو في خطر عظيم لأنه يمكن لأي واحد أن يقتله دون عقاب، والسبب أن القوات الدولية تبذل الضغط الأساسي على المسلمين، كما أن هناك ضغط شديد على الإعلام البوسنوي بشكل عام ألا يظهر أي شئ يثبت الهوية الإسلامية للبوسنة، المجهودات الدعوية قليلة جدا بين الناس مع ضغوط دنيوية رهيبة مما جعل المساجد أقل امتلائا بالناس مما كانت من قبل.

هناك من يحاول أيضا إيجاد فتنة داخل الجالية من خلال تمويل مجموعات مثل القاديانيين والعلمانيين وآخرين يعملون تحت اسماء تيارات إسلامية، وهؤلاء أوجدوا مشاكل كبيرة ولدت الحيرة لدى الناس وقللت من اندفاعهم نحو الإسلام.

ويضيف الشيخ بيرم، اللجنة العليا السعودية للتبرعات للبوسنة بذلت في الحقيقة مجهودا جبارا في إعادة إعمار مساجد كثيرة في سراييفو وموستار وغيرها وبناء بعض المدارس.

ويشير الشيخ بيرم، أن هناك الأن روحا إيجابية بين الناس بمن فيهم المصابين بعد شعورهم بالراحة قليلا بعد تخفيف الضغط عليهم، إلا أن هناك الكثيرين كل يوم ينضمون للمعوقين بسبب الألغام كان منهم في الفترة الأخيرة أخي الذي فقد رجله اليمنى بسبب الألغام.

قابلت امرأة في سراييفو تبيع سجائر في إحدى الحدائق، وكانت هناك كاميرا فيديو تصور الناس في الحديقة فغضبت هذه المرأة غضبا شديدا، ولما حاولت معرفة السبب قالت بأنها مسلمة اغتصبها الصرب، وهي الآن في حاجة للمال ولذلك تبيع السجائر ولا تريد لأحد أن يراها وهي في هذا المنظر المخزي.

قلت لها أليس هناك أحد يساعدك؟

قالت لو كان هناك أحد يساعدني ما جلست لبيع السجائر وأنا مسلمة، من المؤكد أن هذه الأزمة تركت حجما رهيبا من الأمراض النفسية بين الناس التي تحتاج لمن يستوعبها.

كل هذا لا يمنعنا من تلمس الخيوط البيضاء الجميلة في البوسنة والتي قد تدفع للتفاؤل، فتدفق الروح الإسلامية بين الناس أمر واضح يدفع على الاستبشار بمستقبل أفضل.

طارق الرحمن، رئيس «إغاثة ICNA»، قال بأنه شاهد المساجد ممتلئة والفتيات الصغيرات يلبسن الحجاب ولاحظ تحسن القيم الأخلاقية في المجتمع البوسنوي بشكل عام.

يقول: «رأيت شبابا كثيرين يتركون العلمانية ويتجهون للإسلام والتدين، ومنظمات نسائية تحمل الهوية الإسلامية، ورأيت انتشار الإسلام في المدارس والجامعات».

الشيخ بيرم، قال بأنه في زيارته لأحد المساجد بسراييفو رأي أخوين أعمارهم 8 و9 سنوات، وكان أخوهم الأكبر استشهد أثناء الحرب، والأخوين على وشك حفظ القرآن، وفي مسجد آخر رأى فتاتين عمرهن حوالي 13 عاما والإثنتين لا يعرفن العربية وحفظن القرآن كاملا بالاستماع لأشرطة القرآن فقط.

ولكنه، حسب د. حسام السعيد، تفاؤلنا لابد أن يكون «تفاؤلا حذرا» حيث اليد على القلب مع وجود الضغوط الغربية الرهيبة وغفلة العالم الإسلامي عن البوسنويين بعد انتهاء الحرب.

نبيل صيادي، حذر أيضا في تفاؤله لأن المؤسسات الإسلامية بدأت تقلل من وجودها على الساحة البوسنوية في نفس الوقت الذي بدأت فيه المؤسسات التنصيرية هجمتها على الشعب البوسنوي المسلم، فقد ترجموا الإنجيل للغة البوسنوية وطبعوه بطباعة فاخرة مخصصة للأطفال وبدؤوا بتوزيعه على أولاد المسلمين في الشوارع مع كتب تنصيرية أخرى، وهم يقومون بنشاطاتهم هذه بحماية ورعاية قوات الأمن الدولية الذين يحضرون القداسات في الكنيسة بأزيائهم العسكرية.

 

عايدة الصغيرة رحلت قبل أن تتعلم الصلاة

واحدة من القصص الأليمة عن البوسنة والتي لا تحتاج لأي تعليق، يرويها سليمان أحمر، مدير العمليات لوقف «الإحسان» الدولي.

يقول: «المرة الأولى التي قابلت فيها عايدة، ذات السنوات التسع عمرا، كانت في الأسابيع الأولى من شهر ديسمبر 1992 في المدينة البوسنوية موستار، أدركت منذ اللحظة الأولى في عينيها الألم، الحيرة، والخوف من مستقبل مجهول، وبعد أشهر من الحرب، الفتيات الصغيرات في عمر عايدة، بدأت تفهم أسرار ما يجري حولهم من مأساة كانت تصلهم شراراتها بكل سهولة».

والد عايدة، يدين باتلاك، كانت مهندسا معماريا شابا وناجحا قبل الحرب.

«أنظر»، قال لي إيدين، عندما كنا نمشي في الجانب الشرقي من موستار.

«جدي بنى هذا المسجد»، نظرت وكان مسجد صغير بمنارة مهدمة ضحية القصف الصربي.. «إن شاء الله، نحن سنبنيها بعد انتهاء الحرب بمساعدة جمعيتكم».

هززت رأسي موافقا ولكننا بصمت كنا مدركين أن السلام مازال بعيدا جدا.

لما بدأ الهجوم على موستار بواسطة الصرب، كان على أبناء موستار الوقوف معها أثناء أزمتها بمن فيهم إيدين.

إيدين، كان دائما يستضيفني عندما كنت أذهب لمتابعة أعمال الإغاثة في موستار أنا وزميلي عباس، كان يطبخ لنا وفي مرة عرفني على ابنته الصغيرة عايدة.

عايدة، لم تكن تفهم لغتنا، بينما لغتنا البوسنوية مكسرة، ولكن تعابير الأطفال يمكن فهمها بسهولة بأي لغة كانت.

مسلمو البوسنة كان عليهم أن يعيدو النظر في هويتهم ودينهم أثناء الحرب، كان هناك فضول شديد لمعرفة أي شيء عن الإسلام وخاصة هؤلاء الأطفال.

عايدة، كانت تريد تعلم الصلاة، وكنا أثناء كل رحلة نعلمها جزءا من الصلاة مع وعد بهدية صغيرة في كل رحلة قادمة والتي عادة ما تكون حلوى أو لعبة صغيرة.

كان الشعور بأن هذه الفتاة الصغيرة وكثيرين غيرها في انتظارنا يملؤ قلوبنا بالدفء العميق، بدأت الحرب بين المسلمين والكروات تشتد في عام 1993، ولأن الكروات رأوا صمت العالم عن مذابح المسلمين واغتصاب أراضيهم ازدادوا قسوة وقرروا الاستيلاء على أقدم مدينة تاريخية في الهرسك، موستار، وكانت هدية سهلة.

لقد اشتدت علاقتنا بسكان موستار، أحببناهم، وأحبونا، وكان حبنا للمدينة يشتد مع عشرات الأحداث والمصادفات التي لا تنسى.

أتذكر يوما كنت مسرعا لحضور اجتماع مجلس المدينة، ولكن مجموعة أطفال أوقفوني وأصروا على مصاحبتهم، أخذوني لمدرسة في مركز المدينة والتي تحولت لمركز للاجئين، الدور السفلي كانت فيه مكاتب هيئة بوسنوية إغاثية، ومكتب مفتي موستار، وغرف للإسعاف الطبي.

أخذوني الأطفال في مسار مظلم إلى غرفة في القبو حيث كان مجموعة من الأطفال ينشدون، سجلت النشيد، وكنا نستمع لنشيدهم في الطريق الطويل بين كرواتيا والبوسنة، وكنا ننشد معهم: أوه الله! البوسنة تنزف اليوم، ونحن نعاني، لكننا نحمل الأمل بأنك ستنجينا، ونحن لا نتذمر، نحن نعرف أنك ستبقى معنا للأبد.

قبل انتهاء النشيد، بكاء إحدى الطفلات يظهر في المسجل، ونحن في كثير من الأحيان عند هذا المقطع نبكي.. هذا كان يساعدنا على ألا نتوقف عن العمل.. كيف نتوقف والأطفال في موستار يدعون الله ويضعون ثقتهم فيه؟

مصطفى، صديق إدين، كان دائما يبتسم عندما نودعهم قائلا: «قد لا تجدنا عندما تعود، الكروات لن ينتظرو كثيرا».

في الساعات الأولى من مايو 1993، كروات البوسنة غدروا بالمسلمين الذين وقعوا معهم معاهدة عدم إطلاق النار قبل يوم واحد فقط، الهجوم كان قاسيا ومباغتا، مئات الرجال المسلمين والنساء والأطفال أجبرهم الكروات على السير على خط النار لمنع القوات البوسنوية من إطلاق النار على الكروات، الأمر الذي انتهى معه وجود المسلمين في غرب موستار، بيوتهم ومساجدهم وأملهم المتبقي تحطموا جميعا، وحوصر المسلمين في شرق موستار لتبدأ معها 9 أشهر من العذاب والوفيات المستمرة بسبب الحصار.

كان يوما رهيبا عندما سمعت 4 كلمات لم يحصل في حياتي أن أثرت في 4 كلمات مثلها «غرب موستار قد سقط».

كل الحدود للبوسنة من كرواتيا أغلقت تماما، حاولنا المستحيل للوصول لموستار الشرقية ولم نستطع.

بسقوط موستار جزء منا سقط ومات، سألنا عن الناس الذين نعرف، بعضهم نجا وبعضهم قتل، بعضهم في المخيمات وبعضهم مجهول المصير.

إدين، وعائلته، كانوا في شقة أعلى مكاتب الجيش البوسنوي، والذي كان أول ما استهدف بنار الكروات، إيدين، وزوجته، نجيا من الموت، عايدة، أصابها القصف بحروق شديدة أتت بها قتيلة.

ماتت عايدة، بنار حرب لم تفهم سببها، وعوقبت بحرب البلقان بسبب جريمة يبدو أن أعدائها لم يغفروها حتى الآن: الإسلام.. مرت الآن 3 سنوات، لو كانت عايدة، حية لكانت الآن في أوائل مراهقتها، كانت بالتأكيد قد أنهت تعلم الصلاة، بعض الناس يقولون أنهم سمعوا عن البوسنة ما يكفي، البعض لديه أشياء أهم بكثير في الحياة من البوسنة، البعض يقول بأنني متعلق بالبوسنة أكثر مما ينبغي.

أتمنى لو عرفوا عايدة، كما عرفتها وعرفت الكثيرين غيرها.

عايدة، قد لا تكون معنا اليوم، لكن الصراع مما من أجله ماتت مازال مستمرا.

البوسنة مازالت حية، ومعها الكثيرات مثل عايدة، وأراضي كثيرة مثل البوسنة، مساعدتنا لعايدة، كانت قليلة جدا وهذا لا يعني أن مساعدتنا للباقين عليها أن تكون كذلك.

 

محاولات أمريكية عديدة لإصلاح بعض آثار المأساة

تتفاوت أشكال المشاريع والأنشطة التي تقوم بها الهيئات الإغاثية الإسلامية الأمريكية في البوسنة ما بعد الحرب، والتي تسعى جميعها لإصلاح الأضرار الرهيبة التي خلفتها الحرب.

وإن كانت هذه المشاريع تعاني حاليا كما يقول د. مظفر الطواش، مسئول «الإغاثة الإسلامية حول العالم»، من ضعف التبرعات بسبب أن الكثير من الناس ظن أن مأساة البوسنة انتهت بانتهاء الحرب مع ضعف قناعة الناس بالمشاريع التأهيلية عموما.

د. حسام السعيد، يقول بأن الإعلام الغربي الذي يتأثر به قطاع كبير من المسلمين مباشرة أو من خلال الإعلام العربي الذي كثيرا ما ينقل ما يقدمه له الإعلام الغربي يحاول أن يميت القضية البوسنوية على أساس أن المشكلة حلت بالفعل وهذا ما على عموم المسلمين مقاومة التأثر به.

محمد شحاتة، المدير العام لمؤسسة النجدة الإسلامية، والذي يقول بأنه لما سقطت «سبرنتسا» و«جيبا» ولقي ذلك تغطية إعلامية جاءت تبرعات كثيرة للبوسنة بسبب التفاعل العاطفي، ولكن بعد اتفاقية «دايتون» شحت التبرعات تماما «وكأن المهجرين قد عادوا جميعا لبيوتهم، والأيتام قد أعيد إليهم آباؤهم، والمساجد والمستشفيات والبيوت المدمرة قد أعيد بنائها وترميمها من جديد، والمغتصبات قد أعيدت إليهن كرامتهن، والمعاقين قد تم زرع أطراف لهم.. هل سبب ذلك أننا لم نعد نرى على التلفاز جثث القتلى في الشوراع؟»، حسب نص عبارات نبيل صيادي، الذي آلمته هذه الظاهرة.

وما ينطبق على مسلمي أمريكا ينطبق على غيرهم من المسلمين حول العالم.

المشاريع التي قدمها مسلمو أمريكا متنوعة جدا فضحايا الحرب من النساء والتي تحطمت معنوياتهن بالكامل خصصت لهم بعض المشاريع ومنها مشروع «الإغاثة الإسلامية حول العالم» لتدريبهن على الخياطة والتمريض ورعاية الأطفال والكمبيوتر وتصنيع التحف، واستفاد من هذا المشروع العام الماضي 1320 امرأة، 590 منهن ممن تعرضوا للاغتصاب على يد الصرب.

مشاريع أخرى موجهة لرعاية الأيتام الذين تمتلئ بهم البوسنة حتى يمكن بحق تسميتها «دولة الأيتام»، منها مشروع لـ«إغاثة ICNA» لرعاية 300 يتيم، ومشروع آخر لـ«هيئة الرعاية العالمية» لرعاية 200 يتيم بتكلفة 42,000 دولار، «أمة للإغاثة» تكفل حوالي 300 يتيم.

«النجدة العالمية»، تكفلت بالمدرسة «الحميدية» الابتدائية في سراييفو بتكلفة 12,000 دولار فصليا، تكلفة الطالب سنويا 100 دولار، و20% من أطفال هذه المدرسة من الأيتام وأبناء المهجرين والباقون من عائلات معدمة، وقامت المؤسسة بتطوير المنهج الدراسي للمدرسة وإدخال مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية على المنهج الابتدائي، ويوجد في المدرسة حوالي 430 طالبا و40 شخصا في الكادر التعليمي.

المعوقين والذين تزداد أعدادهم يوما بعد يوم بسبب حوادث انفجار الألغام اليومية والتي تقع نسبها الأعلى بين الأطفال والنساء أعدت لهم «الإغاثة الإسلامية حول العالم» ورشة لعمل الأدوات للمعوقين، بحيث يمكن صناعة عكازات للمشي للمعوقين وبعض الأدوات الأخرى التي تساعدهم على المشي وأداء الأعمال الأخرى بالإضافة لتصليح الكراسي المتحركة القديمة، هذا المشروع الجميل بدأ عام 1997 ويتوقع أن يكون عدد المستفيدين منه لعام 1997 فقط 4000 شخص.

«إغاثة ICNA»، بدأت مشروع لدعم الإمدادات الطبية للمستشفيات والعيادات التي تعاني من الفقر الشديد في هذه الإمدادات.

مؤسسة النجدة العالمية، أرسلت معدات طبية لجراحة العظام وأدوات طبية أخرى بقيمة 200,000 دولار لمستشفى كوسوفو في سراييفو، أكبر مستشفيات البوسنة.

«أمة للإغاثة العالمية»، تبرعت بما قيمته 10,000 دولار كتجهيزات طبية وزعت على مستشفيات متعددة في البوسنة، «الإحسان الدولية»، أسست عيادات أسنان في سراييفو وزينيسيا وكفلت 200 طبيبا و74 موظفا في مستشفى كوسوفا وفي سراييفو واشترت 12 سيارة إسعاف مجهزة بالكامل.

هناك مشاريع إنتاجية لتحسين المستوى الاقتصادي لعموم الناس ومن ذلك مشروع «الإغاثة الإسلامية حول العالم» لتمليك الماعز في مدينة بهاج وبلانكة، وقد بدأ هذا المشروع في عام 1996، وحسب قول د. مظفر الطواش، المسئول عن مكتب المنظمة في أمريكا، فإنه بعد دراسة ميدانية لهذه المنطقتين لما فيهم من لاجئين بعد وقف إطلاق النار فقد تم اختيار 94 عائلة من هاتين المنطقتين من العوائل الفقيرة جدا لمساعدتهم على تغذية أولادهم من خلال تمليكهم الماعز الحلوب، ويستفيد هؤلاء مما يزيد من اللبن في تصنيع منتجات اللبن أو بيعه لزيادة دخلهم، وبالإضافة للماعز تقدم «الإغاثة الإسلامية» للعوائل خدمات بيطرية لفحص الماعز وتقديم العلاج اللازم.

وهناك أيضا مشروع للهيئة نفسها لتنمية حقول الأسماك، حيث يهدف هذا المشروع لتوفير لحوم للمناطق التي توجد فيها، بالإضافة لتوفير مجالات عمل في التوزيع والتسويق للمواطنين، وتنتج هذه المزارع 4000 طن من لحوم الأسماك سنويا يستفيد منها أكثر من 6600 شخص، وكثير من الأحيان يذهب الإنتاج لمرضى المستشفيات الذين يحتاجوا الغذاء الجيد.

«الرحمة العالمية»، قدمت بذورا للزراعة لحوالي 60,000 أسرة في توزلا وزينسيا، كما تلقت 1000 أسرة عائدة من المخيمات بذورا ومساعدات وأدوات زراعية، ووزعت دجاجا بياضا وأرانب على حوالي 3000 أسرة.

هناك مشاريع لجذب الشباب للحفاظ على هويته الإسلامية مثل مركز «إغاثة ICNA» للكمبيوتر في سراييفو، بهدف جذب الشباب البوسنوي المسلم وإعداده للحصول على عمل في المستقبل، والذي تخرج منه حوالي 700 طالب حتى الآن، فيما أسست «أمة للإغاثة» مركزا للكمبيوتر في موستار.

«الإحسان» أسست معهد الإحسان للتكنولوجيا في زينيسيا بقيمة 100,000 دولار، ومركز تعليمي في سراييفو ومشروع «عائشة أم المؤمنين»، الذي أسسته «النجدة العالمية» لكفالة طالبات العلم الشرعي، حيث تم كفالة 11 طالبة من اللاجئات في زغرب بكرواتيا تتراوح أعمارهن ما بين 15 إلى 21 عاما، وهن من الفتيات الملتزمات اللاتي طردهن أهلهن بسبب التزامهن وتبلغ تكلفة كفالة الواحدة 100 دولار شهريا، مؤسسة الإحسان أنشأت مركز «مريم سيونج» للدعوة مخصص لنساء وبنات قتلى الحرب، وقدمت منحا دراسية للعديد من الطلبة.

بعض المؤسسات قامت بترجمة وتوزيع الكتب الإسلامية كمؤسسة النجدة التي أنفقت 32,000 دولار على ترجمة وتوزيع عدد من الكتب مثل «رياض الصالحين»، و«الرحيق المختوم»، و«إلى كل فتاة تؤمن بالله»، وغيره، وذلك بمساعدة أحد المؤسسات البوسنوية الإسلامية.

«أمة للإغاثة»، وزعت كمية ضخمة من الكتب الإسلامية والمصاحف باللغة البوسنوية.

بعض المشاريع تستهدف الحاجات الأساسية للاجئين، مثل مشروع «أمة للإغاثة» حيث تم توزيع ما قيمته 30,000 دولار من ملابس شتوية في منطقة موستار، ووزعت ماقيمته 54,000 دولار من الأطعمة، ومشروع «الإحسان» لتوزيع الخيام على 1200 أسرة، وتوزيع «الرحمة» لفحم للتدفئة على 2000 أسرة.

العديد من المشروعات التي قدمت لمسلمي البوسنة خلال شهر رمضان المبارك الماضي، ومنها ما قدمته «الإغاثة الإسلامية حول العالم» لأكثر من 9000 بوسنوي، كما قدمت «النجدة العالمية» العديد من أضاحي مسلمي أمريكا للمحتاجين في البوسنة.

هناك مشروعات يقوم بها أهل البوسنة أنفسهم، ومنها ما يرويه طارق الرحمن، بأنه شخصيا تأثر بمجهود شخص اسمه عامر، رئيس «وقف الشهيد البوسني»، والذي كان قد جرح خلال الحرب ويعمل حاليا مع جرحى الحرب وأسر الشهداء ويساعدهم على العمل في مشاريع صغيرة، وأرباح هذه المشاريع تذهب للأطفال والأسر والمحتاجين.

هذه التبرعات جاءت من مسلمي أمريكا الذين هالتهم الصور التي كانوا يرونها كل يوم على شاشات وسائل الإعلام الأمريكية، وهناك نسبة ضئيلة جدا من التبرعات تأتي من غير المسلمين بحكم أن حملات هذه الهيئات الإغاثية مركزة على المسلمين، لكن هناك أفكارا لدى هذه الهيئات لتركيز بعض هذه الحملات على غير المسلمين.

«الرحمة العالمية»، نجحت في استقطاب مساعدات عدد كبير من الشركات الأمريكية الضخمة بالإضافة لتولي جزء من مساعدات الحكومة الأمريكية والأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية.

ولم يكن هذا العمل الإغاثي سهلا أبدا، يقول نبيل صيادي، والذي كان يسافر كل 3 شهور تقريبا في شاحنة المؤسسة من فرع مؤسسة النجدة في بروكسل إلى سراييفو، بأن الطريق من زغرب في البداية كان مقفلا بسبب الصرب، مما كان يضرهم للقيام بدورة كبيرة باتجاه جنوب كرواتيا لندخل البوسنة من جهة موستار، حيث يسيطر هناك كروات البوسنة والذين كانوا يسومونهم ألوان العذاب بالانتظار على الحدود في حر الشمس أو البرد القارس، غالبا لأنهم يلعبون بالورق، وكم من مرة ردوهم لزغرب للإتيان بورقة أو ختم، حوالي 12 ساعة قيادة ذهابا ومثلها للعودة.

ويضيف صيادي: «مرة دخلت البوسنة وكان هناك بوسنويين ينتظرون بشاحناتهم على الحدود للإذن بالعبور في عز حر شهر أغسطس، وبعد خمسة أيام حين عودتي كانوا لا يزالون هناك ينتظرون».

الحق أن كل هذه الجهود الإسلامية الذي جئنا على شئ منها غيض من فيض ما قدمته المؤسسات الغربية الإغاثية، ففي كتاب حديث صدر عن «المجموعة الأوروبية»، يتضمن سردا للمؤسسات الإغاثية العاملة في البوسنة ذكر الكتاب 950 مؤسسة منها فقط 30 مؤسسة إسلامية.

ربما كان الأمر بحق يحتاج لتأمل المسلمين قبل فوات الأوان.

 

تراث عظيم يتدمر مع جسر «موستار»

الحرب في البوسنة والهرسك سببت الكثير من الألم والدمار في مختلف مدن البوسنة، وأشهر مثال على ذلك هو موستار، المدينة الأكبر في الهرسك ذات الـ109,000 نسمة.

في عام 1522، أصبحت موستار عاصمة الإدارة العثمانية في الهرسك، ومنها انطلقت العديد من المهمات العسكرية ضد الأوروبيين الذين قاموا دخول الدولة العثمانية.

موستار تحولت للسيطرة النمساوية من 1878 – 1918، ثم أصبحت جزءا من يوغسلافيا ثم من الهرسك.

قبل الحرب كانت موستار مكونة من 20% من صرب البوسنة، 40% بوسنويين، 40% كروات.

حاليا لا يوجد صرب، حيث انتقلوا للمناطق الجبلية جنوب وشرق المدينة، بينما هناك 55% من المسلمين يعيشون شرق موستار، و45% من الكروات يعيشون غرب نهر نريتفا.

موستار كانت تملك جسرا قديما تأسس على نهر نريتفا بواسطة الدولة العثمانية في القرن الخامس عشر الميلادي.

«موست» معناها جسر، و«ستار» معناها قديم، ولذا فهي تعني الجسر القديم.

الجسر انتهى بناءه عام 1566 بعد 9 سنوات من العمل في عهد السلطان العثماني سليمان الأول، وبني بإشراف مهندس تركي اسمه حيروالدين، والذي كان طالبا للمعماري التركي الشهير الذي صمم أجمل الآثار العثمانية «سنان».

كان الجسر قطعة نادرة متقنة البناء بقيت كل هذه السنوات، 429 عاما، رمزا لعظمة الدولة العثمانية ودليلا على وصول الإسلام لهذه الديار وبقائه هناك للأبد إن شاء الله.

النهاية الأليمة لهذا الرمز التراثي كانت في التاسع من نوفمبر عام 1993 خلال حرب دارت في المدينة بين المسلمين والكروات والذين قصفوه من جبل هوم المطل علي المدينة، كانت آخر أدواره ذلك اليوم نقل الإمدادات للجيش المسلم في الضفة الغربية من النهر، ليسقط الجسر حطاما في النهر وتنتهي قرون من التاريخ الشامخ.

الآن موستار فيها جسر حديدي مؤقت يسمح بمرور المشاة فقط.

موستار ككل المدن البوسنية تقسمت بين المسلمين والكروات بدمار كل الجسور السبعة التي تصل ضفتيها.

في غرب نهر نريتفا يقع الجزء الكرواتي، حيث يسكن حوالي 45 ألفا يتعاملون بالعملة الكرواتية “كونا”، وفي الشرق يقع الجزء المسلم، حيث يسكن حوالي 55 ألفا يتعاملون بالعملة البوسنوية الدينار.

ولكن قسم المسلمين يتميز بالفقر الشديد وانقطاع الماء والكهرباء والغاز وذكريات حزينة لا تنتهي.

عمر سارانكيك، هو جندي بوسنوي سابق ينتمي لموستار، وكانت مهمته مع فرقته حراسة مسلمي موستار وحماية مسجد موستار الشهير.

تعرض لهجوم الكروات والصرب بالقنابل اليدوية ليتشوه وجهه بالكامل.

أرسل عمر، لألمانيا للعلاج حيث بقي لمدة شهرين ثم انتقل لأمريكا للعلاج حيث قابله مجيد الله خان، رئيس «أمة للأغاثة»، والذي حكى قصة جسر موستار.

مجيد الله خان، وعمر، يحملون الأمل بمعماري إسلامي آخر يقدم جسرا جديدا لموستار ليواصل دور الجسر القديم في تخليد اسم الإسلام في البوسنة.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية