«القنبلة السكانية» هي خطر القرن القادم كما يراها الغرب، شرارات نار قادمة من «العالم الثالث» تحمل معها تخلف ومشاكل ذلك العالم.
هي خطر لأن الغرب يعرف أن نسبة الإنجاب في مجتمعاته متدنية جدا وأن دول أوروبا والولايات المتحدة مقبلة على خريف الشيخوخة، بمعنى أن طبقة كبار السن تتسع يوما بعد يوم بينما طبقة الأطفال والشباب تضيق يوما بعد يوم، ولا يغيب عنك أن الانحلال الجنسي عامل هام في قلة الإنجاب في الغرب.
في المقابل، فإن نسب الإنجاب في معظم دول «العالم الثالث» _ وليست بمصادفة أن أكثر دوله تنتمي للعالم الإسلامي _ عالية جدا.
الغرب يعرف أن الإنتاج الصناعي يحتاج لقوى عاملة من الشباب الذين سينتمون للعالم الثالث بسبب ندرة الشباب في المجتمعات الصناعية، وهذا يعني المزيد من الاعتماد على «المهاجرين» الذين يرى الكثيرون في الغرب أنهم سيشوهون التركيبة السكانية «الحضارية» للعالم الغربي.
هؤلاء المهاجرين سيندفعون ويتحايلون في المقابل للهجرة للدول الغربية بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وضعف الفرص الجيدة في دول العالم الثالث.
السياسيون «المعتدلون» حلوا المشكلة بطريقة ذكية، تم تنسيق اتفاقيات دولية ضخمة تتيح فرصا واسعة للاستثمار في العالم الثالث بدون قيود كبيرة.
المصانع الأمريكية والأوروبية بدأت الآن الهجرة الواسعة لدول آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، بحيث يتم الاستفادة من القوى العاملة والمواد الخام في تلك الدول في الإنتاج الصناعي، ويتم تصدير المنتج لدول العالم حيث تذهب الأرباح لتصب على مائدة الغرب.
العالم الثالث بالمقابل يستفيد فيحصل أفراده على وظائف تؤمن لهم مفردات حياتهم الأساسية من خلال عملهم في هذه المصانع، كما يكف هؤلاء شرورهم عن «العالم الصناعي» بسبب القوانين الصارمة التي ستمنع ذلك.
قد تفاجأ بأن أبرز الماركات الأوروبية والأمريكية لم تعد أبدا تصنع في الغرب، بل في فيتنام وأندونيسيا والهند وبنجلادش والمكسيك وغيرها من دول العالم الثالث والعالم العربي والإسلامي، ولذا فإن عبارة «صنع في دولة غربية ما» استبدلت على كثير من المنتجات «لصنع بواسطة شركة… في الدولة الغربية تلك»، ولكن المصنع قد يكون في أي دولة فقيرة حول العالم.
الذين أرادوا حل مشكلة «القنبلة السكانية» من «المتطرفين» سياسيا كانت لهم طرق أخرى مختلفة تماما، وهذه الطرق كانت ببساطة سلوك كل طريقة لتقليل الإنجاب في العالم الثالث عموما والعالم الإسلامي خصوصا.
وأقول العالم الإسلامي لأن هذه الأصوات المتطرفة تدرك أيضا أن التكاثر السكاني في العالم الإسلامي معناه زيادة عدد الذين يعتنقون الإسلام في العالم في مقابل عدد المسيحيين الذين في الحقيقة ولعوامل كثيرة تتناقص أعدادهم.
طرق تقليل الإنجاب تفاوتت بين الطرق «المتحضرة»، والتي تم ترتيبها من خلال منظمات بحثية ودولية واجتماعية تحاول إقناع العالم الإسلامي أن زيادة السكان معناها المزيد من الفقر والتخلف والضغط الاجتماعي وتقدم كل دعم مادي وإعلامي لتحقيق ذلك، إلى طرق «أقل تحضرا» تكمن في محاولة نشر الانحلال في المجتمعات الإسلامية الأمر الذي سيبعد الشباب عن الزواج وبالتالي الإنجاب مع وجود البديل المحرم، إلى طرق «إرهابية» تكمن في محاولات تعقيم النساء المسلمات.
واحدة من هذه المحاولات الإرهابية كانت ضحيتها أكثر من 100,000 امرأة حول العالم، عدد كبير منهم من المسلمين، ومازال العدد يتزايد بلا توقف.
هذه المحاولة، كما فضحتها جريدة «وال ستريت جورنال»، الأكثر توزيعا في الولايات المتحدة، تنطلق من قبو منزل شخص اسمه ستيفين ممفورد، بمدينة تشابل هل بولاية نورث كارولينا الأمريكية.
في ذلك القبو يوجد أكثر من 300,000 حبة صفراء مخزنة في علب بلاستيكية بيضاء اسمها «كويناكرين».
هذه الحبوب معدة للتصدير للهند وباكستان وبنجلادش وأندونيسيا والمغرب وعدد آخر من دول «العالم الثالث».
هناك، ومن خلال عيادات تم التنسيق معها وتمويلها بالمال، يتم استعمال هذه الحبوب لتعقيم النساء اللاتي يرتدن هذه العيادات لأي سبب من الأسباب، غالبا بدون علمهن.
في العشر سنوات الماضية، أكثر من 100,000 امرأة كانت ضحية الحبوب المصدرة من هذا القبو، وفي القريب العاجل، يفترض أن يتم تعقيم 20,000 امرأة أخرى في أنحاء العالم من خلال كمية الحبوب المعدة حاليا للتصدير.
عادة يتم التعقيم من خلال إدخال هذه الحبوب لتصل للرحم ولتسد عنقه للأبد.
في معظم الحالات، ولأن العملية تتم بغش للمرأة الضحية، يتم ذلك بدون تخدير. العملية مؤلمة وكثيرا ما تسبب غياب المرأة عن الوعي.
على المدى القريب، أعراض جانبية مثل النزيف الكثيف، آلام الظهر، ارتفاع الحرارة، آلام حادة في الجزء السفلي، والصداع أمر متوقع في معظم الحالات.
على المدى البعيد، هناك أعراض أخرى أعظم خطورة وإن كانت أقل انتشارا.
المختبرات في الولايات المتحدة أثبتت أن هذه الحبوب تسبب تضخما للخلايا، مما يعني في بعض الحالات الإصابة بالسرطان، وإحصاءات منظمة الصحة العالمية تقول أن 60 إلى 80% من حالات تنامي الخلايا تسبب السرطان.
بسبب هذه المخاطر، «كويناكرين» غير مسموح استعمالها في الولايات المتحدة، وتعارضها معظم منظمات تحديد النسل وتمنعها كثير من حكومات العالم.
في عام 1993، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه لا ينبغي استعمال هذه الحبوب في أي حال من الأحوال بسبب نسبة السرطان المحتملة.
لهذا السبب، فإن ستيفين ممفورد،55 عاما، وصديقه الباحث، إلتون كيسيل، 79 عاما، هما الموردان الوحيدان في العالم لهذا النوع من الحبوب والتي تصنع في سويسرا من خلال اتفاق خاص بينهما وبين مصنع أدوية، ثم توزع على شبكة من المتآمرين من الأطباء والممرضين والقابلات في حوالي 20 دولة حول العالم.
بالطبع هذا التوزيع يتم بلا أي عقبات بسبب الفساد والضعف الإداري الذي يعتري أنظمة بعض هذه الدول والذي يجعل رقابتها على الرعاية الصحية محدودة جدا.
أيضا هذا الضعف الإداري نفسه لم يسمح لعشرات الآلاف من النساء اللاتي تم تعقيمهن بلا علمهن أو رغما عنهن بأن يتقدموا بشكواهم الأليمة للسلطات التي تتابع هذه الجريمة بفعالية، حتى جاءهم مراسلو جريدة أمريكية لتكشف مثل هذه الفضيحة بالتفصيل.
هذان الموردان الأمريكيان بالطبع ينكرون احتمال إصابة النساء بالسرطان، مدعيان أن التجارب كلها أجريت على حيوانات وهي تختلف في آليتها عن الإنسان.
لكن لماذا كل هذه النفقات والجهد عبر عقد من الزمن؟
ممفورد، يقول بأن «كويناكرين» هام «لإيقاف النمو السكاني»، مما يعني حسب الحوار الذي نشرته معه الصحيفة «تقليل العدد الحتمل من المهاجرين للولايات المتحدة من الدول النامية، هذا الانفجار في الأعداد البشرية، والذي سيأتي بعد عام 2050 من المهاجرين سيسطر على حياتنا، وستسود أممنا الفوضى وعدم الانضباط بالنظام».
ممفورد، يضيف إن «الانفجار السكاني بكل أسف قضية أمنية وطنية جادة وهي أخطر من التهديد النووي».
هذه الحجة تزود ممفورد، وصديقه كيسيل، بدعم مالي ضخم يأتي من قوى الضغط المعادية للهجرة الخارجية إلى الولايات المتحدة والذي يقدم لقبو منزله الذي يحمل اسم «مركز أبحاث السكان والأمن».
هناك أيضا بالطبع الحجة القديمة التي تقول بأن تعقيم النساء في العالم الثالث سيحسن حياتهن ماديا، وسيحميهن من الموت بسبب الولادة والذي تقول إحصائيات الأمم المتحدة أن نسبته تصل في بعض دول العالم النامي إلى 18 ضعفا مقارنة بالأرقام في العالم الصناعي.
لم يواجه ممفورد، وكيسيل، أي صعوبة في تسويق «كويناكرين»، فأسعار هذه الحبات لا تتجاوز بعض قروش، حيث بلغت التكلفة الإجمالية لتصنيع ثلاثة ملايين حبة خلال العقد الماضي حوالي 36,000 دولار أمريكي، ولعل هذا العامل الأهم الذي يجعل ممفورد، يختار هذه الحبة بالذات.
هذه النفقات ونفقات التسويق وما يدفع للمتآمرين تشكل ضغطا ماديا كبيرا على الباحثين لكن الإثنين لا يباليان بذلك مادامت أهدافهما تتحقق، وهو الأمر نفسه الذي شجع عددا من الأغنياء لدعمهما ماديا.
ممفورد، ينفق سنويا على نفسه حوالي 37,000 دولار من هذه التبرعات، بينما يصل دخل كيسيل إلى 30,000 دولار والتي يأتي أغلبها من راتبه التقاعدي، وهي دخول متواضعة جدا بالنسبة لباحثين في عمر ممفورد، وكيسيل، في الولايات المتحدة.
هناك الكثيرين الذين ينظرون لهذين الشخصين كأشرار، وبعض هؤلاء باحثين ينتمون لجمعيات حقوق المرأة والبنك الدولي ومنظمات تحديد النسل الذين عبروا عن ذلك إعلاميا.
معظمهم كان قلقا بالدرجة الأولى على دور ذلك في تشويه صورة الولايات المتحدة وبرامج تحديد النسل وأثرها على نساء العالم الفقير.
لكن في الدول النامية هناك دائما مؤيدون يرون في «كويناكرين» الحل العملي الوحيد لمشاكل تلك الدول.
من هؤلاء طبيبة بنجلاديشية اسمها نسيم رحمان.
نسيم، تجول ومعها عدد قليل من الشباب في شوارع دكا ببنجلادش محاولة إقناع النساء بأهمية «تنظيم النسل»، ومتحدثة عن «كويناكرين» كحل سحري لا آثار سلبية له.
د. نسيم، تقول بأن الحديث عن الآثار السلبية لا مكان له في ظل الأخطار والاضطهاد الاجتماعي _ والذي يأتي من بقاءها في البيت وعدم العمل _ الذي تتحمله المرأة بسبب الولادة.
هي أيضا تقول أن «كويناكرين» هو الحل الوحيد المتوفر لها بلا تكلفة مادية وهو الأرخص بين المتاح لأي امرأة بنجلاديشية.
د. نسيم، تصرخ فيما يبدو كرد فعل حاد بأن هؤلاء النساء سيموتن على أي حال من الفقر، ولذا فالحديث عن الأخطار بعيدة المدى أمر لا قيمة له.
حسب الأرقام التي قدمها ممفورد، وكيسيل، تم تعقيم 26,000 امرأة في الهند، عدد كبير منهم من المسلمات، بحكم أن ذلك تحت رعاية منظمات هندوسية متطرفة وتم في مدن ذات تجمعات إسلامية كبيرة مثل مدراس وكيرلا.
تم أيضا تعقيم 15,000 امرأة في باكستان، و4,700 امرأة في بنجلادش، و900 امرأة في أندونيسيا، و700 امرأة في الصين نسبة بسيطة منها تمت في إقليم تركستان الشرقية، و250 امرأة في إيران، و200 امرأة في مصر، و30 امرأة في المغرب، و25 امرأة في ماليزيا، بالإضافة إلى 56,605 امرأة في فيتنام وتشيلي وكوستاريكا وكولومبيا وفنزويلا ورومانيا وكرواتيا والفليبين.
ركزت جريدة «وال ستريت جورنال»، في تغطيتها على فيتنام، وبالرغم من أن فيتنام دولة غير إسلامية فإننا سنقل بعض ملامح الموقف هناك والتي يمكن من خلالها تخيل الموقف في سائر الدول الإسلامية التي يمتد إليها مشروع «مركز أبحاث السكان والأمن».
اتفق د. كيسيل، مع د. هيو، في عام 1986، على توريد «كويناكرين».
الأمر تم بسرعة هائلة وتم التسويق له في حملة ضخمة اتخذت طرق الاتصال الشخصي بعيدا عن الإعلام.
تم تعقيم حوالي 31,000 امرأة فيتنامية قبل أن تعلم الحكومة بشأن هذه الحبة وتقرر تكوين لجنة لدراسة الآثار السلبية لذلك.
الرهيب، أن التسويق تم لـ«كويناكرين» كبديل لموانع الحمل المؤقتة التي تستخدم في فيتنام وغيرها من دول العالم والتي لا يخلو معظمها من آثار سلبية جانبية، بالإضافة للتكلفة المرتفعة بالنسبة لسكان بلد من أفقر دول العالم.
«كويناكرين» قدم كبديل رخيص مضمون بلا آثار سلبية وسهل الاستعمال، لكن أحدا لم يعلم أن النتيجة ليس إيقاف الحمل لفترة معينة كشأن حبوب الحمل وغيرها بل العقم الكامل.
أثناء فترة الدراسة، تم تعقيم 20,000 امرأة أخرى، إلا أن أصدرت فيتنام قرارا بإيقاف «كويناكرين» بضغط من منظمة الصحة العالمية وبعد مقاومة بعض الجهات المستفيدة في نظام إداري ضعيف.
هذا النظام الضعيف نفسه يخبرك أن العمليات مستمرة في الحقيقة لكن بشكل سري، وبنسبة أقل بعد أن اكتشف الكثيرون اللعبة وكان اكتشافا أليما جدا.
نجوين ثي، تروي للجريدة قصتها، تقول أنه في عام 1993، طلبت منها الوحدة الصحية بمصنع المطاط الذي تعمل فيه إجراء فحص داخلي للوسيلة التي تستعملها لمنع الحمل، لأن المصنع يمنع العاملات فيه من الإنجاب.
أثناء الفحص، تم إدخال سبع حبات من «كويناكرين» بدون علم نجوين.
106 نساء عاملات في المصنع تعرضن للشئ نفسه، إلا أن اشتد المرض بواحدة منهن وقامت بمراجعة طبيب خارجي وحينها انكشفت العملية، إلا أن شكاوى الناس ذهبت مع الريح ولم تقم الجهات الحكومية بأية تحقيق في القضية بسبب رشوة دفعت لأحد المسئولين.
مسئولي المصنع قالوا بأن هدفهم كان ببساطة ضمان الإنتاجية العالية للمصنع من خلال تعقيم النساء الجيدات في العمل حتى لا يتركن العمل في حالة حملهن.
عدد كبير من هؤلاء النساء تعرضن للضرب والطلاق من أزواجهن الذين فوجئوا بما حدث لزوجاتهم.
في المقابل، هناك آلاف النساء الفيتاميات اللاتي عقمن أنفسهن برضاهن ومازالت أعداد منهن تقبل على ذلك لكن عددا كبيرا من هؤلاء يحصل على مكافآت خاصة إذا فعلن ذلك من الشركات والمصانع التي يعملن فيها على أساس أن هذا ضمان دائم لزيادة الإنتاج.
حصل ممفورد، والذي نشأ في أسرة فقيرة جدا في ولاية كنتاكي الأمريكية، على الدكتوراه من جامعة تكساس في مجال تحديد النسل، بينما حصل د. كيسيل، على الدكتوراه من هارفارد وجامعة شيكاغو، ليرحل بعدها إلى الهند ضمن أحد البرامج ليعمل في عيادة للصحة العامة وتنظيم النسل وذلك في الخمسينات الميلادية.
في السبعينات الميلادية التقى هذان الشخصان في شركة للبحث في مجال تنظيم النسل في العالم، وكان معهم في الشركة نفسها د. جيمي زيبر، باحث من تشيلي بأمريكا الجنوبية ومخترع «كويناكرين».
في عام 1973، بدأت أول محاولات هذين الشخصين في العاصمة البنجلاديشية دكا، حيث تعاونوا مع طبيب شاب اسمه، ظفر الله تشاودري.
اختار هؤلاء مراجعة بنجلاديشية لعيادة تشاودري، عمرها 28 عاما وأم لعدة أطفال.
كان «كويناكرين» حينها على شكل سائل وضع في الجزء السفلي للمراجعة وكانت النتيجة تراجيدية.
بعد دقائق من وضع السائل توفيت الأم البنجلاديشية، وكانت مفاجأة لتشاوردي، جعلته يمتنع عن التعامل بعد ذلك مع الطبيبين الأمريكيين.
عاد د. كيسيل، لأمريكا وبدأ يعمل مع زميليه ممفورد، وزيبر، على تطوير «كويناكرين» إلى حبوب.
في أوائل الثمانينات، طرد الشخصان من الشركة اللاتي يعملن فيها بعد أن أغضبت مقالاتهما عن التعقيم الفاتيكان، ليؤسسا «مركز أبحاث السكان والأمن» في قبو منزل ممفورد.
ومنذ ذلك الحين والإثنان يجولان دول العالم بحقائب دبلوماسية فيها بعض الأوراق الجاهزة عن «كويناكرين» وعينات منها.
تكاليف هذه الرحلات زادت عن مليون دولار حصلوا عليها من أثرياء مضادين لفكرة الهجرة الأجنبية إلى أمريكا.
أول هؤلاء دونالد كولينس، وزوجته سالي إبستين، والمقيمان بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
الإثنان عضوان في منظمة معروفة اسمها «اتحاد منظمات إصلاح الهجرة لأمريكا»، وهو اتحاد يعمل لإيقاف الهجرة إلى أمريكا من الخارج.
منظمة أخرى اسمها «مؤسسة سكايف للأسرة»، تبرعت أيضا للمشروع بحوالي 160 ألف دولار، ثري ثالث اسمه فيكس، من مدينة دالاس بتكساس تبرع بـ320 ألف دولار.
سكايف، وفيكس، أعضاء نشيطين في اتحاد منظمات إصلاح الهجرة.
شركات الأدوية كان موقفها معاكسا لهؤلاء تماما.
في الحقيقة يوجد في العالم فقط أربع شركات أدوية تنتج أدوية التعقيم وخاصة بعد أن أعلنت أحد الشركات إفلاسها عام 1985 في وجه شكاوى عدد هائل من النساء من الالتهابات الناتجة عن أحد وسائل تنظيم الحمل.
كل هذه الشركات رفضت تصنيع «كويناكرين» بسبب احتمال إصابة مستعمليه بالسرطان.
شركة سويسرية صغيرة رضيت التعامل مع ممفورد، وكيسيل، لتصنع الحبوب لهما على أساس عقد خاص يحملهما الكثير من المسؤولية في حال نتوج مشاكل.
لكن ممفورد، وكيسيل، قد خلصا أنفسهما من المسؤولية أيضا على أساس أن أي مشاكل ناتجة عن هذه الحبوب قد تكون بسبب أخطاء في التركيب، مما يعني أنها مسؤولية الطبيب وحده.
هذا ما يقولونه مثلا عن حالة تضخمت في الهند حين أخبر الأطباء أم عمرها 27 عاما عن «كويناكرين» والذي يمنع الحمل لعشر سنوات، حسب ما قيل لها.
المرأة أصيبت بعدها بنزيف وحاولت تقديم شكوى ضد الطبيبة لكن أحدا لم يستمع.
في الهند، كانت الإعلانات عن الحبوب تشير أن هدفها تنظيم النسل وليس التعقيم وأن الحبوب مستعملة بشكل واسع في أمريكا وأنه لا يوجد لها أي أخطار.
ممفورد، وكيسيل، يتبرآن تماما من كل هذه الممارسات وإن كانا قد شهداها بأنفسهم.
حسب تحقيق الجريدة الأمريكية، لم تحصل أي حالة في كل العشرين دولة حيث عوقب فيها طبيب بسبب هذه الممارسات.
في بنجلادش مثلا، نفي وزير الصحة، صلاح الدين يوسف، وجود أي عيادات من هذا النوع في بنجلادش أو أن هناك أي استعمال لـ«كويناكرين».
في نفس اليوم التقى مراسل الجريدة بالدكتورة نسيم رحمان، وكانت يومها تعقم امرأة اسمها امبيا خاتون، وعمرها 45 عاما.
رحمن، أكدت لخاتون، أن الدواء آمن وصحي تماما.
لما سئلت رحمن، لماذا لا تعطي مرضاها معلومات مكتوبة عن الدواء كما هو متبع في الدول الغربية؟ أجابت بأنه في بلد مسلم لو اكتشف الزوج أن امرأته عقمت نفسها فإن هذا يعطيه الحق القانوني في طلاقها.
خاتون، جاءت بدون علم زوجها مع صديقة لها تم تعقيمها من قبل مجانا.
أدخلت الطبيبة 12 حبة في عنق رحم خاتون، والتي تألمت كثيرا.
بعد دقائق طلبت الطبيبة من خاتون، أن تنهض وطلبت من خادمة لديها مسح بركة صغيرة من الدم الذي نزف من خاتون.
لما أخبرت رحمان، بما قاله وزير الصحة، قالت بأن هذا غير صحيح وأن أحدا قط لم يطلب منها عدم إجراء هذه العمليات، وخاصة أنها عقمت خلال الثلاث سنوات الماضية حوالي 2900 امرأة.
خاتون، احتجت بأن هذا التعقيم مجاني وأنها فقيرة جدا لا تطيق المزيد من الأطفال ولا أي وسيلة لتنظيم الحمل، ولذا فضلت أرخص الوسائل: الامتناع عن الخضروات والفواكه هي وأسرتها لمدة أسبوع لتوفير مبلغ تدفعه لسائق «الروكشا» لإيصالها للعيادة.
في أمريكا، قال مسؤولو منظمة الصحة العالمية، أن المنظمة ليس لديها أي قوة تنفيذية لمنع ذلك.
إدارة الأدوية والغذاء الحكومية الأمريكية، قالت بأنه لا يمكنها معاقبة ممفورد، وكيسيلر، لأنه لا يوجد قانون يمنع الأمريكيين في الخارج من ممارسات طبية ممنوعة في أمريكا.
كل دولة تحكم هذه الممارسات بنفسها ولاتتدخل الإدارة الأمريكية في شئون الآخرين.
الهند الدولة الوحيدة التي تحركت ضد «كويناكرين» بضغط كبير من منظمات لحقوق المرأة هناك.
وفي أول هذا العام صدر قرار المحكمة العليا بمنع «كويناكرين»، لكن د. جاين، المسؤول عن هذا النوع من التعقيم في الهند، لم يبال بالقرار ومازال يمارس ذلك في عيادته وذلك بدعم كامل من الحزب الهندي القومي، وهو الحزب الهندوسي المتطرف الذي يحكم الهند حاليا.
ليس ذلك فقط، بل إن دورة تدريبية تجرى حاليا لعدد من القابلات الهندوس على استعمال هذه الحبوب.
في الدورة ليس هناك أي حديث عن الآثار القريبة والبعيدة المدى للحبوب.
ممفورد، وكيسيل، يعتقدان أن هذه الوسيلة، التعقيم من خلال القابلات، سينشر هذا النوع من التعقيم دون أن يستطيع أحد إيقافه.
هما أيضا ذكرا أنهما الآن يخططان لـ100,000 عملية تعقيم أخرى في الهند من خلال القابلات.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية