مجلس الكنائس العالمي.. تدخلات فعالة في الأنظمة السياسية وتركيز خاص على المسلمين

من قسم منوعات
الثلاثاء 22 سبتمبر 1998|

يعتبر مجلس الكنائس العالمي أحد أهم المنظمات الراعية للجهود المسيحية في العالم بالإضافة للفاتيكان.

وتنبع أهمية هذا المجلس من كونه يجمع كل الكنائس المسيحية على اختلاف مذاهبها، فيما عدا الكاثوليكية والتي يمثلها الفاتيكان، وهذا يعني أنه يمثل البروتسانت، القوة الغالبة في أمريكا الشمالية وعدد كبير من دول أوروبا، والأرذثوكس، القوة الغالبة في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفييتي السابق.

تتفاوت آراء المهتمين حول المجلس من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وبينما يرى البعض في المجلس قوة سياسية واقتصادية جبارة لا يقف في طريقها شئ، يرى فيه آخرون مثالا وديعا لمنظمة ناجحة في توحيد الجهود التبشيرية السلمية حول العالم وتنظيمها.

فيما يلي قراءة في أكثر من 200 وثيقة كتبت حول المجلس والتي تهدف للوصول لرؤية متوازنة وقريبة ما أمكن للواقع.

من المؤكد أن لمجلس الكنائس العالمي جهود سياسية متنوعة الأشكال حول العالم، واحد من الأهداف الاستراتيجية لمجلس الكنائس العالمي تحقيق السيطرة للمسيحيين حول العالم وبذل كل جهود ممكنة لفتح أي أبواب لدعوات التبشير المسيحية.

ذلك في الحقيقة يشمل محاربة أي أنظمة سياسية أو اجتماعية تقف ضد التبشير المسيحي حول العالم من خلال دعم حركات المعارضة المسيحية في هذه الدول، أو حتى غير المسيحية والتي ترفع رايات الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبار أن هذه الشعارات ستفتح أبوابا واسعة للمجلس لممارسة العمل التبشيري.

نجد ذلك واضحا في واحد من أهم الأمثلة التاريخية التي اعترف بها رؤساء المجلس في التسعينات الميلادية، وهو دعم سقوط الأنظمة الشيوعية حول العالم عموما وفي دول أوروبا الشرقية على وجه الخصوص.

هذا الدور أكد عليه السكرتير العام للمجلس بجنيف، كونراد رايزر، في وجه اتهامات من قبل بعض الكنائس في دول شرق أوروبا بأن المجلس تنازل في بعض الأحيان عن دعم المصالح المسيحية في دول أوروبا الشرقية من أجل تحقيق علاقات سياسية مع حكومات هذه الدول.

كونراد، شخصية ألمانية بارزة وكانت له جهود خاصة في وجه الشيوعية في ألمانيا الشرقية كما يبدو من حوار صحفي له في جريدة «القرن المسيحي».

ولما سئل كونراد رايزر، عن علاقة المجلس بحكومة تشيكوسلوفاكيا، أجاب بأنه رغم هذه العلاقة الوثيقة كانت هناك مجهودات خفية لدعم المصالح المسيحية هناك.

المشكلة الوحيدة التي يشير إليها كونراد، هي أن رجالات بعض الكنائس المسيحية كانت تتعاون مع الأنظمة الشيوعية ضد مصالح المجلس.

الحديث عن دور المجلس في سقوط الشيوعية لم يأت للضوء إلا عندما أعلن وزير الداخلية الألماني، عن تمويل برنامج بحث بقيادة المؤرخ جيرهارد بيسير، والمتخصص في تاريخ العمل الكنسي، وذلك حول أنشطة مجلس الكنائس العالمي في دول أوروبا الشرقية وخاصة ألمانيا الشرقية خلال العهد الشيوعي، وقد سمح لفريق العمل في هذا البحث بالاطلاع على الملفات الخاصة بالمخابرات الألمانية الشرقية.

الأمر برمته أزعج المجلس بناء على الأعمال السابقة لهذا المؤرخ والتي لم تكن تسلك مسلكا إيجابيا لصالح الكنيسة.

في نيجيريا، وهي مثال من نوع آخر، يعمل المجلس بشكل منظم على إسقاط النظام النيجيري الحالي من خلال دعم كل حركات المعارضة سواء منها المسيحية أو تلك التي تحمل راية الديمقراطية، وللمجلس اجتماعات منتظمة تضم كبار شخصياته لوضع خطط لإسقاط النظام العسكري «أو على الأقل التأكد من حصول الكنائس على حريتها كاملة وخروج السجناء السياسيين المسيحيين».

قبل أسبوع، أصدر المجلس بيانا عاما وزع في كل أنحاء العالم يدعو فيه لمقاطعة شركة زيوت «شل»، لكونها دعمت الحكومة العسكرية في نيجيريا، وأعلن يوم 14 مايو القادم، اليوم العالمي للتحرك ضد شل.

المجلس دعا كل حاملي الأسهم لبيع أسهم مباشرة، كما أصدر بطاقات بريدية عليها عبارات هجومية ضد زيوت شل، وأسس خطا عالميا ساخنا لكل من يريد أن يسمع آخر أخبار مقاطعة زيوت شل.

مسئولو شل، بدئوا مباشرة بمراجعة خطواتهم لأنهم يقولون بأن أضرار مثل هذه الدعوة على الشركة قد تكون هائلة جدا، وإن كان المجلس يرى في هذه التصريحات مجرد دعاية إعلامية لأن «مصالح شركة شل متداخلة تماما مع مصالح الحكومة النيجيرية».

مثال ثالث غريب يأتي من «روديسيا» في أفريقيا، والتي تمثل مصدر الكروم في العالم.

حسب تقرير من أحد المبشرين التابعين للكنيسة الكاثوليكية والمنشور على شبكة الإنترنت، عمل مجموعة من الإرهابيين الممولين من المجلس العالمي للكنائس على تنظيم حملات مستمرة على المزارع ورجال القبائل: «إنهم يقطعون أرجل رجال القبائل الأبرياء بالفأس، يغتصبون، يضربون الناس حتى الموت بالعصيان الضخمة، يقطعون الأذان والشفاه والأرجل والأيدي، ورجاء تذكر كل هذه الأفعال مدفوع جزء من تمويلها بواسطة أموال مسيحية تدفعها الكلاب الثائرة في مجلس الكنائس العالمي».

كل هذا لإثارة الاضطراب في روديسيا، وإزالة الحكومة الحالية، وهي حكومة رأسمالية، وإعادة الحكومة الشيوعية السابقة التي كانت ذات علاقات وثيقة مع المجلس وتساعدهم على التحكم في القبائل.

تنطلق أفراد هذه المجموعات من موزمبيق المجاورة ذات الحكومة الشيوعية المعادية لروديسيا وذات العلاقات الوثيقة مع المجلس.

ما الذي دفع هذا المبشر للحديث؟

السبب أن الكنائس الكاثوليكية ذات العلاقة الجيدة مع حكومة روديسيا الحالية تعرضت أيضا للإعتداءات.

هذه المجموعات يسميها الإعلام الغربي «المحاربون من أجل الحرية»، وهذا المبشر يقول بأن هذا الإسم تم تعميمه من خلال الوكالات الإعلامية القوية التابعة للمجلس والمنتشرة في الدول الغربية.

الكنيسة أيضا كان لها دور كبير في دعم الكنيسة الأرذثوكسية الألبانية ضد الحكومة الألبانية السابقة، كما أن لها حاليا دور كبير في دعم الكنيسة الأرذثوكسية في قبرص ضد الحكومة المسلمة.

لمجلس الكنائس العالمي علاقة وثيقة أيضا بالأمم المتحدة، بل إن وثائق المجلس تدعي أنه شارك بشكل أساسي في تكوين الأمم المتحدة في سنواتها الأولى، وذلك «لمنع حرب عالمية أخرى من خلال إيجاد سبل سلمية لإنهاء الصراع العالمي على أسس الفكر الاجتماعي المسيحي العالمي»، بل إن السكرتير العام لمجلس الكنائس العالمي يدعي أن الأمم المتحدة تأسست على أساس توصيات مؤتمر لـ«حركة الحياة والعمل» المسيحية في أكسفورد ببريطانيا عام 1937، والذي كان بعنوان «الكنيسة، المجتمع، والدولة»، حيث كانت هذه التوصيات والتي عرفت باسم «الأعمدة الستة للسلام» حاضرة في الاجتماع الذي عقدته أمريكا وبريطانيا والصين وروسيا في صيف 1944 بالعاصمة الأمريكية واشنطن، كما يدعي أنه في المؤتمر الذي تم فيه تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، كان ممثلي الجمعيات المسيحية البروتستانتية حاضرة في الاجتماع وكان لها تأثير كبير في صياغة ميثاق الأمم المتحدة.

في عام 1946، أسس المجلس «لجنة الكنائس للشئون العالمية» والتي أعطيت وضع «مستشار» في الأمم المتحدة، ومن ذلك الحين تقوم هذه اللجنة برعاية شئون المجلس مع الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف واللجنة العليا للاجئين.

هذه اللجنة تمهد للمجلس مشاركة أساسية في أعمال الأمم المتحدة الإنسانية حول العالم، كما تدعم هذه اللجنة جهود عدد من مؤسسات حقوق الإنسان وجمعيات المرأة حول العالم وخاصة منها المسجل في الأمم المتحدة.

المبشرين التابعين للمجلس متعاونون أيضا مع عدد من أجهزة المخابرات الغربية حسب اعترافات نشرتها جريدة «الواشنطن بوست»، في 22 فبراير من العام الماضي: «هم عادة يعطوننا ما نحتاجه من معلومات وأحيانا ينفذون عمليات تابعة لنا»، حسب تصريح أحد مسئولي أجهزة المخابرات الغربية.

أيضا؛ المجلس مهتم بالطبع بالعمل التبشيري ودعمه وخاصة في تلك المناطق التي كان فيها الوجود المسيحي ضعيفا.

جهود جبارة بذلها المجلس في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.

لما حصل الاجتماع العام الأول للمجلس في أمستردام بهولندا عام 1948، كان هناك فقط 36 شخصا من أفريقيا من أصل 1271 شخصا، 15 منهم كانوا مبشرين أوروبيين في أفريقيا و12 من الشباب الصغار والنساء الذين لم يكونوا مسئولين عن كنائس، بينما 9 رجال الدين الأفريقيين ينتمون فقط للكنائس الأرذثوكسية في أثيوبيا ومصر.

في الاجتماع العام لعام 1998 في زيمبابوي، سيكون هناك 117 شخصية مسيحية أفريقية من أصل 4000 عضو ينتمون لـ22 دولة بدلا من 12 دولة في 1948، الاجتماع العالمي يحصل تقريبا كل 7 سنوات وكان الاجتماع الماضي بكانبرا بأستراليا عام 1991.

تقول الإحصاءات أيضا، أنه خلال عام 1900، كان هناك 9 ملايين مسيحي في أفريقيا، 9% من السكان، بينما في عام 1980، وصل النمو لـ200 مليون، ومتوقع أن يصل العدد في عام 2000 لـ390 مليون، 48% من السكان.

شخصيات المجلس يعبرون في مقالاتهم وخطبهم عن فرحهم بإنجازاتهم الضخمة في أفريقيا، وخاصة مع الاعتقاد بتجاوز عقبة التاريخ، كون الاستعمار والاستعباد جاء كله من خلال دول مسيحية، ولكون الكنائس الأفريقية هي الأقرب في العالم لمثاليات مجلس الكنائس العالمي من وجود العلاقة الجيدة بين الكنائس “غير الكاثوليكية” بغض النظر عن المذاهب المرتبطة بها، إلا أن هذا انعكس بشكل طريف على المجلس، حيث ساعدت هذه العلاقات على تأسس 25 مؤسسة كنسية على مستوى أفريقيا، وهذه المؤسسات صارت تعارض المجلس العالمي أحيانا في بعض سياساته في أفريقيا غالبا في أشياء شكلية مثل أخذ إذن رسمي في عقد مؤتمر أو إرسال مبشرين.

المجلس بالمقابل ساعد هذه الكنائس من خلال دعم كل الحركات المناوئة للعنصرية في جنوب أفريقيا وزيمبابوي تحت غطاء الأعمال الإنسانية، وتبين تقارير المجلس أن المجلس دفع «رسميا» حوالي 11 مليون دولار لحركات المعارضة للعنصرية في جنوب أفريقيا، هذا الدعم أيضا كان لتبرئة المبشرين المسيحيين البيض من الآثار السلبية الحادة للأنظمة العنصرية للبيض في جنوب أفريقيا وزيمبابوي.

أيضا؛ استطاع المجلس تحقيق نفوذ ضخم في منطقة القرن الأفريقي حين تم تعيين أحد كبار شخصياته الأب باولوس مارجرجوريوس، أرذثوكسي من أصل هندي، والذي كان مساعد السكرتير العام للمجلس كمستشار خاص للدكتاتور الأثيوبي هيلاسيلاسي، وخرج من قصر هيلاسيلاسي، ليصبح مباشرة رئيس المجلس من الأعوام 1983 إلى 1991.

هذه العلاقة مع أثيوبيا مازالت وثيقة حتى يومنا هذا، ففي العام الماضي كان للسكرتير العام للمجلس زيارة لأثيوبيا استقبل خلالها بنفس مراسم استقبال رؤساء الدول.

الأعمال الإنسانية بالذات كانت غطاء المجلس في معظم تحركاته في أفريقيا كونها القارة التي تعاني معظم دولها من كوارث وفقر دائم يجعل مثل هذه الأعمال مرحبا بها في كل وقت.

في رواندا، كان للكنائس التابعة للمجلس علاقة وثيقة جدا بالنظام الديكتاتوري السابق والذي قتل بسببه حوالي نصف مليون شخص.

هذه العلاقة بدت واضحة بعد الحرب وتركت آثارا سيئة جدا على العمل التبشيري في رواندا، مما دفع المجلس لإرسال نائب مديره، صامويل إسحاق، لرواندا، والذي ادعى بأن المجلس استنكر عدة مرات على الكنائس مثل هذا القرب من الحكومة ملمحا أن الذي دفع هذه الكنائس لأخذ هذا المنحى هو التنافس مع الكنائس الكاثوليكية التي حققت موقعا قريبا من الديكتاتور وامتيازات عديدة أرادت كنائس المجلس تحقيقها.

جزء من هذه الحرب كانت حربا بين الكنائس الكاثوليكية التي يتبع معظم أفرادها قبيلة هوتو، المسيطرة على الحكم سابقا، والكنيسة البروتساتنتية، والتي يتبع معظم أفرادها لقبيلة توتسي، مما دفع نائب مدير المجلس صامويل إسحاق، لتوجيه خطاب حاد ضد الكنائس الكاثوليكية، «أحد القساوسة الكاثوليك قتل 10 من اللاجئين إليه من القساوسة البروتسانت لما لجئوا إليه في الكنيسة هاربين من الميليشيات».

مثال آخر أكثر حدة يتمثل في زامبيا التي استطاعت الكنائس التابعة للمجلس فيها من تحقيق علاقة وثيقة برئيس الجمهورية فريدريك تشيلوبا.

النظام السياسي بعد هذه العلاقة الوثيقة أعلن زامبيا دولة مسيحية وشن حملة إعلامية صريحة ضد المسلمين يطارد بإخراجهم من الدولة لأنهم خطر على الكنيسة.

وأعلن أحد المبشرين التابعين للمجلس أنه ومجموعة من المبشرين الذين يعملون في المكتب الديني في القصر الحكومي اجتمعوا مع الرئيس ونائبه حول هذا الموضوع.

يقول التقرير الذي نشر الشهر الماضي: «الرئيس قال بأنه قلق بسبب سرعة انتشار الإسلام، وأنه سيتخذ طرقا فعالة لطرد من المسلمين من البلد لأن زامبيا بلد مسيحي رسميا وعليهم أن يعتنقوا ديانة الدولة أو يخرجوا منها».

هذه المجهودات بدأت بعد أن وجه القسيس بيري ديل، رئيس الكنيسة الأنجليكية، والقسيس جون مامبو، السكرتير العام للمجلس المسيحي في زامبيا التابع للمجلس في زامبيا، حملة إعلامية حذر فيها من انتشار الإسلام في زامبيا، ودعا لخطوات سريعة لتلافي هذا الأمر.

من الخطوات الأخرى التي دعا إليها القسيس، إقامة ندوات وحلقات عمل وتوزيع منشورات تحذر الزامبيين من خطر المسلمين «وخبثهم» وتدعوهم لتجاهل الدعوة الإسلامية الوافدة عليهم بدعم قوى أجنبية، وقد بدأت الدعوة الإسلامية في زامبيا في عام 1820، بينما وصلت البعثات التبشيرية عام 1858، أي بعد 38 عاما.

هناك أيضا تركيز على السودان من خلال الأعمال «الإنسانية» في الجنوب، وقد أصدر المجلس قبل شهر تقريبا دعوة للمزيد من العمل في جنوب السودان «لمساعدة الضعفاء في الجنوب ودعم حملات حقوق الإنسان»، وذلك بالتعاون مع «مجلس السودان الجديد للكنائس» و«المجلس السوداني للكنائس».

جزء من هذه الحملة الإعلامية يركز على أن حكومة السودان تمنع المساعدات الإنسانية عن المسيحيين في الجنوب.

استراتيجية أخرى يتبعها المجلس في أفريقيا، حسب تقارير لجهات مضادة للمجلس، هي أخذ الأطفال المسلمين من الدول التي تمزقها الحروب وإرسالهم ليتم تبنيهم في الكنائس وفي بيوت مسيحية في أوروبا وأفريقيا وغيرها.

استراتيجية أخرى ينطق بها هذا النص في أحد التقارير حول أفريقيا: «لابد من اتباع خطوات فعالة لإيصال دعوة المسيح لأولئك النساء المسلمات المسجونات في البردة، بواسطة هذه البردة يمنع النساء المسلمات أن يراهن أحد غير أزواجهن، هم عمليا مسجونات في بيوتهم، وإذا خرجن لابد من تغطيتهن كلهن ماعدا عيونهن. الإعلام خير من قد يساعدنا في تحقيق هذا الهدف».

وعموما، ليس من الغريب تركيز الحملات التبشيرية على المسلمين فهذا واضح من العديد من التقارير، حتى أن «أميسا»، وهو اتحاد للكنائس البروتستانتية التبشيرية وعضو في المجلس، أصدر تقريرا يقول فيه بأنه في الـ25 عاما الماضية اعتنقت أعداد من المسلمين المسيحية تفوق أعداد الذين دخلوا المسيحية من المسلمين خلال كل الـ14 قرنا الماضية!

خذ هذه الإحصائية العامة، أي لا تقتصر على المجلس فق، والصادرة عن «مجلس المسلمين بأفريقيا»، والذي يفيد أن نسبة المسلمين في مالاوي بوسط أفريقيا انخفضت من 66% إلى 17% خلال نصف القرن الأخير، هذا ليس للقول بأن مهمة الكنائس التبشيرية نجحت فهذا أمر بعيد عليهم بعون الله، ولكنه تنبيه لخطر حقيقي يحيق بالمسلمين نتيجة هذه الجهود الرهيبة المركزة عليهم.

اختيار زيمبابوي لتكون مقر اجتماع المجلس العالمي الثامن بالإضافة لاحتفال المجلس بمرور 50 سنة على تأسيسه كان موضوع عشرات المقالات في الدوريات المسيحية، حيث رأى فيه الغربيون احتفالا بإنجازات التبشير في أفريقيا، ورأى فيه الأفارقة انتصارا لهم و«التفاتة عظيمة من الرب لأفريقيا»، حتى أن بعضهم وجد نصوصا في الإنجيل تتنبأ بهذا الاجتماع!!

المؤتمر سيحتفل رسميا بسقوط الأنظمة الشيوعية في بداية التسعينات وبتأسيس النظام الديمقراطي في جنوب أفريقيا و«نجاح»، عملية السلام في الشرق الأوسط وبداية مفاوضات السلام بين إيرلندا وبربطانيا.

جهود خاصة بذلت أيضا في الهند، حيث تقول إحصاءاتهم أن نمو الكنائس التابعة للمجلس في الهند بلغ 200% منذ تأسيس المجلس قبل 50 عاما، إلا أن جزءا من هذا النمو حصل من خلال إنجاب الأولاد.

جزء من نجاح المجلس هناك، حسب تقرير رسمي له، هو الخلاف العنصري بين المسلمين والهندوس، والذي استفاد منه المبشرون في التبشير في صفوف الطرفين، والجزء الآخر حصل من استفادة البعثات التبشيرية من وجود حوالي 200 مليون هندوسي في الهند من الطبقات المضطهدة في الطبقية الهندوسية.

هؤلاء المبشرين طوروا استراتيجيات خاصة للعمل في صفوف الشباب والمراهقين، وكانت هذه الاستراتيجيات من القبول، لدرجة أن المجلس تبناها وعممها على مختلف الكنائس الأعضاء في العالم.

كنائس الهند أيضا قدمت العميد الوحيد _ غير الغربي _ للجنة المركزية للمجلس والذي رأس المؤتمر الخامس للمجلس بنيروبي بكينيا، بالإضافة لعدد من أبرز شخصيات المجلس والذين كانوا من الهند أيضا وقدموا للهند اهتمامهم الخاص.

يدخل في إطار الهند الاهتمام بسريلانكا ذات الأغلبية البوذية، وترى ذلك الاهتمام في النسبة العالية، نسبة لكون المسيحيين يشكلون 6% من السكان، للخريجين السريلانكيين من معهد تدريب المبشرين التابع للمجلس بجنيف.

أىضا هناك تركيز على جزر الباسفيك والمحيط الهادي بحيث يمكن الاستفادة من الانعزال التي تعيشه هذه الجزر وبساطة أهلها في ضمهم للمسيحية.

أندونيسيا هدف هام جدا للعمل التبشيري للمجلس بآسيا، وكم سيحترق قلبك وأنت تقرأ تقرير لأحد المبشرين النرويجيين التابعين للمجلس في أندونيسيا عن تطور العمل التبشيري في أندونيسيا والتقنيات المتبعة هناك.

أيضا أعلن المجلس أول هذا العام عن مساعدة مقدارها نصف مليون دولار أمريكي لدعم الأعمال «الإنسانية» في شمال كوريا.

هناك أيضا بالطبع جهود في العالم العربي، وقد نشرت مجلة المجلس الرسمية هذا العام مقالا أشارت فيه لدراسات ثلاثة أجراها المجلس حول التبشير في فلسطين ولبنان والجزائر.

في لبنان بالذات كان للمجلس جهود واسعة أثناء الحرب الأهلية وسط اللاجئين اللبنانيين والفلسطينيين.

وفي الحقيقة، فإن اللاجئين في كل مكان هم هدف أساسي للعمل التبشيري التابع للمجلس.

في عام 1996، أصدر المجلس تقريرا يفيد وجود 125 مليون لاجئ حول العالم يعيشون في أوضاع صعبة.

يقول التقرير: «هؤلاء هم أحوج الناس للعناية الغذائية والصحية والإنسانية، ومن خلال هذه العناية يمكنك أن تحضر المسيح لملايين البشر».

تقرير أخر يفيد ضرورة الاهتمام بالعالم الرابع والتركيز عليهم.

العالم الرابع تمثل الشعوب البدائية حول العالم. المجلس ساهم في تأسيس المركز العالمي لدراسات الشعوب الأصلية، ومن خلال هذا المركز يحصل المبشرون على معلومات تفيدهم في التعامل مع هذه المجموعات البشرية، كما تم في 28 يوليو 1994، عقد مؤتمر بجنيف بسويسرا لممثلي الشعوب الأصلية، حوالي 5000 مجموعة حول العالم.

الشعوب الأصلية تشمل الشعوب البدائية في آسيا، وأمريكا الجنوبية، كما تشمل كل المجموعات السكانية التي لا تنتظمها حكومة كما هو الشأن في بعض أجزاء الصومال، وتشمل السكان الأصليين حين يصبحوا أقليات كما هو الشأن بالنسبة للهنود الحمر في أمريكا والسكان الأصليين في أستراليا.

من المهام الأخرى الجزئية للمجلس التي اشتهر بها حماية البيئة والضغط لصالح إجراءات لحماية الأرض على حساب النمو الاقتصادي، والذي تقرر في الاجتماع العام للمجلس بنيروبي بكينيا عام 1975 ويسعى المجلس الآن لتأسيس «كنائس الخضر» في موازاة جماعات السلام الخضر ربما لاحتواء هذه الجماعات وتجيير جهودها البيئية وإنجازاتها لصالح المجلس.

في هذا السياق، كانت للمجلس جهود إعلامية ضخمة ضد تضخم ميزانيات السلاح في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن هذه الجهود ضعفت جدا بعد هجوم شديد تلقاه المجلس من اللوبي الصهيوني في أمريكا والذي اعتبر في العديد من الكتب والمقالات أن هذه الدعوات هي الوجه الجديد لمعاداة السامية في أمريكا لأن تخفيف ميزانية الجيش الأمريكي يعني «إضعاف دعم إسرائيل التي تعتمد على هذه الميزانية بأشكال متعددة في مواجهة العرب».

هذا بالطبع أساء للعلاقة بين المجلس واللوبي الصهيوني في أمريكا، إلا أن الغريب أنه في نفس وقت هذه المشكلة بدأت مجموعة من المنظمات التبشيرية التابعة للمجلس في الغرب تعلن عن رفضها لدعم أي جهود للتبشير في إسرائيل وبين اليهود في أمريكا الجنوبية، لأن ذلك «يسئ للثقة المتبادلة بين شعوب الديانات السماوية»، حسب تصريح قائد الكنيسة البروتستانتية في كندا.

في نفس الاتجاه، تذهب معظم ميزانية المجلس المخصصة لبرامج الحوار عبر الأديان لبرامج الحوار مع المؤسسات والمعابد اليهودية.

كما سيتضمن المؤتمر العالمي القادم للمجلس ورقة عمل عن كيفية احترام النصوص والخصوصية الدينية للديانة اليهودية واحترام العرق اليهودي!.

مجلس الكنائس العالمي كان له دور أساسي في دعم اليهود خلال الحكم النازي لألمانيا وما بعدها.

حصل ذلك على يد أدولف فرويدينبرج، وهو محامي ألماني رأى تاريخه المهني يتحطم عام 1933 بسبب أن زوجته يهودية.

أدولف، ترك ألمانيا وعمل في المنظمات الكنيسية ببازل السويسرية، مقر الصهيونية العالمية، حتى تعين سكرتيرا عاما للجنة مجلس الكنائس العالمي للاجئين، والتي وضعت كل جهدها، بالتعاون مع لجنة الكنائس الفدرالية بالولايات المتحدة، لمساعدة اليهود في ألمانيا وبولندا أثناء الفترة النازية وما بعدها، كما ساعدت في ترحيل 400,000 شخص من هؤلاء لفلسطين، وتمويلها جاء أكثره من منظمات مسيحية وسياسة بسويسرا وأمريكا والسويد.

فرويدينبرج، كان له دور في أوائل الخمسينات الميلادية في تأسيس لجان لدعم العلاقات بين مجلس الكنائس العالمي والمجلس اليهودي العالمي، وتأسست من خلال هذه اللجان علاقات متينة بين المجلسين.

الكثيرون يرون في مجلس الكنائس العالمي وحدة شديدة التنظيم، وهذا صحيح لحد كبير إلا أن الحقيقة أن المجلس يعاني من خلافات داخلية كثيرة.

هذه الخلافات ظهرت للسطح عدة مرات كان آخرها عندما أعلن قائد الكنيسة الأرذثوكسية الروسية، أكبر مؤسسة مسيحية في المجلس على الإطلاق، عن قراره بسحب عضوية الكنيسة من مجلس الكنائس العالمي قبل الاجتماع العام الثامن للمجلس والذي سيتم آخر هذا العام الميلادي في زيمبابوي.

واعتبرت المصادر المسيحية أن مثل هذا الانسحاب لكنيسة بثقل الكنيسة الروسية الأرثوكسية يعتبر انهيارا لما يفتخر به المجلس خلال 50 عاما من تأسيسه بكونه يجمع تحت سقفه ممثلين لحوالي 330 منظمة كنسية على اختلاف مدارسها الدينية.

فيكتور بيتليشينكو، ممثل الكنيسة الروسية الأرذثوكسية وعضو اللجنة المركزية للمجلس والتي اجتمعت حديثا بجنيف، قال بأنه لا يجد سببا للاستمرار مع المجلس، وذلك حسب مفهوم خطاب طويل له بسبب موقف المجلس المتحرر من تعيين قساوسة من النساء، وموقفهم المتحرر من قبول الشاذين جنسيا في الكنائس، وقبل ذلك كله لأن المجلس لم يتخذ موقفا حازما من جهود بعض أعضائه من البروتسانت للتبشير للبروتسانتية في الأوساط الأرذثوكسية في دول الاتحاد السوفييتي سابقا، وخاصة أن هؤلاء المبشرين يجمعون الناس والمراهقين خصوصا من خلال حفلات الروك آند رول الموسيقية، الأمر الذي ترفضه تماما الكنائس الأرذثوكسية.

الكنيسة الأرذوثوكسية في أمريكا استغلت زيارة أكبر شخصية دينية بين الأرذثوكس في العالم بارترياش بارثولوميو، المقابل لبابا الفاتيكان بالنسبة للكاثوليك، لأمريكا، قبل فترة بسيطة لتوجيه خطاب علني يناشد فيه الكنيسة الروسية بعدم الانفصال، «لأن ذلك سيكون كارثة، وسيعزل الكنيسة الروسية ويترك آثارا سلبية عليها وعلى الكنيسة الأرذثوكسية في العالم عموما».

وقبل أسبوعين، زار وفد من كبار شخصيات المجلس روسيا لمناقشة هذا الأمر ومازالت القضية ساخنة.

بالمقابل، تضغط الكنائس البروتستانتية بكل قوة لدعم زواج الجنس الواحد وقبول الشاذين جنسيا، ويبدو ذلك بغرابة في معارضة هذه الكنائس لإقامة الاجتماع العالمي القادم في زيمبابوي لأن رئيس الدولة روبرت موجابي، كاثوليكي، يدعم حملة مستمرة ضد الشذوذ الجنسي في بلده، ولذلك السبب اعلنت الكنيسة اللوثرية، نسبة لمارتن لوثر مؤسس البروتسانتية الحديثة، بهولندا عن انسحابها من حضور الاجتماع العالمي إذا أقيم بزيمبابوي.

المجلس أسس لجنة لمعالجة الموقف واللجنة اقترحت اعتبار هذه القضايا جزء من ثقافة الدولة التي تتبع لها الكنيسة، فإذا كانت ثقافة بلد مثل أمريكا أو هولندا ترحب بالشذوذ فيكون للكنيسة حق التأقلم مع هذا الوضع، والعكس صحيح، ولم يعدم أعضاء اللجنة نصوصا من الإنجيل تشير بشكل أوبآخر لما اقترحوه إلا أن هذا لم يثن الهولنديين عن قرارهم.

موضوع الثقافة ليس جديدا بالطبع، ففي مؤتمرات المجلس السنوية للتبشير يطرح هذا الموضوع باستمرار وهو التأقلم مع ثقافة الدولة التي يتم فيها التبشير، أو بشكل أوضح تقديم تنازلات عن بعض الأصول الدينية للمسيحية في سبيل التقرب للناس المدعوين للمسيحية والاندماج معهم.

هذا بالضبط كان الموضوع الرئيسي لمؤتمر المجلس العالمي حول التبشير والذي أقيم بالسلفادور بأمريكا الجنوبية في عام 1996، وتم التمهيد للمؤتمر بأكثر من 20 دراسة منشورة جميعها في المجلة الناطقة باسم المجلس وفي دوريات مسيحية متخصصة أخرى.

حسب هذه الدراسات، فإن الداعي الأكبر لبحث هذا الموضوع هو أن كثيرا من الدول التي عاشت شعوبها تجارب سيئة مع العالم الغربي في أيام الاستعمار أو في أيامنا هذه ترفض الجهات التبشيرية على أساس أنها امتدادات للأنظمة السياسية الغربية مما يضعف كثيرا من فعالية العمل التبشيري في هذه الدول، أو أنها امتدادات للشخصية الأوروبية والأمريكية والتي تمارس العنصرية ضد السود، كما يبدو ذلك واضحا في العمل التبشيري في أفريقيا وفي الجاليات السوداء في أمريكا الشمالية وأوروبا.

تقول أحد الدراسات: «في أفريقيا وخاصة في القرى، مازالت الكنيسة أجنبية ومازال الأفريقي المسيحي لا يشعر بأنه ينتمي لوطنه حين يكون داخل الكنيسة».

واحد من الأساليب التي تتبعها كنائس المجلس في أفريقيا في هذا السياق «التوافق مع الثقافة»، هو تأسيس الكنائس على شكل مساجد، وجلوس الناس على الأرض بدلا من الكراسي أثناء أداء الطقوس المسيحية، وتعليم الإنجيل من خلال حلقات على شكل حلقات القرآن تماما، وحتى قراءة الإنجيل بنفس طريقة الترتيل السائدة للقرآن في أفريقيا.

ضمن فعاليات مؤتمر السلفادور، نوقش أيضا أثر الخلافات بين مختلف الكنائس والبعثات التبشيرية في بعض الدول وأثر ذلك على العمل التبشيري على أساس أن ثقافة الناس والذين «لا يفهمون مبدأ تعدد الآراء» في هذه الدول تعتبر مثل هذه الخلافات خطأ في صميم المسيحية نفسها، ولذا لابد من إخفاء هذه الخلافات إلى الحد الأدنى.

هذه الخلافات هي جزء من خلاف أكبر يدور بين الأعضاء الـ156 للجنة المركزية، والذي ترى مصادر مسيحية أنه سيشتد في الفترة القادمة وقد يترك آثارا سلبية كبيرة، وموضوع هذا الخلاف والذي كان موضوع الاجتماع الأخير للجنة في جنيف، حيث المركز الرئيسي للمجلس هو «أهداف المجلس».

البعض يقول بأن المجلس تحول لحركة مستقلة عن الكنائس التي يمثلها في أهدافه السياسية والدينية والاجتماعية، وذلك من خلال انتقال مركز القوة تدريجيا من اللجنة المركزية، التي تضم الأعضاء الممثلين للكنائس، للجنة التنفيذية التي تدير المجلس.

صياغة أهداف المجلس المشتركة تعتبر حاليا من أهم التحديات التي تواجهه بسبب التباعد المستمر بين سياسات أعضائه، الكنيسة الأرذثوكسية من جهة وبعض الجهات شديدة التحرر من الكنيسة البروتسانتية، على سبيل المثال، وبينما كان تحقيق الهدف الأساسي من المجلس وهو «تحقيق التكامل الكامل بين كل الكنائس المسيحية» سهلا في ظل سيطرة الكنيسة الإنجليكية في العقود الماضية أصبح ذلك شبه مستحيل في ظل نمو قوى متعددة على الأرضية المسيحية.

المثال الذي طرحناه سابقا يعبر عن ذلك حيث تقف الكنائس الأرذثوكسية رافضة تماما لقبول الشاذين جنسيا في الكنائس البروتستانتية وتزويجهم، وتعيين شخصيات دينية من النساء والسماح لهن بإعادة صياغة العقيدة المسيحية بما يكفل بتوافقها الكامل مع أفكار الحركات النسائية في الغرب، إلا أن آرون تولين، رجل دين من الكاميرون وأحد ستة رؤساء للمجلس، أن يرى تقبل هذه الأفكار لابد منه في المجلس بحكمه يمثل كل الاتجاهات المسيحية في العالم.

أمر التمثيل هذا بحد ذاته كان دافعا لانسحاب بعض الكنائس من المجلس كما حصل مع الكنيسة الأرذثوكسية الجورجية، من جورجيا إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابق، والتي انسحبت العام الماضي لأن المجلس لا يتحدث باسم الجميع بل يتحدث فقط باسم الصياغة الغربية للمسيحية على حساب الرؤية الشرقية، المرتبطة بشرق أوروبا ودول الاتحاد السوفييتي السابق.

آرام، سكرتير اللجنة المركزية للمجلس ورئيس الكنيسة الأرذثوكسية الأرمنية في لبنان وأحد أبرز القادة الأرذثوكس في العالم، حاول في خطاب له في الاجتماع الأخير أن يقلل من حدة شكوى الكنائس الشرقية من سيطرة الكنائس الغربية بدعوة الشرقيين لاتخاذ أساليب بناءة في الدعوة للأجندة الأرذثوكسية بدلا من الانسحاب من الكنيسة.

أحد القضايا التي يختلف عليها الأرذثوكس والبروتستانت أعضاء المجلس هي الموقف من النظم العلمانية، بينما معظم الكنائس الأعضاء ترحب بالنظم العلمانية والديمقراطية على أساس أن هذه النظم تكفل حرية التحرك للمنظمات المسيحية في دولها، تقف مجموعة من الكنائس الأرذثوكسية ضد هذه الأنظمة مطالبة بأنظمة سياسية مسيحية كالنظام السياسي الموجود في اليونان وصربيا، على سبيل المثال.

مشكلة أخرى حدثت أثناء المأساة البوسنوية، كان السؤال الدائر بين الكنائس: هل ندعم الأرذثوكس الصرب أو نقف الموقف الإعلامي العالمي من استنكار ما يحدث في البوسنة؟ وما موقفنا من الصراع بين الكروات وبين الصرب؟

وكان الحل في معظم الأحيان إعطاء إشارات إيجابية لكل الأطراف بالدعوة لاتخاذ الطرق الدبلوماسية وإيقاف الصراع إلى آخره مع بذل «جهود إنسانية» في البوسنة.

الكنائس الأرذثوكسية في الدول الشيوعية سابقا يعاني الكثير منها من أزمات داخلية بسبب التغير السريع للبيئة من حولها وصدور مستجدات تحتاج الكنيسة أن تقف منها موقفا محددا الأمر الذي يفرز في كل مرة خلافات داخلية، وكثيرا ما تدخل مجلس الكنائس العالمي لمساعدة هذه الكنائس لحل هذه الخلافات.

تأتي كل هذه الخلافات بينما رجالات المجلس يعلنون أنهم وصلوا للمرحلة الثالثة في بناءهم للكنيسة:

  • المرحلة الأولى كانت في مرحلة التنظيم الأولي.
  • والثانية مرحلة الحوار بين الكنائس.
  • والثالثة مرحلة اتخاذ قرارت عملية لإعادة توحيد هذه الكنائس وتحقيق التقارب بينها.

في المرحلة الأولى عدد من كبار المؤسسات المسيحية في العالم انضمت للمجلس وخاصة منها مجلس الإرساليات العالمي.

المرحلة الثانية بدأت عام 1963م في المؤتمر العام بمونتريال بكندا، حين قدمت عدد من البحوث عن عناصر الاتفاق الأساسية بين هذه المذاهب ليتم حولها الحوار بعيدا عن عناصر الاختلاف.

بقي أن نلاحظ أن الهدف المعلن للمجلس وهو توحيد المسيحيين حول العالم لم يشمل الكاثوليك بعد والذين يشتد ارتباطهم بالفاتيكان.

بعض الكنائس الكاثوليكية بقيادة الكنسية الكاثوليكية في سويسرا بذلك جهود منذ عام 1966 إلى عام 1972، للحوار مع المجلس بهدف الانضمام إليه وحاول المجلس خلالها تأسيس عدد من المنظمات التي تصل بينه وبين الفاتيكان، ومازال بعض هذه المنظمات موجودا ونشطا، كما منح العديد من الكراسي في مجالسه لمراقبين كاثوليك، إلا أن المجلس لم يستطع كسب الصوت الكاثوليكي بعد إلى صفه الأمر الذي لو حصل لأصبح مجلس الكنائس العالمي واحدة من أقوى المؤسسات العابرة للقارات في العالم، وهو أمر محتمل على كل حال على أساس أن العقبة الكبرى في هذا الاندماج هو معارضة بعض القيادات الكاثوليكية في الفاتيكان من خلال مطالبتهم غير المباشرة بإجراءات تضمن عدم سحب بساط القوة من تحت أقدام الفاتيكان لصالح المجلس، بالإضافة لمعارضة الفاتيكان الرسمية لتدخل المجلس في السياسة العالمية من خلال مسالك سرية وغير قانونية عالميا ودعم مجموعات يرى الفاتيكان أنها تسئ للعمل التبشيري المسيحي كدعم انقلابات عسكرية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية ذهبت ضحيتها آلاف الأبرياء.

الكاردينال جوسيف راتزينجر، واحد من أقوى شخصيات الفاتيكان، عقد العام الماضي مؤتمرا صحفيا في الفاتيكان هاجم فيه دعم مجلس الكنائس لعدد من الحركات الثورية الماركسية في أمريكا الجنوبية والتي ينتمي معظم مسيحيوها للكاثوليكية قائلا، بأنه رغم «حسن نية» المجلس إلا أن هذا يسئ للعمل التبشيري.

وفي العام الماضي أيضا وجه مجلس الكنائس العالمي دعوة رسمية للفاتيكان لتأسيس «مجلس كل كنائس عيسى المسيح»، وذلك مع مطلع القرن الواحد والعشرين، وسيكون هذا الموضوع هو المحور الأساسي للمؤتمر العالمي القادم للمجلس في زيمبابوي، وسيتم الحديث خلالها عن نتائج الجهود التي تبذل حاليا في مختلف قارات العالم للوصول لثمرات إيجابية في هذا السياق.

هذه الجهود تشمل محاولة إعادة صياغة المنظمات المسيحية الكبيرة بشكل يسمح باندماج كل المذاهب المسيحية ذات التباعد الكبير حول عدد من القضايا، وبعض المنظمات مثل مجلس الكنائس بالسويد أعلن أنه انتهى تماما من إعادة صياغة قواعد المجلس وهو جاهز لهذا الاندماج.

السكرتير العام لمجلس الكنائس العالمي، كونراد رايزر، قال في مقالة له في أبريل 1997 بمجلة «إيكيومينيكال ريفيو» الناطق باسم المجلس، أن هناك تخطيط لاحتفال يقام في القدس عام 2000 لإعلان مثل هذا الاتحاد.

خلال اجتماع أقيم قبل فترة قصيرة بين ممثلي المجلس وممثلي الفاتيكان اتفق المجتمعون على اختيار قضية، وهي القمار، وتأسيس اتحاد مشترك لبذل جهود على مستوى العالم لمحاربة القمار، وفي نفس الوقت اختبار إمكانية توحيد الجهود بين المجلس والفاتيكان من خلال سير العمل في هذه القضية، وبالفعل تم حديثا تأسيس الاتحاد المسيحي لمحاربة القمار في العاصمة الأمريكية واشنطن.

من الأشياء الأخرى الشائعة عن المجلس هي ميزانيته المالية الضخمة جدا، وهي ميزانية يبررها تبرع عدد كبير من البنوك الغربية بمبالغ ضخمة للمجلس، وتبرعات الكنائس المندمجة ضمن المجلس.

إلا أنه في الفترة الأخيرة بدأ المجلس يعاني بعض الشئ من ضغوط مالية دفعت لجنتيه المركزية والتنفيذية للاجتماع في عام 1996 في جنيف لتباحث طرق للتخفيف من هذه الضغوط على المجلس، وهذه الضغوط لا تعني بالطبع أن المجلس يعاني من صعوبات مالية، بل الحقيقة أن الميزانية الضخمة للمجلس جعلته يبدأ في السنوات الماضية مشروعات لم يعد المجلس قادرا على الاستمرار في تمويلها كلها بنفس التدفق المالي، كما اضطر المجلس للتقليل من عدد العاملين فيه إداريين وباحثين وغيرهم.

المجال الوحيد الذي أعلن المجلس عن الحفاظ الكامل على ميزانيته هو المجال التعليمي، بالإضافة لبرنامج خاص بدمج النساء في الكنائس، وقد أعلن عن ذلك العام الماضي في اجتماع للجنة التعلميمية بأندونيسيا.

الضغوط المالية هذه جاءت نتيجة لخسائر كبيرة تكبدت بها مشاريع استثمارية تابعة للمجلس وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقارنة بالفرنك السويسري، بالإضافة لمشاكل إدارية أدت لضياع عقود تجارية كانت اللجنة التجارية بالمجلس تستفيد منها ومشاكل مع بعض المبشرين ورؤساء البعثات الإغاثية الذين سرقوا أموالا ضخمة من المجلس من خلال إيصالات مزورة، ومشاكل مع بعض الكنائس الأعضاء التي رفضت دفع مشاركتها السنوية في العامين الأخيرين أحيانا بحجة العجز المالي، ومن هذه الكنائس من يعتبر أكبر كنائس المجلس على الإطلاق.

فيما يلي عرض لبعض أسماء هذه الكنائس التي لم تدفع حصتها مع ذكر عدد أعضاء كل كنيسة، عدد الكنائس التي لم تدفع حصتها 174 كنيسة من أصل 330:

  • الكنيسة الروسية الأرذثوكسية.. 50 مليون عضو.
  • الكنيسة الأرذثوكسية الرومانية.. 19.6 مليون عضو.
  • مؤتمر التعميد الوطني بأمريكا.. 6.12 مليون.
  • الكنيسة الأرذثوكسية البلغارية.. 95.7 مليون.
  • المؤتمر الأمريكي الوطني للتعميد.. 7 مليون.
  • الكنيسة الصربية الأرذثوكسية.. 5.6 مليون.
  • كنيسة عيسى المسيح على الأرض بزائير.. 5.6 مليون.
  • الكنيسة الأرذثوكسية القبطية بمصر.. 2.6 مليون.
  • مجلس المسيحيين الصيني.. 5 مليون.
  • الكنيسة الأرذثوكسية الجورجية.. 5 مليون.
  • الكنيسة الفليبينية المستقلة.. 5.4 مليون.
  • كنيسة نيجيريا.. 3 مليون.
  • كنيسة الرب ألدورا في نيجيريا.. 3 مليون عضو.

هذا أدى لعجز مالي ضخم جدا لتصل الميزانية العامة «الرسمية» للمجلس لهذا العام لحوالي 62 مليون دولار أمريكي، هذا مع ملاحظة أن هذه الميزانية هي فقط ميزانية مشاريع اللجنة التنفيذية للمجلس، بينما يشرف المجلس على مئات المشاريع التي تمول بميزانيات الكنائس المحلية في المناطق التي تتم فيها هذه المشاريع.

المجلس اتخذ هذا العام خطوة ضخمة بتوسيع استثماراته في بنك التنمية الكنسي والذي يشرف عليه المجلس، وهدف توسيع الاستثمارات جذب المزيد من حاملي الأسهم ورؤوس الأموال للمشاركة في البنك.

المشرفون على البنك متفائلون أن هذا القرار سينهي الأزمة المالية، بينما مسئولي المجلس يرون أن الزيادة المالية لن تحقق طموحات المجلس تماما ولابد من مصادر مالية أخرى.

المجلس أيضا أرسل خطابات للأعضاء يطالبهم فيها بالمزيد من الدعم، لأن «هناك أعمالا حيوية يمكن للمجلس فقط أن يؤديها بسبب شبكة علاقاته الواسعة حول العالم».

الجدير بالذكر أن 75% من التبرعات «المسجلة في الميزانية» تأتي من ألمانيا ثم السويد ثم هولندا ثم أمريكا، ويأتي الباقي من مجموعة دول يتصدرها كندا والدانمارك.

 

كلمة أخيرة

لماذا الحديث عن مجلس الكنائس العالمي؟

قد يبدو الأمر بديهيا باعتبار أن مجلس الكنائس العالمي أحد أهم القوى المنظمة في العالم التي تعمل في اتجاه لا يرضي المسلمين، لكن الحديث ليس هدفه إثارة الغضب ضد المجلس بقدر ما يهدف لتوثيق بعض المجريات المتعلقة بمجلس الكنائس العالمي من جهة، وللدعوة للمزيد من متابعة ودراسة هذه المنظمات العالمية بما يكفل فهم استراتيجياتها لمقاومتها من جهة، إذا كانت ذا أثر سلبي على المسلمين، وللاستفادة من بعض خصائصها التنظيمية التي استطاعت توحيد عدد كبير من الكنائس المتباعدة الاتجاهات في جهاز واحد.

إذا كان لي أن أختم بإيجابية وحيدة للمجلس في تنظيمه فهي قدرته الواسعة على تقبل النقد الذاتي، فمجلات المجلس الرسمية مليئة بدراسات تنتقد بعض تكتيكات المجلس وأحيانا بعض شخصياته الكبار الأمر الذي ربما حافظ على شئ من حيوية وتجدد المجلس الدائمين خلال حوالي 60 عاما.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية