التجارة على «فيسبوك» و«تويتر»: بداية الحكاية..

من قسم الثورة الرقمية
الإثنين 04 فبراير 2013|

كان ياما كان، في قديم الزمان شيء اسمه “التجارة الإلكترونية”، والتي كانت تعرض بضائعها على مواقع الإنترنت وتنتظر من الجمهور أن يأتي ويشتري البضاعة متى ما تأنى لهم ذلك، مع تفاعل محدود جدا بين التجار الإلكترونيين والجمهور.

اليوم لدينا شيء مختلف اسمه “التجارة الاجتماعية” حيث تذهب البضائع يوميا للجمهور على شبكاتهم الاجتماعية، وبرسائل تصلهم من أصدقائهم ومن مواقعهم المفضلة، تذكر لهم الأشياء التي يحبونها فقط، وكل ما عليهم حتى يشتروها أن يردوا على الرسالة بكلمة: اشتريت، وبعدها يصلهم ما يشتروه مباشرة دون أي صداع.

هذا الوصف ليس مبالغة بل هو حقيقة، وهو مستقبل التجارة على الإنترنت.

التجارة الاجتماعية (Social Commerce) أو التجارة عبر الشبكات الاجتماعية تعني ببساطة أن تصلك رسالة على “فيسبوك” أو “تويتر” أو “إنستجرام” تنص على عرض تجاري معين، وأن يرد عليها الشخص بكلمة واحدة ليتم بعدها أتوماتيكيا سحب المبلغ من وسيلة الدفع المفضلة لديه وإرسال ما اشتراه إليه مباشرة.

هذا الشخص كان في السابق قد سجل معلوماته عندما ضغط على تابع (Follow) أو أحب (Like) فيطلب منه الحساب تزويد معلوماته الخاصة بالدفع والتسليم، ويصبح بعدها شراء الأشياء مسألة رد على رسالة لا يأخذ 20 ثانية من الوقت.

التجارة الاجتماعية ليست سهولة فقط، بل هي تتضمن خلق مجتمع صغير حول الشركة التي تقدم الخدمات، بعد أن قدموا لها معلوماتهم، وهذا يضمن نسبة أعلى من الولاء ويضع ضغطا أكبر على الشركة لتقدم خدمة مميزة لجمهورها.

هناك أيضا أفكار تتعلق بمكافأة هذا أفراد هذا المجتمع الصغير عندما يحضرون أصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم من خلال ضغط “ريتويت” أو “شارك”، وهذه كلها ميزات سهلة يمكن ببساطة تطبيقها من خلال تلك البرمجيات.

لا أعرف شخصيا أي مواقع عربية تقدم بعد هذه الخدمات، وربما البعض يجهزون للاستفادة من هذه الثورة، ولكن الاطلاع على المواقع الغربية المميزة يؤكد لك أنه هذا مستقبل التجارة على الإنترنت، وهو مستقبلنا نحن كمستخدمين، فلم نعد نتجول في كل مكان بحثا عما نشتريه، بل ستاتي إلينا كل الخدمات مع عروضها الخاصة بها، وسنعرف بالضبط ما يحبه أصدقائنا وما اشتروه، بل ونستفيد من ذلك ماديا.

بالنسبة لي، هذا التطور سيوجد فجأة ما كانت الشبكات الاجتماعية تبحث عنه أي المورد المالي المميز الذي يوازي انتشارها وتأثيرها الواسع في حياة الناس والذي يقلل من اعتمادها على حصتها من سوق الإعلان، بكل إشكالياته ومحدوديته وعدم استقراره.

علاقاتنا وأصدقائنا على الإنترنت والوقت الذي نقضيه على الشبكات الاجتماعية ومن نحن وماذا نحب ونكره وكل المعلومات الأخرى التي تملكها الشبكات الاجتماعية ستتحول إلى منجم من الذهب تستخدمه خدمات التجارة الاجتماعية بالتعاون مع الشبكات الاجتماعية لتبيع الأشياء لنا، وهذا لن يضايقنا لأنه سيحول عملية التسوق في حياتنا إلى شيء يشبه قراءة الأخبار على الشبكات الاجتماعية: ما نحب ويوافق أهوائنا سيصل إلينا على مدار الساعة ولن نذهب إليه أبدا.

أحد المؤلفين واسمه ديفيد ولمان ألف كتابا اسمه “نهاية النقد” (End of Money) واستخدم خدمات موقع تجارة اجتماعية اسمه Chirpify، وهو ما يوافق فكرة الكتاب الذي يرى أن التجارة على الإنترنت ستقتل النقد في حياة الناس.

المؤلف أرسل رسالة لكل الأشخاص الذين يتابعونه على تويتر ذاكرا أن كتابه متاح للبيع، ولتشتريه أرسل رسالة Buy إلى @chirpify. إذا كانت هذه أول مرة ترسل الرسالة، فإن الموقع سيطلب منه إعطائه الموافقة على سحب مبلغ منك وإرسال ما تشتريه إليك في كل مرة ترد على رسالة بكلمة buy، وبذلك ينتهي الموضوع. هذا يعني أنك إذا كنت تمتلك مليون متابع فإن هذا سيتحول من مجرد انتشار للمؤلف أو الإعلامي إلى سوق مغر لبيع الخدمات، يتجاوز حجم أي حملة إعلانية.

بعض الإعلاميين في أمريكا بدأ فعلا يستخدم هذه الخدمات ويكتب تقارير صحفية مثيرة ومطولة، وإذا أردت أن تقرأها ترد على رسالته بكلمة “اشتري” ويصلك رابط الموضوع مباشرة لتقرأه، وبذلك تصبح العلاقة بين الإعلامي والجمهور بكل جوانبها مباشرة جدا.

هذا مثال واحد فقط يشرح التطور الرهيب الذي تتضمنه أفكار “التجارة الاجتماعية” والمستقبل الضخم الذي ينتظرها، والتحول الكبير أيضا الذي ينتظر الشبكات الاجتماعية بسببها.

بلغة الأرقام، يتوقع الخبراء في تقرير صدر عن شركة الأبحاث جارتنر أن تنمو التجارة الاجتماعية لتصل في عام 2015 إلى 30 مليار دولار، أي تقريبا نصف حجم المبيعات على شبكة الإنترنت.

هذا باختصار واحد من أسرع القطاعات نموا في التاريخ. واحد من أسباب هذا النمو السريع المتوقع هو أن كثيرا من الناس محدودي الدخل سيجدون في التجارة الاجتماعية وظيفة حرة من خلال بيع المنتجات لـ”الأصدقاء” و”أصدقاء الأصدقاء”، ولذلك كانت الشركة الأمريكية Amway من أول الشركات التي تعمل على التحول للتجارة الاجتماعية لأنها منذ أكثر من 50 عاما تعتمد في بيع منتجاتها على الأفراد الذين يطرقون أبواب أهل الحي للبيع والحصول على نسبة على كل حال.

السبب الآخر في توقع النمو السريع للتجارة الاجتماعية هو نجاح تجارب التسويق عبر الشبكات الاجتماعية، وكان آخرها ما فعلته شركة لكزس هذا العام عندما أطلقت سيارتها IS 2014 في استعراض غير عادي عبر يوتيوب وفيسبوك وتويتر، بدلا من إطلاقها عبر أحد معارض السيارات السنوية الشهيرة كما هو معتاد.

كلنا نحب الأصدقاء والشبكات الاجتماعية، ونحب الثرثرة، وهذا فجأة سيتحول إلى .. ذهب !!

* نشر المقال في جريدة الوطن السعودية