أن تموت ليسمع العالم صوتك على «يوتيوب»

من قسم سياسة
الإثنين 01 أغسطس 2011|

ثار سؤال خلال الفترة الماضية عن دور الإعلام الرقمي والاجتماعي في مجريات أحداث الثورتين التونسية والمصرية، ولقي الموضوع اهتماما واسعا على الصعيدين الأكاديمي والإعلامي عربيا وعالميا.

ملخص القول في الموضوع إن الإنترنت والقنوات الفضائية لعبتا دورا تكامليا لتحقيق الأثر الذي تحقق.

لكن الحالة السورية جاءت لتعطي القضية بعدا جديدا وذلك لأن دور القنوات الفضائية تحجم تأثيره مع رفض النظام السوري ومعاقبته القاسية بشكل غير مسبوق لوجود الإعلاميين.

هذا الوضع حول شبكة الانترنت الى منفذ وحيد لشعب يواجه آلة “السحق بلا رحمة” وهو يؤمن أن اطلاع العالم على يوميات “المجازر الفردية” قد يمنع حصول مجزرة جماعية مشابهة لمجزرة الثمانينات.

الأمن السوري يعرف خطورة ذلك ولهذا أمر بإطلاق الرصاص على كل من تسول له نفسه برفع جواله أو كاميرته لالتقاط الصور، وبالفعل؛ فقد عدد من الأشخاص حياتهم بسبب ذلك واعتقل عشرات لنفس السبب، وصار التصوير في شوارع سوريا، أيا كان نوعه، أمرا مثيرا للرعب.

رغم ذلك كله هناك أكثر من 40 ألف فيديو توثق يوميات الثورة السورية في كل مدينة وبلدة “ثلاثون ألف منها متاحة على موقع onsyria.net”.

وراء هذه الفيديوهات قصة تشبه الملحمة للآلاف من الشباب يلتقطون هذه الفيديوهات رغم المخاطر، ويقومون بتحميلها على الإنترنت في جهد يأخذ ساعات طويلة كل يوم لحرصهم ألا ينكشف مصدر التحميل ويتم اعتقالهم ولتعطيل النظام للإنترنت في أماكن كثيرة.

القيمة الحقيقية في رأيي لهذه الفيديوهات تتجاوز إعلام الناس والمجتمع الدولي والعربي بما يحصل، بل إن قيمتها أنه لأول مرة يتم توثيق حدث بهذا الحجم كما يحصل لحظة بلحظة، ترى بالصورة الكاميرا مسلطة على الشاب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وينطق الشهادتين، تسمع المرأة والطفل الخائف، ترى مشاعر القهر، تسمع الكلمات كما هي تحت تأثير اللحظة الاستثنائية، وتشاهد رجال الظلم وهم يمارسون ظلمهم الفريد من نوعه.

أظن إن هناك وعي لدى شباب الثورة الإلكترونية بأن هذا ما يفعلونه، لأن كل فيديو أينما وكيفما صور يحمل اسم البلدة والشارع والتاريخ بصوت من يصوره في بداية الفيديو، هناك شعور جماعي خفي إن هناك من سيأتي يوما ويحول كل هذه الفيديوهات إلى أرشيف وطني لشعب يواجه أحد آخر الديكتاتوريات العنيفة على وجه الأرض.

لقد بذل اليهود مليارات الدولارات لجمع كل تاريخ “الهولوكوست” بشكل غير مسبوق، وتم توزيع هذه الشواهد على متاحف عملاقة في واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس ولندن وباريس وألمانيا وغيرها، لأنهم أدركوا قيمة هذا التاريخ في خلق وعي عالمي بالرسالة التي يريدون إيصالها للعالم “أيا كانت”.

هذه المرة التاريخ موثق بالفيديو وليس مع من نجى من الحدث، بل مع الضحايا قبل أن يقتلوا أو يعذبوا؛ هذا كفيل بلا شك إن يعطي الأمور بعدا مختلفا ليس عربيا فحسب بل عالميا لشعب أعزل يواجه الرصاص الحي والدبابات والقتل اليومي، وجدير أن يذكر العالم دائما بما كانت تمثله هذه الديكتاتوريات في يوم من الأيام.

لقد منحتنا التكنولوجيا الكثير ولكن لا أجمل من إن تسمح لنا بالقبض على اللحظات الاستثنائية، وأن تساهم في أن تعلن للبشرية خلال لحظات تفاصيل ما يحصل، ثم يبقى هذا الإعلان مؤرشفا للتاريخ والعبرة، وأخيرا أن يبدأ خلق نافذة التحرر من الظلم من العالم الافتراضي قبل العالم الحقيقي.

لـ”فيكتور هوجو” عبارة شهيرة وبسيطة؛ هي: “عندما تصبح الديكتاتورية حقيقة واقعة، تصبح الثورة حقا”، ولـ”ألكيس دي توكفيل” مقولة أخرى: “الثورة مثل الرواية، الجزء الأصعب منها هو النهاية”.

أيا كانت نهاية ما يحصل في سوريا أو ليبيا أو اليمن، فإن التاريخ صار يمتلك جزءا مهما من الحقيقة لا يمكن لأحد على وجه الأرض إلغاءه، وسيبقى شاهدا لا يمكن تغييره، وسيعلم الجميع أن ما فعله السوريون كان حقا بسيطا من حقوقهم.

تحية لكل العظماء الذين فقدوا أرواحهم أو عانوا وصبروا لأجل حق أكيد في وجه حقيقة آن لها أن تنتهي إن شاء الله.

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية