هناك طرفة مشهورة عن رجل أراد أن يصبح مليونيرا فطلب ريالا من مليون شخص، وبذلك أصبح مليونيرا.
هذه القصة تبدو ممكنة جدا لأن هناك مليون شخص لديهم ريال لا يحتاجونه، ولكنها بالمقابل قصة غير عملية على الإطلاق.
في عصر الإنترنت حيث يوجد ملايين الناس على الشبكة كل يوم، أصبح تطبيق هذه الفكرة أسهل بكثير، وهو يمثل في الحقيقة جوهر فكرة “التمويل عبر الحشود” (Crowed Funding) أو “التمويل الجماعي”، وكلا الترجمتان اجتهاد شخصي مني لأنني لم أطلع على ترجمة للمصطلح.
يمكن مشاهدة أحد تطبيقات فكرة “التمويل عبر الحشود” في موقع kickstarter.com، والذي يقوم على فكرة أن يضع المبدعون أفكارهم أيا كانت على الموقع سواء كانت رواية أو فيلم وثائقي أو عمل فني أو تصاميم معمارية أو مجسم منحوت في أحد الشوارع أو غير ذلك، كل شخص مبدع يستطيع أن يضع فكرته، ويدعمها بموقعه الشخصي أو موقعه على “يوتيوب” ليقنع الناس بفكرته وقدرته، ثم يتبرع الجمهور بما يريدون “والذي يبدأ من الدولار ويصل في عادة إلى 25 دولار أو أكثر أحيانا”.
واحدة من القصص الطريفة التي اشتهر بها الموقع هي اقتراح لشخص أرسله عبر “تويتر” لعمدة مدينة ديترويت الأمريكية، لوضع تمثال للشرطي الروبوت الذي ظهر في أحد الأفلام والذي يحمي مدينة ديترويت من المجرمين. بعدها انتقلت الفكرة إلى الموقع وجاء أكثر من 2700 شخص ليتبرعوا للفكرة وتم جمع مبلغ 67 ألف دولار رغم أن الحاجة كانت لـ50 ألف دولار فقط.
هناك قصص كثيرة في الصحف بناء على ما يحصل في هذا الموقع، وهناك مواقع عديدة مشابهة ومنها donorschoose.org، والذي يركز على المشاريع المدرسية، وموقع sellaband.com لدعم الفرق الموسيقية، بالإضافة لأشهر هذه المواقع indiegogo.com والذي يركز على الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة.
سر نجاح تلك المواقع كما يقول أحد التقارير، هي وجود إدارة جيدة لها، فحماس الحشود لا يكفي لنجاح هذه المواقع، بل هي في الحقيقة تحتاج للعقل المدبر الذي يديرها يوميا ويحولها لقصة نجاح ويمنع إساءة استخدامها، ولا مانع أن يكون لهذه المواقع دخل معين مقابل الخدمة العظيمة التي تقدمها لأولئك الذين يحتاجون المساعدة.
ليس هناك مواقع مشابهة في العالم العربي بكل أسف، رغم أن الشباب العربي هو أكثر من يحتاج لتفجير طاقاته ومواهبه الإبداعية، ويحتاج للتمويل، ولكن الظاهرة الحقيقية التي تشبه ذلك وهي تحصل بشكل عفوي وغير منظم هو الجهد الجماعي الذي يبذله الناس في السعودية بالذات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وBlackBerry لإيجاد المفقودين ومساعدة المحتاجين.
وعموما فإن مصطلح “الحشود” يستخدم على الإنترنت للأعمال التطوعية على أساس أن كل إنسان لديه شيء من الوقت أو المال لفعل شيء لأجل الآخرين، هذا يذكرنا بالتأكيد بظاهرة “الكتابة عبر الحشود” والذي قام على أساسها موقع “ويكيبيديا” العظيم، وقد كتبت عن هذا في السابق بالتفصيل لمن يحب العودة إليه.
الظاهرة الأخرى التي تمت “عبر الحشود” هو الأنظمة مفتوحة المصدر التي تمت عبر آلاف المبرمجين حول العالم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، ويشملها مصطلح “Crowd Sourcing” والتي تعتمد على عمل الجمهور سويا كمجتمع لتنفيذ المهام.
إن عالمنا الإسلامي لديه احتياجات كثيرة جدا تبدأ من الأعمال الإنسانية والفكرية وتنتهي بالإبداع والبحث العلمي الذي نادرا ما يجد اليد الكريمة التي تمتد إليه بشكل منظم وبعيدا عن الاستجداء والاستغلال، وميزة الإنترنت الرائعة أنه يسمح بالجهود الجماعية التي تعمل لهدف واضح، بشرط أن تتوفر الأرضية الإلكترونية التي تدار بالشكل المناسب.
الفرصة الآن أكبر ما تكون بسبب وجود الإعلام الاجتماعي الذي يحول هذا الأمر لأمر أسهل بكثير.
“الحشود” العربية تريد أن تتطوع.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية