هناك قصص كثيرة من الغرب والشرق عن أشخاص تضررت حياتهم بما نشر عنهم على الإنترنت أو بما كتبوا هم بأنفسهم على مواقع الشبكات الاجتماعية مثل “فيسبوك” وغيره.
الإنترنت يصيغ شخصياتنا، ويخبر الناس من نحن عندما يضعوا اسمنا في مربع البحث، لا ينسى الإنترنت أبدا فمن الصعب مسح أي شيء من الأرشيف، ولا يعرف كيف يخبر الناس القصة الكاملة عنا فـ”نتائج البحث” تخبر الناس بعناوين عريضة بسيطة يتم من خلالها الحكم علينا وعلى حياتنا.
في زمن يتداول فيه الناس آلاف المعلومات يوميا وتمضي حياتهم بسرعة، من الصعب على الناس أن يتوقفوا للحظات ويتأملوا مدى دقة المعلومات التي يقرؤونها على الإنترنت، حتى أولئك الذين كتبوا شيئا بأيديهم فهذا لا يعني أبدا أن هذا كاف لإخبارنا عنهم، لأن الإنسان لديه حياة ثرية، وهناك تبريرات لكل الأخطاء، والحكم على أي شخص لا يصح أن يكون من معلومات محدودة مهما كانت.
نحن بشر وضعفاء، ونخطئ، ثم نتطور ونتوب ونتعلم من أخطائنا، وفكرة أن الإنترنت لا ينسى معناها أن الإنترنت لا يسمح لنا بالتوبة –كما يقول أحد الفلاسفة الغربيين.
أضف لهذا كله عشق الجمهور لما هو سلبي وفضائحي، وعدم مبالاتهم كثيرا بالإيجابي، مما يعني التداول السريع لكل ما هو سلبي على الإنترنت، ومما يعني كما يقول إعلامي أمريكي “أول ما يتعلمه الناس عنك على الإنترنت في غالب الأحيان هو أسوأ الأشياء التي فعلتها في حياتك”.
وبينما كان هذا في السابق محصورا على الشخصيات العامة، فإن أي فيديو ضاحك أو صورة فضائحية قد تنتشر خلال ساعات في كل مكان دون أن يراعي أحد تأثيرها السلبي على حياة أولئك الذين يظهرون فيها.
لهذا السبب هناك مواقع كثيرة تعنى بـ”الفضائح”، وهي من أكثر الكلمات العربية التي يبحث عنها الجمهور بناء على أحد الاحصائيات السابقة، بل إن هناك حاليا مواقع غربية تبحث عن زلات الناس وأخطائهم على موقع “فيسبوك” مثل موقع lamebook، ولا أستبعد ظهور مواقع مشابهة باللغة العربية قريبا، مما يعني باختصار أن “الفضائح” تحولت إلى قطاع اقتصادي قائم بذاته، وخاصة أن موقع “فيسبوك” قد أعلن الأسبوع الماضي أن عدد أعضائه قد وصل إلى نصف مليار شخص، أي 22% من مستخدمي الإنترنت تقريبا.
لهذا هناك تساؤلات حول العالم عن كيفية وضع قوانين وأنظمة وإجراءات إلكترونية تحمي الناس، هناك على سبيل المثال، ظاهرة ضخمة بأن 75% _ حسب إحصائية قامت بها Microsoft في أمريكا _ من الشركات التي تقوم بالبحث على الإنترنت وعن الشخص قبل توظيفه، وكثيرا ما يتم الامتناع عن توظيف شخص ما بسبب البروفايل الخاص به، وحياته الشخصية أو ما يكتبه الآخرون عنه، أو حتى بسبب ممارسات شخص لديه نفس الاسم.
لحل هذه المشكلة التي يشتكي منها الكثيرون في أمريكا هناك دراسة قانونية تقترح منع الشركات من فصل إنسان من عمله بسبب شيء نشر عنه على الإنترنت مما يمثل نشاطا قانونيا قام به خارج ساعات العمل.
هناك أيضا مقاومة _ وإن كانت محدودة _ لفكرة تخزين المعلومات المنشورة على مواقع الشبكات الاجتماعية في أرشيف عام، وذلك بعد أن قامت مكتبة الكونجرس باتفاقية مع موقع “تويتر” تقوم بموجبه بأرشفة كل ما ينشر على “تويتر” منذ عام 2006 في سجلات المكتبة.
هناك انزعاج جماهيري عام من إجراءات الحماية المحدودة التي يمنحها موقع “فيسبوك” والتي تجعل نسبة جيدة من معلومات الناس متاحة للجمهور، مما أعطى “فيسبوك” درجة منخفضة جدا في استفتاء حماية المستهلك في أمريكا وضعته ضمن أسوأ 5% من الشركات في أمريكا، لهذا السبب هناك حملات من كل الأنواع لعلاج هذه المسألة حول العالم.
في الأرجنتين كان هناك حملة باسم “إعادة اختراع النسيان على الإنترنت”، والتي كانت تتركز على ابتكار طرق قانونية وتقنية تسمح للإنسان أن يمسح معلومة ما عن نفسه على الإنترنت، وخاصة المعلومات التي نشرها بنفسه، بينما مول الاتحاد الأوروبي حملة ضخمة بعنوان “فكر قبل أن تنشر” Think B4 you post!، والتي ركزت بشكل خاص على المراهقين وعدم نشر الصور على الإنترنت قبل التفكير في ذلك وقبل استئذان الآخرين الموجودين في الصور.
في أمريكا هناك مشروع ضخم أيضا باسم “النسيان الإلكتروني” Digital Forgetting والذي يحاول أن يفعل تماما ما يفعله المشروع الأرجنتيني.
شخصيا لم أجد في العالم العربي أي حملات أو جهود من هذا النوع، رغم أن المسألة حساسة لدينا أكثر بسبب المحافظة الاجتماعية وبسبب التزامنا بالقيم والتعاليم الإسلامية.
العرب هم من أكثر الأمم على وجه الأرض مبالاة بـ”حفظ ماء الوجه”، وبالتالي فإن النشر غير المحدود للمعلومات والصور على الإنترنت له عواقبه الاجتماعية والمهنية على حياتنا، بدون أن يكون واضحا للكثير من الناس الذين يقومون بهذا النشر الاحتمالات الممكنة لاستخدام هذه المعلومات، وكيف يمكن أن يتضرر آخرون من هذا النشر، وكيف يمكن أن تصبح “التوبة” و”النسيان” صعبا لضحايا هذا النشر.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية