هناك سؤال “شرق أوسطي” كبير عند سماع الأنباء القادمة عبر المحيطات حول موقف الرئيس القادم لأمريكا من المشروع الأمريكي في العراق: هل سينسحب الأمريكيون؟ هل سيكون انسحابا تدريجيا؟ هل سيبقون لأكثر من 50 سنة إذا تطلب الأمر كما قال المرشح الجمهوري جون ماكين؟ أم أن هناك أفكار جديدة تماما لدى باراك حسين أوباما أو هيلاري كلينتون؟
السؤال العراقي هو السؤال الأكثر حساسية في الانتخابات الأمريكية، وهو أيضا السؤال الأكثر تعقيدا، وهذا ما دفع المرشحين الثلاثة، ماكين وأوباما وكلينتون، لتجنبه أو تسطيحه والتركيز على قضايا جانبية مثل حديث ماكين عن أن أوباما لم يكن في الجيش يوما ولا يفهم القضايا العسكرية، أو حديث أوباما عن “الفشل الأمريكي في العراق” دون توضيح حقيقي ومفصل لأي نوع من الفشل يقصد، والفشل في ماذا بالضبط.
لكن الحملات الانتخابية لا تتضمن حتى الآن أي وعود حقيقية وجوهرية بشأن العراق، وهذا يعود لعدة أسباب تساهم في رسم تلك الضبابة الغامضة والمثيرة للقلق حول العراق في عام 2009.
- الأول: أن قضية العراق معقدة جدا، والقرار بشأنها لا يمكن أخذه على يد فريق انتخابي أو حتى من خلال مركز أبحاث متخصص، بل تشمل أبعادا سياسية _ داخلية وخارجية _ وعسكرية وجيوسياسية واقتصادية واستخباراتية يجعل تعديل السياسة الأمريكية في العراق أمرا يتطلب الكثير من الجهد من عدد من المؤسسات العملاقة والمؤثرة في القرار الأمريكي مثل البنتاجون والخارجية والـCIA.
في الغالب، لا يعرف أي من المرشحين الثلاثة الأسرار الاستراتيجية خلف الوضع القائم والاعتبارات التي بنيت الأمور على أساسها والوعود التي التزمت بها أمريكا للعالم الخارجي، ولذلك فإن أي قرارات أو وعود بشأن العراق تبدو أمرا سابقا لأوانه.
هناك بالمقابل إجماع لدى المرشحين الثلاثة بأن أمريكا فشلت في العراق خلال عهد بوش، وأن تغييرا يحتاج لأن يحصل، والكل يتحدث عن التغيير ولكن لا أحد يذكر ما هية التغيير وماذا سيطال بالضبط، هل سيركز على الأمن العراقي، أمن الجيش الأمريكي في العراق، البنية التحتية العراقية المنهارة، وضع المنطقة الذي يتغير بسرعة تحت تأثير العامل الإيراني، التجربة الديمقراطية في الشرق الأوسط، أم شيء جديد تماما.
- الثاني: الإعلام الأمريكي بشكل غير مباشر تآمر مع المرشحين الثلاثة في موقفهم هذا، وذلك من خلال تركيز واضح في الإعلام الأمريكي على مجريات الانتخابات الأمريكية وإهمال إخباري كامل للعراق، وتسطيح قضية العراق لتصبح مقتل عدد من الجنود الأمريكيين كل أسبوع في الجبهة.
بالمقابل، تشجع وزارة الدفاع الأمريكية الصحفيين على عدم التركيز على مقتل الجنود على أساس أن هذا سيدفع “الإرهابيين” لقتل المزيد منهم وكسب الانتباه الإعلامي، وهو أمر يبدو أنه يلقى قبولا لدى الإعلاميين الأمريكيين.
- الثالث: تعلم مهندسو الحملات الانتخابية الأمريكية عبر الزمن أن تناول القضايا بشكل مفصل أمر سيء لأن “الكلام الكثير” يعطي الفرصة للإعلاميين والمعسكر الانتخابي الآخر الإساءة للمرشح الانتخابي، ولأن “الكلام العميق” يعطي للنخبة في واشنطن وفي الجامعات الفرصة لنقد المرشح وموقفه، ولأن “الكلام الصعب” لن يلتقطه الشارع الأمريكي الذي لا يقل سطحية وبحثا عن الشعارات والعبارات الفضفاضة عن أي شارع آخر حول العالم.
أمريكا محتاجة لعلاج موقفها في العراق، لأن أي رئيس قادم يحتاج لقصة نجاح سياسي في بداية عهده ولا أجمل من العراق لتحقيق ذلك، ولا شك أن هناك حيرة كبيرة في المعسكرات الانتخابية حول الموقف.
بالمقابل، هناك فرصة نادرة من نوعها للنخب السياسية العربية لوضع حل متكامل للقضية العراقية، حل يضمن مصالح المنطقة من جهة، ويتلقى دعم الدول العربية من جهة أخرى، وفي نفس الوقت يضمن لأمريكا حفظ ماء وجهها ولا يدور حوله الكثير من الكلام العلني حتى يستطيع الرئيس القادم إعلانه وكأنه انتصار سياسي له، وليس مجرد “استسلام” لرغبات دول المنطقة.
هل يعرف العراقيون ما يريدون؟ هل يعرف العرب كيف ينبغي أن تدور دائرة الأمور لصالحهم؟ إذا كان الجواب بنعم، فإن أمامهم فرصة تاريخية لتحقيق ذلك.
العراق ستبقى خاصرة السياسة الدولية الموجعة خلال العام القادم!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية