جاءت استقالة مازن أصبحي، مستشار باراك أوباما لشؤون العرب والمسلمين الأمريكيين، الأسبوع الماضي، لتذكر من جديد بإشكالية تركيبة المؤسسات العربية والإسلامية في أمريكا.
استقال مازن أصبحي، بعد عشرة أيام فقط من تعيينه كمستشار في فريق أوباما للتواصل مع العرب والمسلمين، وجاء هذا التعيين بعد الحرج الذي لاقاه أوباما من الجالية المسلمة والعربية عندما منع المتطوعون العاملون في حملته الانتخابية فتاتان محجبتان مؤيدتان له بالجلوس خلفه وهو يلقي أحد خطاباته الانتخابية.
استقالة مازن أصبحي سببها عمله لفترة قصيرة كعضو في نفس المجلس الذي خدم فيه إمام لمسجد في ولاية ألينوي اسمه جمال سعيد، والذي اتهم لاحقا بدعم جمع تبرعات لحماس في أمريكا وإن كان لم يحكم عليه قضائيا بشيء، وهذا المجلس مرتبط بالاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية “إسنا” والذي يعتبر من أكبر من الجمعيات الإسلامية في أمريكا.
وبالرغم من أن الجالية المسلمة والعربية في أمريكا يزداد تنظيمها والاهتمام بها كعامل مؤثر في السياسة الأمريكية الداخلية –بدليل تعيين المستشار في حملة أوباما _ إلا أنها ما زالت تفتقد للمؤسسات السياسية القوية التي تقودها استراتيجيا وتكتيكيا.
هناك بالتأكيد عدد كبير من المؤسسات الإسلامية والعربية في أمريكا، وهذه المؤسسات تتفاوت في تميز جهودها وشعبيتها الحقيقية في أوساط الجالية ومدى إخلاص القائمين عليها، ولكن هناك عدة نقاط ضعف تسيطر على معظم هذه المؤسسات وتقلل من أثرها كما تمنعها من تكوين “لوبي” سياسي قوي في واشنطن، ومن أهم هذه النقاط:
- هذه المؤسسات تعاني من مشكلات التمويل، فهي بدلا من اللجوء للأسلوب القانوني والمعتاد في أمريكا من حيث اللجوء للأمريكيين المسلمين والعرب وجمع التبرعات والمساهمات منهم، لجأ كثير منها لمخاطبة الحكومات العربية والإسلامية وعلى رأسها دول الخليج والتي هبت لمساعدة هذه المؤسسات بمبالغ ضخمة، لكنها في النهاية دفعت هذه المؤسسات للاعتماد على “الخارج” بدلا من “الداخل” مما أدى في النهاية لعدم اهتمامها بامتدادها وسط الجالية المسلمة والعربية كما أدى لوضعها في مخالفة قانونية رسمية في حال أرادت دخول العمل السياسي بسبب اعتمادها على أموال “أجنبية”.
- الجالية المسلمة والعربية في أمريكا منقسمة على خطوط الأصول العرقية والدينية والطبقية، وهذا أثر على المؤسسات الإسلامية والعربية التي تجد لها وجودا قويا في أوساط الأمريكيين العرب أو المسلمين الذين ينتمون لدولة معينة أو مذهب معين دون أن يكون لها وجود واسع يسمح لها بأن تكون متحدثة باسم الجالية المسلمة والعربية في أمريكا.
- معظم المؤسسات غير متخصصة، فهي تمزج العمل السياسي مع العمل الخيري خارج أمريكا ومع الأنشطة الاجتماعية في أوساط الجالية مع جهود حماية الحقوق المدنية.
هذا أدى لخلل هائل في تركيبة المؤسسات الإسلامية والعربية لأن جمعيات حماية الحقوق المدنية لا تدخل العمل السياسي بسبب طبيعتها المعارضة، والجمعيات السياسية لا تعمل في العمل الخيري ولا تمارس الأنشطة الاجتماعية حتى لا يفهم أنها جمعيات أيديولوجية، لأن لهذا كله تأثيره السلبي في صورتها الذهنية، ولكن مزج السياسة مع العاطفة وأحيانا ضمن الإطار الديني جعل هذه المؤسسات “متورطة” في دعم أنشطة يخاف منها الأمريكيون في عالم ما بعد 11 سبتمبر.
بالإضافة إلى كل هذا، كثير من المؤسسات والجمعيات مرتبطة أيضا أيديولوجيا وهذا الارتباط الأيديولوجي يجعلها مرفوضة لدى بعض فئات الجالية المسلمة، وفي موضع تخوف لدى الكيان السياسي الأمريكي، وعلى سبيل المثال، فإن أول من كشف تفاصيل الأعمال السابقة لمازن أصبحي هي نشرة أمريكية متخصصة في ملاحقة أنشطة جماعة “الإخوان المسلمين” في أمريكا، وذلك لأن الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية متهم بارتباطه بجماعة الإخوان هناك.
الأمر نفسه ينطبق على معظم الجمعيات الإسلامية والعربية والتي تتهم بتبعيتها للإخوان أو الحركة الصوفية أو التبليغ أو غيرها من التيارات الإسلامية، أو متهمة بارتباطها بأحد التكوينات الفلسطينية أو الأيديولوجية العربية.
المسلمون والعرب في أمريكا هم جالية في غاية الأهمية لأنهم يمثلون الجبهة الأمامية في وجه اللوبي الصهيوني الذي يؤثر بحدة على قرارات أقوى دولة في العالم، وضعف هذه الجالية وضعف مؤسساتها يعني أن تكون مهمة اللوبي الصهيوني سهلة وميسرة.
لقد آمنت الدول العربية وخاصة دول الخليج بهذه النتيجة وانطلقت في دعم هذه الجمعيات والاهتمام بصناعتها، ولكن الأيام تؤكد أن الحل الحقيقي هي أن يتم تحفيز هذه المؤسسات لبناء نفسها بشكل مهني ومتخصص وقادر على بناء الجذور الشعبية في أوساط الجالية العربية والإسلامية حتى تصبح مؤهلة بشكل مستقل للقيام بهذا الدور الحيوي في الكيان السياسي الأمريكي.
حتى ذلك الحين سيعلن كل مرشح أمريكي القدس عاصمة أبدية لإسرائيل!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية