هناك اهتمام عالمي مكثف بمستقبل الإنترنت وتطوراته لأن الكثير من القفزات التكنولوجية القادمة تعتمد في جوهرها على شبكة الإنترنت وإمكانياتها الاتصالية، بالإضافة لكون الإنترنت صارت جزءا من حياة الناس، وأي تطوير لشبكة الإنترنت سيترك آثاره عليهم مباشرة.
بدأ العهد الأول من الإنترنت Web 1.0، معتمدا على ثلاث معطيات أساسية:
موقع الإنترنت الذي يحتوي على نصوص وملتيميديا وتطبيقات برمجية، والبريد الإلكتروني والمجموعات البريدية، واستمر هذا العهد لحوالي 14 سنة، من عام 1992 إلى عام 2004، تطور الإنترنت خلالها بشكل لم تشهده الإنسانية من قبل، ثم جاء عهد الإنترنت الثاني Web 2.0، حيث بدأت عملية تحول مذهلة انتقلت بالإنترنت من مجرد استقبال وتفاعل حول المعلومات والمحتوى إلى مجتمع متكامل يعيش فيه الناس حياة ثانية منفصلة وموازية لحياتهم الأخرى على الأرض.
بدأ هذا التحول بأشكال التفاعل الأساسية عبر المنتديات والمدونات إلى أن أخذ شكله الأكثر تطورا حتى يومنا هذا من خلال “المجتمعات الافتراضية” مثل موقع secondlife.com والذي يعيش الإنسان من خلاله في بيئة ثلاثية الأبعاد تمثل عالما كاملا يكون فيه الأصدقاء ويمارس فيه أنشطة متعددة بما فيها العمل التجاري.
أيضا ساهمت مواقع الشبكات الاجتماعية مثل Facebook وموقع MySpace في تكوين ملامح العهد الثاني للإنترنت والتي سأعود إليها في مقال قادم إن شاء الله.
السؤال الآن الذي يدور في أذهان خبراء الإنترنت هو عن عهد الإنترنت الثالث Web 3.0: إلى أين تتجه شبكة الإنترنت؟ ما الذي سيحصل مستقبلا وكيف يمكن أن نخطط له؟
يعتقد الخبراء أن صفحات الإنترنت ستتحول تدريجيا من خلال عدد من التطبيقات البرمجية إلى صفحات يمكن لقواعد المعلومات والتطبيقات البرمجية التعامل معها وفهم محتواها ومعلوماتها، والقيام بمهام على أساسها.
الإنترنت صمم في الأصل بحيث يقرأه الإنسان، وعندما تصبح التكنولوجيا قادرة على التعامل مع المحتوى وفهمه وبناء استنتاجات على أساس استعراض الملايين من صفحات الإنترنت فنحن حينها سيكون لدينا “ذكاء اصطناعي” حقيقي قادر على فعل ما لا يمكن للإنسان فعله.
تخيل لو طلبت من برنامج البحث أن يحدد لك اهتمامات الشباب السعودي الدرامية، وقام البرنامج بتحليل كل ما كتب على الإنترنت حول الشباب والسعودية والدراما ليقدم لك مجموعة هائلة من الأرقام والاستنتاجات التي يمكن على أساسها اتخاذ القرارات وفهم العوامل المؤثرة في الظاهرة كميا وكيفيا.
هذا التطوير والذي أعرف أنه لن يكون من السهل استيعابه لأول وهلة توجد حوله آلاف الأبحاث، وهناك شركات مثل IBM و Google التي تستثمر فيه ملايين الدولارات.
هناك تطويرات أخرى يبدو من السهل توقعها مثل زيادة سرعة الإنترنت بحيث تسمح باستعراض الفيديو والبث الحي للقنوات بشكل مماثل لسرعته على جهاز التلفاز، مما يعني في النهاية إلغاء الحدود الفاصلة بين الشبكة والتلفزيون، كما أن ازدياد سرعة الإنترنت سيسمح بالجرافيكس ثلاثية الأبعاد أن تسيطر على الشاشة، وهذه له أبعاده الجمالية، ويساهم في سرعة نمو المجتمعات الافتراضية، وفي نفس الوقت يحمل عددا من التطبيقات البرمجية الجديدة التي يمكن تنفيذها.
أحد الخبراء يقول بأن العهد الأول من الإنترنت كان للقراءة فقط، ثم جاء العهد الثاني لما صار المستخدمون يقرؤون ويكتبون، ولذا فإن الجيل الثالث من الإنترنت يقوم على أن يكون للمستخدمين القدرة على التحكم الكامل بصفحة الإنترنت التي يتلقونها وإضافة ما يريدونه وتغييرها وأرشفتها، بحيث يبني كل شخص شبكته الخاصة به.
هناك الكثير من التوقعات الأخرى عن مستقبل الإنترنت، وبعضها يلعب فيه الخيال العلمي دورا أساسيا حيث يأخذ الباحث مبدأ تقنيا نظريا ثم يتخيل كيف سيتغير العالم لو تم تطبيقه فعلا وحل بعض المشكلات التقنية المرتبطة به.
أملي فقط أن تستمر التكنولوجيا في وظيفتها الأساسية في جعل الحياة أسهل وأجمل وألا تكون مصدرا في المستقبل لتعقيد حياتنا باسم “زيادة الإنتاجية” أو “زيادة الذكاء الإنساني” !!
* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية