من أهم العوامل التي تؤثر على الثقة بالنفس سلبيا تلك الأفكار والوساوس التي تهاجم الإنسان من كل ناحية وتجعله ينظر بريبة وشك وظلال سوداء لما حوله، وتساهم بقوة في اهتزاز إيمانه بنفسه وقدرته على النجاح في الحياة وكسب قلوب الآخرين.
ولذلك ذكرت أن من أهم عوامل التهيئة التي تساهم في الثقة بالنفس هي القدرة على إيجاد التفكير الإيجابي العقلاني حيث يصبح الشخص قادرا على السيطرة على عقله وخطابه النفسي الداخلي بحيث يوحي له دائما بالأفكار الإيجابية.
يعجبني المثل الشهير “لا تنظر للنصف الفارغ من الكأس وانظر إلى نصفه الممتلئ”، لأن هذا يعني أن الشيء نفسه _ أو الظروف نفسها _ قد ننظر له بطريقة ما فنراه بشكل يعيبه، وقد ننظر له بطريقة أخرى فنراه بشكل إيجابي، وهذا الأمر ينطبق بلا شك على مختلف ظروف الحياة من حولنا.
لهذا فإن واحدا من أفضل المهارات التي يمكن للشخص أن يكتسبها هي أن ينمي قدرته على الرؤية الإيجابية للأمور لأن هذا من شأنه أن يعطي الإنسان طاقة حيوية هائلة تمكنه من الانطلاق بسعادة في مسالك الحياة، وتقلل كثيرا من الضغط النفسي الذي نواجهه حول الأشياء.
أحد المؤشرات القوية التي تكشف لك أن تنظر للأمور بسلبية غير منطقية هي أن تجد نفسك في حالة انزعاج من أمر ما، ثم تتحدث عنه لصديق عاقل فتجد أن انزعاجك قد تبدد وأنك كنت تنظر لأمر ما بسوداوية لم يتفق الآخرون معك حولها وأن الأمر قد تغير بمجرد أن عبرت عن مشاعرك لتكتشف أنك كنت قاسيا على نفسك.
العلامة الأخرى التي تؤكد حاجتك لقوة التفكير الإيجابية هي شعورك بالضغط النفسي عندما تتخذ قراراتك أو تخطط للمستقبل أو تحلل الواقع من حولك.
إن الرؤية السوداوية للأمور تهدم الثقة بالنفس لأنها تجعلنا نشعر بالخوف من المستقبل والفشل ونشك في قدراتنا ونشعر بالضعف أمام ظروف الحياة ورياح القدر.
يبدأ اكتساب مهارات التفكير الإيجابي من خلال أداة هامة وهي “الوعي بالأفكار” والتي تتمثل بالمراقبة الدقيقة لسير وتطور الأفكار في الذهن عندما تفكر في ما تريد تحقيقه ويسبب لك الضغط النفسي.
لا تحاول مقاومة الأفكار، دعها تتطاير في أنحاء النفس كما تريد، ودع الأفكار تطرد من فكرة إلى أخرى، وحاول أن تكتب سلسلة الأفكار هذه على ورقة بيضاء أمامك.
عندما تحلل ما كتبت ستجد الأفكار السلبية التي ارتادتك، فستجد مثلا خوفا لديك من قدرتك على القيام بعمل ما بشكل متقن أو الخوف من عواقب الفشل أو ضعف الأداء، وخوفا من رد فعل الناس لما تريد فعله، وخاصة أولئك الناس الذين يهمك كثيرا رأيهم.
الخطوة التالية بعد “الوعي بالأفكار” هي “التفكير العقلاني” حيث عليك أن تنظر بشكل عقلاني وتتحدى هذه الأفكار السلبية وتحاول تقييمها بميزان العقل والتجربة، فمثلا عند التكفير في إمكانية الفشل تذكر ماذا أعددت لمشروعك من تدريب واستعداد وتخطيط وتجارب وغيرها، واشعر بقناعة أنك فعلت كل التدريب اللازم الذي يملكه غيرك الذين يمرون بنفس المشاريع أو المهام فلذا فلا داعي للقلق.
إذا كنت ترى بعض الأخطاء لديك وأنت تقوم بالتجارب فعليك ألا تخاف، لأن هذا هو الهدف من التجارب وهو اكتشاف نقاط الضعف وتطوير الذات على أساسها.
إذا كنت خائفا من أشياء لا يمكنك التحكم بها، فعليك أن تحلل مدى نسبة حصول هذه الأشياء فعلا وأنك فعلت ما يلزم لمواجهتها، وإذا كنت خائفا من رد فعل الآخرين، فعليك أن تشعر بأنك فعلت ما يلزم للنجاح وتحقيق رضاهم، وإذا خفت من رد الفعل غير العادل فعليك أن تقنع نفسك بأهمية أن تتجاهلهم وتحلل بوضوح ماذا يمكنهم أن يفعلوا فعلا للتأثير عليك سلبيا.
النتيجة النهائية هي نمو مجموعة من الأفكار الإيجابية لديك التي تخبر بها نفسك كلما وجدت أن أيا من الأفكار السلبية تهاجم ثقتك بنفسك، فتخبر نفسك بأنك “استعددت جيدا وقادر على النجاح” أو “كل المخاطر محدودة التأثير ولن تمنعني من المحاولة” أو “لن أجعل نسبة محدودة من إمكانية الفشل أن تمنعني من المضي قدما في طريقي”.
هذه الأفكار الإيجابية كفيلة بأن تمضي واثقا من نفسك في ما أنت مقدم عليه، ولعل وعسى أن ينمو هذا الحس الإيجابي لديك حتى تجد نفسك الرجل الذي يرى النصف الممتلئ دائما دون الحاجة لكل هذه الخطوات.
دائما تحدى الرجل الضعيف في داخلك !
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية