في كثير من الجلسات الشخصية مع الإعلاميين والمثقفين والسياسيين العراقيين على اختلاف أطيافهم، تجد شعورا بالمرارة يتسرب في أحاديثهم نحو العالم الإسلامي والعربي.
البعض يتحدث عن خذلان العالم العربي للشعب العراقي الذي يعيش في أزمة حادة دون أي تدخل عربي يذكر، وآخرون يتحدثون عن دور إيراني ضخم في العراق لا يقابله دور عربي يذكر، وفريق ثالث يتحدث عن تحامل عربي وإسلامي ضد العراقيين ضمن تأييد العرب لصدام و”مقاومة المحتل”، وفريق رابع يتحدث عن موقف بعض الدول العربية التي ترفض استضافة لجوء واسع للعراقيين الهاربين من أتون الجحيم هناك، بل في الحقيقة أنك من النادر أن تجد عراقيا يتحدث بشكل إيجابي عن العرب وخاصة دول الجوار.
هذا الموقف في رأيي موقف خطير جدا لأن آثاره على المدى الطويل ستكون سلبية وحزينة وحادة.
ما يتحدث عنه العراقيون عن ضعف الدور العربي صحيح بلا شك، ولكن هذا لا يعود لأن للعرب موقف خاص من العراقيين، بل لأن الآلة السياسية العربية هي آلة ضخمة لم يتم صيانتها من فترة بعيدة وبالكاد تتحرك على أي صعيد، ناهيك عن أزمة معقدة جدا مثل الأزمة العراقية.
العرب عاجزون عن حل مشاكلهم الداخلية البسيطة فضلا عن أن يتدخلوا في واحد من أعقد أزمات هذا العقد من الزمن، وهي الأزمة التي أطاحت بالأغلبية الجمهورية في الكونجرس ويسقط بسببها مئات الضحايا قتلى وجرحى ويتامي ومشردين كل يوم.
لكن هذا كله لا يعني أن نقف متفرجين دون أن نفعل شيئا وكأن الأزمة هذه لا تحصل بالقرب منا، قريبا جدا منا بحيث أن شرارتها قد تسقط علينا في أي وقت، ففضلا عن البعد الإنساني للوقوف مع العراقيين، وفضلا عن التاريخ الحضاري الطويل للعراق والذي يجعل العراقيين حجر أساس في التركيبة العربية، فإن العراق تقع على النقطة الفاصلة بين العالم العربي والشرق وتركيا، وتقع على حدود عدد من الدول العربية الهامة، وهذا يعطيها موقعا استراتيجيا حساسا جدا.
العراقيون أيضا يمثلون التركيبة الدينية للمسلمين بكل أطيافها، والنزاع هناك قد يعني انتقال النزاع للدول الأخرى التي يوجد فيها التركيبة نفسها.
إن الحرب التي في بغداد قد يتطاير رصاصها في أي وقت بسبب أبعادها الدينية والأيديولوجية الحساسة وغير العادية.
لقد قصر العرب في أوقات سابقة في الانتباه لهذه الظاهرة وهي أثر المشكلات السياسية على العلاقات الإنسانية بين الشعوب العربية الأمر الذي كان له دوره السيء جدا في خلق علاقات سيئة بين الشعوب العربية.
التقصير في الحالة العراقية قد يكون ثمنه أكبر بكثير ويحتاج لوقفة جادة.
قبل أن نبحث عن حلول، نحتاج لفهم المشكلة. رغم خطورة الموقف هناك فلابد من بذل جهود مكثفة على الأرض بالتوافق مع العراقيين لفهم مواقفهم المتعددة وفهم أسباب شعورهم المر نحو العرب وتحديد استراتيجية للتعامل مع هذا الموقف.
في حال تغذر ذلك فإن الحل البديل أن نستضيف الشخصيات العراقية على اختلاف أطيافها في مؤتمرات متتالية ليتحدثوا لنا ويعبروا عن مشاعرهم بكل صراحة ونبحث معهم عن حلول، مع الحرص على ألا تتحول هذه المؤتمرات لمناسبة للمديح وفرصة لكسب المال وتحقيق المصالح الشخصية بشكل أو بآخر كما هو شأن الكثير من المؤتمرات الأخرى.
يجب أن يعرف العراقيون أننا لسنا ضدهم وأننا نتألم كل يوم لما يحصل لهم ولو كنا نعرف ماذا ينبغي أن نفعل لربما فعلنا.
يجب أن يخبرنا العراقيون أيضا بحقائق الوضع الحاصل حتى نفهم ما يحصل وهذا يتطلب جهدا خاصا منا على الصعيد الثقافي والديبلوماسي والسياسي.
لقد عاش العراقيون في عزلة طويلة جعلتنا نجهل الكثير عنهم كشعب وصار من الصعب علينا التفاعل بشكل إيجابي مع مواقفهم، وهذا امر يجب أن يتغير عاجلا غير آجل.
هل يكرهنا العراقيون؟
ربما هم ما زالوا يعتبون علينا عتاب الرجل على أولاد عمه الذين تخلوا عنه، ولكن الموقف قد يتحول قريبا إذا لم نفعل شيئا فيكرهنا بعضهم وتستغل هذه الكراهية ضد الجميع فتتحول لوقود للمزيد من الصراعات والأحزان في عالمنا العربي المنكوب.
نحتاج أن نرسل المطر لبغداد الرشيد!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية