مشكلة اسمها.. «الذكاء الاجتماعي»!

من قسم إدارة وأعمال
السبت 16 ديسمبر 2006|

عنوان هذا المقال يستهدف بالدرجة الأولى استفزاز القارئ الذي تعلم طول حياته أن الذكاء الاجتماعي ميزة وليست مشكلة، والذي يرى كل يوم كيف يصعد أولئك الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على بناء العلاقات الاجتماعية مع علية القوم ويحصلون على الكثير من الميزات بسبب ذلك رغم أنهم أحيانا لا يملكون أي مهارات أخرى، بينما يهبط أولئك الأشخاص الذين قد يمتلكون كل المهارات إلا القدرة على بناء حديث جميل وجذاب ومرح مع الآخرين، ويكون دمهم الثقيل سببا في فشلهم ومحدودية تطور حياتهم العملية، بل والشخصية أيضا.

الذكاء الاجتماعي ميزة ولا شك، ولكن إذا كان صحيحا ما يقوله الناس من أن القدرة الناجحة على بناء العلاقات هو البوابة الوحيدة للنجاح في مجتمعنا فنحن أمام مشكلة حقيقية، وهذه المشكلة ترى آثارها في كثير من قصص الفشل الإدارية أو المهنية.

المشكلة هنا عندما يتم منح منصب معين أو مسؤولية معينة لشخص لا يمكنه فعلا القيام بها، ولكنه فاز بهذه الثقة فقط بسبب قدراته الاجتماعية المميزة، وهذا يعني أن تجد مدراء شركات ورؤساء لجان ومسؤولين حكوميين قادرين على بناء علاقات اجتماعية قوية ولكن قدرتهم الحقيقية على التفكير والتخطيط والعمل الجاد والدؤوب محدودة جدا، الأمر الذي يمثل في كثير من الأحيان الخطوة الأولى نحو الفشل.

بل إنك لو راقبت الأمر لوجدت أن كثافة العلاقات الاجتماعية تتناقض في كثير من الأحيان مع النجاح في العمل، وباستثناء بعض المناصب والمهن، فإن النجاح في العمل يتطلب الاستفادة من كل دقيقة وقت في إنجاز العمل، وهذا يتعارض من متطلبات العلاقات الاجتماعية عادة والتي تعني قضاء وقت طويل على الهاتف أو في المناسبات الاجتماعية والسهر حتى وقت متأخر من الليل.. الخ.

حل هذه المشكلة متمثل ببساطة في أن لا يتم اختيار الناس للمسؤوليات على أساس قدراتهم في إقناع الآخرين بتميزهم وعدم الاعتماد فقط على المقابلة الشخصية، بل أن تكون هناك قائمة من المهارات والمتطلبات التي تحدد الشخص المناسب للوظيفة.

علم الإدارة الحديث، والذي كانت أحد أهداف إيجاده علاج مثل هذه المشكلات، يحاول وضع منطق لكل قرار إداري يتخذ، وقرار تعيين شخص ما يفترض أن يكون مربوطا بأهداف محددة ينبغي على هذا الشخص إنجازها، وهذا مرتبط بمجموعة من المهارات والخبرات التي يجب أن يمتلكها الشخص، والتي ينبغي رسم مجموعة من الاختبارات والأساليب لمعرفة مدى توفرها لدى الشخص المرشح للوظيفة أو المسؤولية.

إذا التزم صانع القرار بهذه الأساليب العلمية في اختبار المرشحين، فهو سيختار بطبيعة الحال أفضل المتقدمين للوظيفة، وليس الشخص الذي يملك “الكاريزما” والذي نال إعجابه وميله القلبي وأقنعه بأنه يستطيع تحويل التراب إلى ذهب لو منح الفرصة اللازمة لذلك.

هل هذا الموضوع جوهري فعلا بحيث تخصص له مقالة كاملة؟

في اعتقادي الجواب نعم لسببين رئيسيين:

  • الأول: أنني أعتقد أن هذه القضية تمثل سببا رئيسيا لفشل كثير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص.

إننا جميعا ندرك قيمة الإدارة في نجاح أي مؤسسة، وكلنا رأى يوما مؤسسة تملك كل مقومات النجاح فشلت بسبب مدير لا يدير بالطريقة الصحيحة.

  • الثاني: أن هناك عدد لا يحصى من القدرات الشابة والنابغة في مختلف المجالات والتي لا يتاح لها الفرصة للعطاء والنمو بسبب ضعف قدراتها الاجتماعية وبسبب شخصياتها المباشرة أو غير الاعتيادية.

في الحقيقة لو راقبت ستجد أن معظم المتفوقين دراسيا لا يملكون مهارات اجتماعية عالية، لأن قضاء نسبة عالية من الوقت في التحصيل العلمي يتنافى مع قضاء نسبة عالية من الوقت مع الأصدقاء والأقرباء وتعلم المهارات الاجتماعية.

إنني أتمنى أن تكون هناك مؤسسة غير ربحية يشارك في أنشطتها مجموعة من الخبراء في مجال الموارد البشرية والتي تعمل مع مختلف المؤسسات على علاج مثل هذه المشكلة العويصة وتطوير أنظمة اختيار الموظفين وترقيتهم ومنحهم المسؤوليات، ووضع الأسس العلمية لذلك.

المشكلة التي ستواجهها هذه الجهود أيا كان مصدرها أن كثير من المدراء الحاليين في المؤسسات الخاصة أو الحكومية وصلوا إلى كراسيهم بسبب قدراتهم الاجتماعية وليس بسبب خبراتهم أو كفاءاتهم، مما يعني ببساطة أن هؤلاء سيكونوا أول من يحارب جهود التطوير الإداري لمؤسساتهم وأول من يحارب هذا التغيير.

هذه المشكلة ليست مشكلة جديدة بالمناسبة، فقد كان العرب دائما يكرهون “الثقلاء” ويعشقون “من تحلو منادمته”، وقصص الخلفاء في هذا كثيرة جدا عندما يقربون أشخاص لقدرتهم على كسب قلب الخليفة، ويبعدون أشخاصا لأن حديثهم يجلب النعاس إلى عيونه.

حتى حل هذه المشكلة، أنصح الجميع بإعطاء قدراتهم الاجتماعية أولوية خاصة، فهي كما يبدو خلطة النجاح بلا منازع.

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية