كيف تكتب «رواية بوليسية» كل يوم؟

من قسم إدارة وأعمال
الجمعة 01 سبتمبر 2006|

أحد المفكرين السعوديين البارزين قال لي مرة بعد الانتهاء من حوار صحفي معه بأنه يعشق قراءة الروايات البوليسية الأمريكية.

في ذلك الحين أثارت تلك العبارة الكثير من التساؤلات في نفسي، ما الذي يجعل أكاديمي ومفكر وإداري شهير في علاقة إعجاب مع الروايات البوليسية، وخاصة أننا نحن العرب لا نرى إلا الروايات البوليسية الخاصة بالمراهقين _ هذا قبل أن تسحب الروايات الرومانسية الأضواء من الروايات البوليسية _ ومن النادر أن نرى رجلا بالغا عاقلا يحمل رواية عن عصابة وشرطة وحبكة جريمة؟

لاحقا عرفت السبب، وذلك لأن الرواية البوليسية تمثل قمة القدرة على التخطيط والاهتمام بكل التفاصيل الصغيرة وحساب كل الاحتمالات الممكنة، ثم يأتي دور المحقق “العبقري” الذي ينتبه لهذه السيناريوهات ويستطيع قراءة عقل المجرم شديد التعقيد ويستطيع ملاحقة الجاني والقبض عليه مع إثبات الأدلة والشهود.

هذا بالطبع يفسر سبب انتشار الروايات البوليسية في الغرب ولعله من المعروف أن أحد أشهر الروائيين العالميين هي أجاثا كريستي، والتي كانت مختصة في الروايات البوليسية “وطبعا معظم هذه الروايات مترجمة بشكل ردئ ومبسط للغة العربية”.

المجتمع المتقدم بطبعيته يعشق التخطيط والتركيز على الأشياء الصغيرة التي تجتمع مع بعضها لتكون صورة كبيرة ذات “حبكة” خاصة.

هذا في الحقيقة ما يفسر معنى التخطيط بالضبط وهو تقسيم الأهداف المراد تحقيقها في خطوات صغيرة جدا _ بعض مفكري التخطيط يرون أن الخطوة يجب ألا تتجاوز ساعتين عمل _ يتم ربطها في “حبكة” مميزة بحيث تصبح في النهاية قصة نجاح متكاملة يصفق الجميع لتميزها وعبقريتها.

هذا السبب نفسه ربما يشرح أيضا سبب عدم حب العرب للروايات البوليسية حيث يعشق العرب “البديهة” و”الخاطرة السريعة” و”الحدس الذكي” ويفضلونه كثيرا على التخطيط والخوض في التفاصيل والاستعداد لكل صغيرة وكبيرة قبل البدء فيها.

في أساليبنا الإدارية عشق غير مكتوب لذلك الإداري الذي ينطلق بسرعة هائلة ويتخذ قرارته في نفس اللحظة ويتمتع بانفتاح بحيث يأخذ كل فكرة تمر على طريقه ويحولها لجزء من مشروعه ما دام الأمر قد لاقى إعجابه.

في الحقيقة نادرون جدا هم أولئك الإداريون العرب في القطاعين الخاص والعام الذين يأخذون بأساليب التخطيط، وإن فعلوا ذلك فهم يفعلونه فقط للتباهي أمام الآخرين وحتى يظهر بمظهر المهني أو “البروفيشنال”، ولكن الخطة لا ترى من التنفيذ إلا بقدر ما يتماهي مع “بديهة” الإداري وحسه.

طبعا لا أنكر هنا أننا نظريا نؤمن بالتخطيط، ونعتبره قيمة جميلة لا نعرف لها طريقا، كما أعرف أن هناك الكثير من الشباب والإداريين العرب الذين يعملون جديا على تنفيذ التخطيط وينفقون أموالهم في الدورات التدريبية التي تساعدهم على ذلك، ومثل هؤلاء من سيقود مسيرة تقدمنا الإداري، ومثلهم أيضا من يعرف متعة “الحبكة البوليسية”، ولكن هؤلاء تعوقهم معوقات عديدة منها ضعف المعلومات أو العمل مع مدراء لا يفهمون قيمة التخطيط أو أهمية احترام الخطط.

إذا أردت أن تتعلم التخطيط، حاول أن تتعلم برنامج “إدارة المشاريع” Project Management، وأن تطبقه فعليا وأن تخوض فيه.

هذا البرنامج مثال لبرامج التخطيط المبسطة الذي يجبرك على التخطيط ويطور قدراتك “البوليسية”.

الطريف أن مفهوم “إدارة المشاريع” انتجته أكبر مؤسسة آمنت بالتخطيط في منتصف القرن العشرين وهي وزارة الدفاع الأمريكية والتي استطاعت من خلال التخطيط حبك أكبر رواية بوليسية بدأت بـ”مشروع مانهاتن” الذي أنتج القنبلة النووية وانتهي بالسيطرة العسكرية العالمية.

ترى ما هي “روايتك البوليسية” القادمة؟

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية