الانتحار: حكاية نفق الوحدة المظلم!

من قسم منوعات
الخميس 24 يوليو 2008|

يمثل الانتحار في رأيي اختزالا لمعاناة إنسانية حادة وتجربة قاسية جدا في حياة أي إنسان يحاول أو يقدم على الانتحار.

الانتحار يثير فيّ رهبة تذكرني بضعف الإنسان وجبروت ظروف الدنيا وتجعلني أترحم على الضحية الذي لم يستطع الصمود أمام رياح الدنيا العاتية فسقط صريعا.

تخيل اللحظات الأخيرة التي يمر بها المنتحر لتدرك مدى الألم الذي عاشه وطاف به، يتذكر طفولته وشبابه وظروفه ومستقبله من خلال منظار يائس لا يرى إلا السواد، يبكي قلبه ويصرخ مستنجدا ليرى أن خير قرار هو أن يستعجل مصيره الأبدي وينطلق نحو الموت.

بطريقة ما، ينتحر الشخص ليعاقب نفسه، تماما كما تعاقب المحاكم الشخص بالإعدام، فإن المنتحر يعاقب نفسه التي خذلته طوال حياته ولم تمنحه ما يبحث عنه، وهو كذلك يرحم نفسه لأنه الوحيد الذي يدرك حجم المعاناة فيقرر أن يضع لها حدا وينهي حياته وينهي المعاناة معها.

المنتحر عادة يعيش في تيه كامل لا يعرف كيف ينظم أفكاره، تسيطر عليه كل أنواع الهواجس، يرى من الناس وجههم المتوحش ومن الدنيا بؤسها وطغيانها، فيشعر بعدها بالضيق يطبق على صدره حتى لا يرى حلا إلا بالهرب من الدنيا وما فيها.

ولو فكرت في الأمر قليلا لوجدت أن الإنسان المنتحر على حق، فالدنيا تعطينا الكثير من الآلام، وتحاصرنا بما لا نحب، وتجعل حياتنا حزنا دائما، إلا أننا نقاوم ونحارب ونضحك وننسى الأحباب الذين ماتوا، كما ننسى متاعبنا، ونقف ببلاهة وسخف عن عمد حتى نبتسم ابتسامة صادقة بريئة رغم كل ما رأيناه من الناس وظلمهم وحسدهم، ورغم إرهاق السعي نحو العيش، ورغم أن كرامتنا تهاجم كل يوم ونحن نصد الهجمات، وقد ننجح أو لا ننجح.

هناك أمر واحد يساعدنا على الاستمرار وهم الناس، الأحباب، والأصدقاء، والجيران، فالإنسان ضعيف متهالك الضعف، ولكنه عندما يجد من حوله من يقف معه ويمنحه العزيمة والصبر والكلمة الحلوة والقبلة الطرية، يبتسم وينسى وينطلق في مسيرة الحياة ومصاعبها.

بقدر ما يمنحنا بعض الناس الألم، فإن آخرون يهدوننا الفرح، ونحن كذلك نبادلهم ذلك الفرح، حتى تمضي الحياة بنا جميعا.

قال حكيم مرة بأن الأحمق هو من يفقد صديقا، وهذا قول عظيم، لأن الحصول على الأصدقاء أصعب من الحصول على الذهب الخالص، ولكن الأمر يستحق كل جهد للوصول إلى الصديق الذي يمنحك الضياء عندما تحيط بك ظلمات النفس.

الحياة تصبح نفقا مظلما عندما لا نجد حولنا من يضيء لنا الطريق ومن يحمل عن كاهلنا الأثقال وعندما نحرم ممن يستمع لشكوانا ويبكي لدموعنا ويضحك لفرحنا ويصرخ في وجهنا أحيانا إذا افتقدنا الصراخ.

الحياة قاسية ولا معنى للعيش فيها ولا يعقل تحملها إلا إذا وجد من نحبه ويحبنا، من يمنحنا ونمنحه، من يخبرنا كل يوم بأن حياتنا جميلة لأن فيها أشخاص جميلون.

لهذا السبب وحده ينتشر الانتحار في الدول الغربية، وليس لأي سبب آخر.

في عالمنا العربي وفي الدول الآسيوية واللاتينية، نعيش في حياة اجتماعية رائعة، تمنحنا الكثير من السعادة، رغم مساوئها أحيانا، بينما الغربيون بسبب طبيعتهم الفردية وكرامتهم الشخصية المفرطة يعيشون بلا أصدقاء من حولهم ويدخلون النفق المظلم، وكثير منهم ليس من القوة ليتحمل مصاعب الحياة.

من حظ الغربيين أن حياتهم ليست قاسية كحياتنا، ربما لأننا نتحمل أكثر منهم فنتساهل في العيش في التخلف والفقر والظلم ونضحك بعد كل شيء عندما تصلنا رسالة على الموبايل تحمل نكتة سخيفة.

الحياة نفق مظلم يضيئه لك الأحباب، وبدونهم يعيش الإنسان وحيدا وقد لا يجد ملجأ إلا .. الانتحار!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية