أين من عيني حبيب ساحر … فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكا … ظالم الحسن شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى … ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة في منطقه … لغة النور و تعبير السماء
رحم الله ابراهيم ناجي، فقد وضع من خلال رائعة “الأطلال” يده الساحرة على واحد من أهم أسباب جمال الإنسان وعمق نفاذ تأثيره في الحياة وهو “الثقة بالنفس”.
والجواب على السؤال الذي يطرحه المقال ليس سهلا أبدا، فالثقة بالنفس كانت دائما “العملة الصعبة” التي يبحث عنها الناس ويجتهدون للوصول إليها _ سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه _ وقد ينجحون أحيانا وقد لا ينجحون.
إن الثقة بالنفس هي التي صنعت العظماء والقادة وهي أيضا التي تصنع الإنسان الجميل، وتساهم في ترقية أخلاق الناس، فكثير من السلوكيات السلبية التي نشاهدها من حولنا في حياتنا اليومية تأتي بسبب عقد النقص ومشاكل الثقة بالنفس والحسد والغيرة التي تنشأ عن ذلك.
لو تأملت شخصية مثل نيلسون مانديلا الذي سجن لمدة 27 سنة، قضى جزءا كبيرا منها في سجن انفرادي، ولكنه أبى أن يسمح لذلك أن يكسر عزيمته وثقته بنفسه، وخرج من السجن ليكون جاهزا لإلقاء خطاب فور خروجه حرك من خلاله الجماهير، وخلال سنوات قليلة دار فيها العالم استطاع أن يقضي على الحكم العنصري في جنوب أفريقيا ويصبح رئيسا للدولة، وهو الأمر الذي ظنه الكثيرون مستحيلا آنذاك.
مانديلا لم يكن واثقا من نفسه فقط بشأن قدراته السياسية والخطابية بل حتى في لباسه كان كذلك، فهو قد اشتهر بقمصانه الملونة التي كانت تعرف بأنها تلبس على البحر في هاواي وما يشابهه، وجاء مانديلا الذي قادته ثقته بنفسه عبر الطريق فلبسها في أهم المناسبات لتصبح بعد ذلك لباسا شهيرا للزعماء الأفريقيين والشباب الذين عشقوا مانديلا ورسالته حول العالم.
عبر التاريخ هناك كثير من العظماء الذين قادوا العالم بإمكانات عقلية لا تختلف عن إمكانات الآخرين، ولكن امتلكوا هذه الروح التي تمتلئ عزيمة وإصرارا وإيمانا بما يفعلون وإيمانا بأنفسهم وقدرتهم على قيادة الجماهير، وكان من أهم أسرار نجاههم الثقة بالنفس.
حتى في حياتنا اليومية تجد مثلا المرأة أقل جمالا من صاحبتها، ولكن ثقتها بنفسها وابتسامتها العريضة ومشيتها المتوثبة تجعلها أكثر جاذبية وأكثر قدرة على التحكم في حياتها ومواجهة الصعوبات التي تواجهها المرأة كل يوم.
أيضا قد تجد الرجل أقل مالا وحظا من أصدقائه، ولكن ثقته بنفسه تدفعه للانطلاق عبر مسارات الحياة وتحقيق نجاحاته وكسب قلوب الناس من حوله والاستمتاع بحياته.
هناك مئات الكتب التي تم تأليفها في الغرب عن الثقة بالنفس، وذلك لإدراك المؤلفين والقراء أهمية الثقة بالنفس، وفي سلسلة المقالات القادمة التي سأنشرها كل أسبوع في هذه المجلة سأشرح بعض أهم الوصفات والأسباب التي تساعد على الثقة بالنفس لعلها تكون مرشدا لكل من يريد أن يمتلك المفتاح السحري للنجاح والسعادة في الحياة وغزو قلوب الآخرين بالحب لا غير.
الثقة بالنفس لها جوانبها السلبية، فهي قد تتحول إلى غرور يدمر صاحبه وينقلب الشيء إلى ضده، وهذا يحصل في كثير من الأحيان بسبب عقد النقص التي لا تزال تسيطر على صاحبها رغم ثقته بنفسه، وسأتحدث في المقالات القادمة أيضا كيف يمكن الحفاظ على التوازن بين الثقة بالنفس والتواضع وكذلك التوازن بين الواقعية والمثالية في هذا الأمر.
دخل نابليون بونابرت مرة أحد المجالس متأخرا وجلس في طرف المجلس، فاستحى الناس وطلبوا منه أن يجلس في صدر المجلس، فقال لهم قولته المشهورة: أينما جلس نابليون فهناك صدر المجلس.
هل هذا غرور أم ثقة العظماء بأنفسهم ؟ لو لم يكن نابليون عبقريا عسكريا يقود الأمم من خلفه في معاركه لكان هذا غرورا بلا شك، ولكن هذا الإحساس أيضا ساهم في صنع نابليون، أحد أشهر القادة العسكريين في التاريخ.
إن هذه التوازنات معقدة وتحتاج لنفس صافية تنظر بذكاء عبر المواقف وتقدر ما يمكن فعله، دون أن ينقلب الشيء إلى ضده، ويتحول الأمر إلى غرور وحمق.
لا أحد يحب أن يرى إنسانا شديد الخوف والخجل، كثير الاعتذارات والأخطاء، كثير التردد، عصبي وغاضب دائما، والكل يحب الابتسامة، والذين يقدمون ويؤمنون بما يفعلون ويمتلكون إحساسا بالقوة في مواجهتهم لظروف الحياة.
هناك أشخاص مثل ابراهيم ناجي يعشقون المرأة لأنها واثقة الخطوة تمشي ملكا.
آمن بنفسك يؤمن بك الآخرون!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية