بين الحين والآخر يتحرك الشارع العربي غاضبا بسبب إهانة المقدسات الإسلامية بشكل أو بآخر.
بدأ ذلك منذ زمن طويل، وكان سلمان رشدي علامة فارقة في هذه التحركات عندما أصدر كتابه المشؤوم “آيات شيطانية” ثم تتالت القصص مرورا بتسليمة نسرين وانتهاء بأزمة الرسوم الدانماركية المسيئة وفيلم “فتنة”.
الكثيرون كتبوا عن الموضوع، ولكنني ما زلت أشعر بأن هناك أسئلة محورية هامة جدا لم يتم الإجابة عليها بعد ونحتاج لنظرة متأملة ومتعددة الزوايا حتى نصل لفهم شعبي مشترك لأنني أزعم أن ردود الفعل هذه تترك بصماتها على التاريخ، وعلى علاقتنا مع الشعوب الأخرى، وعلى قدرتنا على حماية ثقافتنا في مجتمع العولمة الذي تتداخل فيه كل الموجات الثقافية بشكل لم يسبق ويحصل عبر التاريخ.
أتمنى من القراء المهتمين أن يرسلوا لي بأجوبتهم – إن كان لديهم أجوبة _ وسألخص مجموعها في مقال قادم إن شاء الله.
- ما هي الغاية التي نهدف إليها عادة كشارع عربي عندما نقوم بهذه التحركات الشعبية؟ هل الهدف هو إيصال رسالة إعلامية؟ ممارسة عقاب جماعي؟ القيام بالحد الأقصى الممكن من رد الفعل كأمانة نحو التاريخ ونحو ديننا؟ هل هو تحرك عاطفي غير مخطط؟ أم تحرك يقوم به عقل جماعي ذكي وخفي؟
- إذا كان الأمر رسالة إعلامية، فمن يخطط لها؟ وما هي أهدافها؟ الحملات الإعلامية كما هو معروف تحتاج لاستراتيجية وتكتيك ناجح، وأكبر الحملات قد تأتي بنتائج معاكسة إذا لم يخطط لها بشكل صحيح.
- هل للعقاب الجماعي _ مثل مقاطعة المنتجات التجارية لدولة ما _ آثار إيجابية فعلا؟ هل يساعد في إيجاد تفكير وطني لدى الأمة التي نعاقبها لتمنع أولئك الذين يسيئون لنا من الاستمرار في فعلتهم أم أن ذلك يولد لديهم ردود فعل سلبية تحاول تحدينا ورد العقاب بالعقاب؟
- كيف نختار أولئك الذين نثور ضدهم؟ هناك آلاف الكتب التي تسيء للذات الإلهية “سبحانه وتعالى” وللرسول صلى الله عليه وسلم ولبقية الأنبياء وللملائكة الكرام، فكيف اخترنا أفعال معينة لنثور ضدها؟ هل هناك من يحدد خياراتنا؟ أم أن الأمر مجرد صدفة محضة؟ أم أن هذه الإساءات هي الأكبر من نوعها فعلا؟
- لماذا لم نسمع أن الغرب ثار يوما على كتاب صدر في عالمنا العربي بشكل يسيء لمقدساتهم؟ هل لأنهم اكتشفوا أن هذه الثورات لا تفيد أو لأنهم ليس لديهم مقدسات يثورون من أجلها؟
- لماذا بالمقابل نسمع بتحركات غربية استراتيجية لتغيير مناهجنا الدراسية ومحاصرة الإساءة لهم بينما لا نسمع بمثل هذه التحركات من طرفنا؟ هل لأننا مشغولون بقضايا أكبر أم لأن السياسيين عندهم يتحركون بشكل منفصل عن الشارع الغربي لتنفيذ أجندة سياسية بحتة وممارسة الضغط على أجهزتنا السياسية؟
- إلى متى سنستمر في هذه التحركات؟ هل سنمل يوما أم أنها ستؤتي ثمارها أم أننا سنطور أدائنا؟ ما هو المتوقع في ظل ما نراه؟
- هل اكتشف الغربيون من خلال ردود أفعالنا نقاط ضعفنا العاطفية فزاد تركيزهم عليها لتحقيق أهدافهم أم أننا بما نفعله شرحنا لهم ما هي الأمور التي لا نقبل التنازل عنها؟
- كيف نتفادى تحويل أعدائنا إلى نجوم إعلاميين كما فعلنا مع سلمان رشدي وغيره الذين أصبحوا رموزا وحققوا الكثير من المال والشهرة والصوت المسموع بسبب حملاتنا الإعلامية السلبية؟ أم أن هذا أمر لا بد منه على كل حال؟
- كيف تؤثر هذه التحركات على الجاليات الإسلامية في الغرب؟ هل يكرههم الغربيون الآن أم أنهم على العكس يشعرون بأنها جاليات قوية لها امتدادات في أوطانها الأم؟
- ما هو الرأي الشرعي نحو هذه التحركات الشعبية؟ كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل في مثل هذه الحالات؟ ما هي الاستنتاجات التاريخية التي يمكن الحصول عليها من تراثنا والتي ترشدنا لما ينبغي فعله؟
- لماذا تخفت الأصوات فجأة بعد حملة قوية؟ هل هي مجرد رد فعل عاطفي ينتهي تدريجيا؟ أم لأن العقل الجماعي يقرر انتهاء الحملة بعد تحقيقها لأهدافها؟
- هل يفهم الغرب تحركاتنا وغيرتنا على مقدساتنا أم يعتبرنا جهلة لا نفهم مبادئ حرية التعبير لديهم؟
- هل هناك ما ينبغي فعله ذاتيا على المستوى الداخلي لتجنب هذه الأزمات؟ أم الأمر لن ينتهي لأنها حرب خارجية أزلية؟
أظن أن القارئ يفهم الآن سبب حيرتي !
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية