بين «آيات شيطانية» و«فتنة»: الإجابات الحائرة!

من قسم منوعات
الإثنين 21 أبريل 2008|

مثل رد فعل الشارع العربي والإسلامي على الإساءات الأوروبية للمقدسات الإسلامية المتمثلة في الرسوم الدانماركية ثم فيلم “فتنة” وغيره ظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام، ولهذا وجهت في الأسبوع الماضي أكثر من ثلاثين سؤالا حول هذه الظاهرة، وكان الهدف الأساسي من الأسئلة هو إيجاد دوائر من التفكير حول سلوكنا الجماعي الشعبي، ومحاولة لمراجعة الفعل ورد الفعل وممارسة للنقد الذاتي.

مثل هذا التفكير يساهم في الاكتشاف المبكر للمشكلات والعمل على تجنبها، كما أنه من المنطقي جدا أن ترى الأمة الأهداف وتناقش الوسائل، وهذا متوافق مع زمن أصبحت فيه الاستراتيجيات طويلة المدى أساسا في الحراك العالمي، وهي اللعبة التي يبدو أن الشعوب النامية تخسرها دائما.

فهم الأهداف و”الحكمة” من الأشياء مقصد لا يختلف عليه اثنان، بل حتى في الشريعة الإسلامية، تجد العلماء يناقشون “الحكمة من التشريع” بحثا عن المقصد من فقه العبادات والمعاملات التي جاء تشريعها من رب العالمين.

ومن خلال رسائل البريد الإلكتروني التي وصلتني والنقاش الذي حصل في مواقع الإنترنت والمنتديات التي التقطت المقال، من الواضح أنني لم أنجح في إيصال هذا الهدف، بل كان هناك شعور بأن مثل هذه الأسئلة “تخاذل” و”تهاون” في دعم الحملة الشعبية لمقاطعة الدول التي صدرت من أراضيها الإساءة للإسلام، على طريقة “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”، وآخرون قالوا بأنهم شعروا بالتهكم في الأسئلة، رغم أنها كانت تسرد وجهتي النظر في كل سؤال.

كان هناك الكثير من الردود التي حاولت بالفعل البحث عن إجابات لأسئلتي، وأنا لم أتوقع أن أحصل على إجابات ناضجة خلال أسبوع، فهذا في الغالب يحتاج لجهد فكري مكثف، ولكن من الجيد أن نبدأ طريق الألف ميل بخطوة.

أحد الأكاديميين المعروفين كتب لي رسالة يقول:

“مشكلتي ليست مع الأسئلة ولكن مع الأجوبة التي يجب أن تتم بطريقة أكاديمية. قد تكون هناك أفكار جيدة هنا وهناك، ولكن من الصعب الحصول على إجابات بدون: (1) معلومات وإحصاءات، (2) دراسات نفسية، (3) دراسات اقتصادية. مع ذلك كثير من الناس سيظن أن لديه الإجابات السحرية. كل خوفي أن الإنترنت والبرامج التلفزيونية الحية أعطت العرب الفرصة للتعبير عن آرائهم دون أن تكون لدينا ثقافة التعبير عن الرأي. لقد ألقيت مؤخرا محاضرة في الرياض في موضوع متخصص، وكنت الشخص الوحيد الخبير في الموضوع بين الحاضرين، ولكن مع انتهاء المحاضرة كل الناس صار لديهم آراء في الموضوع”.

بمعنى آخر، إجابات مثل “لا أعلم” و”أظن” و”لم أبحث في الموضوع كما ينبغي” و”لست متخصصا في الموضوع” هي إجابات نادرة في ظل مشاركة واسعة في الرأي من خلال الأساليب التكنولوجية الحديثة.

بالمقابل هناك شعور عربي عام بأن المتحدث لا يقصد عندما يجيب بأنه خبير في الموضوع بقدر ما يذكر انطباعاته الأولية عن الموضوع، ولكن المشكلة تحصل عندما يبدأ النقاش، ويضطر الإنسان لحفظ ماء وجهه أن يدافع عن انطباعاته الأولية ويتعصب لها وينجرف وراءها دون أن يتذكر أن رؤيته لم تبن في الأصل على تفكير فيه شيء من العمق والاستقصاء وتقدير وجهات النظر الأخرى.

هناك مشكلة أخرى، الإجابات الجاهزة.

مثلا في القضية التي فتحت الحديث حول هذا الموضوع وهو الإساءات الأوربية للإسلام، تجد أن هناك نسقا واحدا من الإجابات يمضي فيه البعض لأنه قد سمعه كثيرا وصار معتنقا له دون أن يمنحه شيء من التفكير.

على سبيل المثال، أحد الإجابات الجاهزة التي تكررت كثيرا على الموضوع الذي طرحته: “الغرب ليس لديهم حرية تعبير لأنه يمنع إنكار الهولوكست، وهو يستخدم حرية التعبير كحجة لاضطهاد المسلمين والإساءة لمعتقداتهم” أو “لقد اهتز الاقتصاد الأوروبي بسبب المقاطعة” أو “يجب أن ننفتح على الآخر ونفتح معه الحوار حتى لا نسيء لصورة العرب”، ولكن في اللحظة التي تسأل الشخص المتحدث عن تفاصيل ذات علاقة بإجابته الجاهزة تجده لا يملك إجابات لأنه لم يفكر في أبعاد عبارته، وليس لديه معلومات لأنه لم يخطر بباله أن يقرأ عن الموضوع أو يبحث حوله، وهذا النوع من الإجابات هو ما أسميته في العنوان بالإجابات الحائرة.

إن الرسالة الأساسية من طرح الأسئلة هو التفكير، والتفكير يتطلب البحث والنهم في طلب المعلومة، والقراءة المتوالية، واختبار القوالب الجاهزة، والدقة في العبارة، وفهم منطق الأشياء، وكانت الناس في عصور الإزدهار الإسلامي مهتمة بهذه القواعد السهلة، أما الشارع العربي المعاصر فما زال ينقصه الكثير لتحقيق ذلك.

ما أجمل استفزاز التفكير وما أصعب عواقبه !!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية