في الأشهر الماضية شهدت صناعة السينما والتلفزيون الأمريكية أزمة هائلة مع “إضراب الكتّاب” والذين يمثلون المحور الإبداعي للإنتاج الأمريكي المتفوق، مما أدى لخسائر بمليارات الدولارت، وكان هذا التوقف الكامل عن العمل سببه غضب هؤلاء الكتاب من عدم حصولهم على نصيب من مبيعات الأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية عبر الإنترنت والموبايل أو الإعلام الجديد حسب العبارة الرسمية لاتحاد الكتاب الأمريكي.
إلا أن هذا الاهتمام بالإنترنت لا يعني أن هناك علاقة حب بين هوليوود والإنترنت بل إن العكس هو الصحيح غالبا.
لقد عاشت صناعة السينما الأمريكية خوفا كبيرا من الإنترنت بسبب سمعته السيئة كأرضية لا يمكن التحكم فيها وتنتشر فيها النسخ المسروقة من الأفلام السينمائية، أحيانا في أيام العرض الأولى للفيلم في صالات السينما العالمية وقبل إتاحتها عالميا أو على الأقراص المدمجة DVD.
هناك مواقع مهمة على الإنترنت لبيع أفلام السينما الجديدة مثل موقع zml.com والذي يتضمن حاليا حوالي 1700 فيلم، هي مواقع غير قانونية لم تحصل على ترخيص لبيع الأفلام، ولا تحصل الاستديوهات مالكة الأفلام شيئا من دخلها، بل إن بعض التصريحات الصحفية تؤكد أن وفاة صناعة السينما الأمريكية ستكون على يد “الإنترنت”.
السبب الآخر الذي يجعل هوليوود مترددة كثيرا في الإقبال على بيع أفلامها على الإنترنت هو خوفها على دخلها الضخم الذي تحصل عليه من بيع الأفلام على الأقراص المدمجة والذي يصل في أمريكا وحدها إلى 23.4 مليار دولار، مقارنة بـ9.6 مليار دولار من صالات السينما، وخاصة أن قطاع الإنترنت لم ينمو بعد وما زال يحتاج للكثير من الوقت حتى يأتي بمال يعوض خسائر الأقراص المدمجة، كما أن وول مارت _ أكبر سلسلة للسوبرماركات في أمريكا _ والتي تبيع حوالي 40% من الأقراص المدمجة قد لمحت بالانتقام إذا أقبلت هوليوود على الإنترنت من خلال اهتمام أقل ببيع الأقراص المدمجة في محلاتها التجارية.
هذه المشكلات كانت سببا في بطء هوليوود في “اعتناق” الإنترنت بخلاف شبكات التلفزيون الأمريكية والأوروبية الكبرى التي تتيح برامجها على الإنترنت بعد ساعات من بثها على التلفزيون، أضف إلى ذلك كله المشكلات التقنية التي تنزعج منها هوليوود كثيرا والتي تعودت على الجودة العالية في كل ما تفعله.
تحميل الأفلام السينمائية من الإنترنت يأخذ على الأقل 30-40 دقيقة إلى ثلاث ساعات، حسب جودة ومدة الفيلم، وهناك عدة صيغ Formats لملفات الفيديو الرقمية، وما يعمل على برنامج لاستعراض ملفات الفيديو قد لا يعمل على برنامج آخر، وهناك طبعا المشكلة الأخرى أن جودة الأفلام تظهر على شاشة التلفزيون وليس على شاشة الكمبيوتر، والناس قد لا تحب استعراض الأفلام على الكمبيوتر، وهو ما دفع شركة Apple لإطلاق جهاز تلفزيون يربط بالإنترنت بسهولة بالغة سمته Apple TV.
بالمقابل؛ هناك المتفائلون الذين يعدون بأن يكون عام 2008 عام التغيير الذي تقبل فيه هوليوود على الإنترنت، وخاصة أن هناك مواقع إنترنت وخدمات كثيرة أسست على الإنترنت بانتظار هذه الأفلام مثل موقع FilmOn.com وموقع Movielink وموقع Cinema-Now وغيرها والتي ما زالت تتضمن أفلاما لا تعتبر من الأفلام الرئيسية التي يقبل عليها الناس وتعاني من الخسائر الفادحة بسبب تردد هوليوود في الإقبال على الإنترنت.
بعض المحللين يرون أن نجاح صناعة السينما على الإنترنت لن يكون من خلال الإنترنت بل من خلال الأجهزة التي تربط بالإنترنت لتحميل الملفات مثل أجهزة iPods والتي تستخدم بشكل واسع لاستعراض البرامج وملفات الفيديو والاستماع للموسيقى التي يتم تحميلها من خلال موقع iTunes.com التابع لشركة Apple أو من خلال أجهزة xbox 360 التي أطلقتها Microsoft أخيرا والتي تستخدم في الأصل لألعاب الفيديو ولكن يمكن استخدامها أيضا للاتصال بالإنترنت وتحميل البرامج والأفلام، وهو الأمر المتوقع أن يحصل سريعا من خلال عقود مع الاستديوهات الست الكبرى في هوليوود والتي تنتج حوالي 70% من أفلام السينما الأمريكية ذات الانتشار الواسع.
لكن الإنترنت يبقى الأمل للكثير من المحللين الذين يرونه علاجا لبعض مشاكل السينما الأمريكية، وقد يكون الحل لنقل السينما المحلية غير الأمريكية _ مثل السينما العربية أو الآسيوية أو اللاتينية _ إلى الإطار العالمي، وهذا ما سأتحدث عنه الأسبوع القادم.
الأفلام السينمائية تمثل محورا أساسيا في صناعة الترفيه في العالم وانتقالها للإنترنت يعني وجود ثورة في مجال الإعلام الجديد، وهذا ما يجعل التفاصيل التي ذكرتها أعلاه مهمة لمن يريد فهم مستقبل الإنترنت.
* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية