بناء الثقة بالنفس وتملك القدرة الداخلية العميقة على المضي في مسالك الحياة بلا خوف ولا تردد، بل برؤية واضحة للأهداف وثبات ذاتي ونفسي يشيع دوائر الطمأنينة حول الإنسان ويكسب من الآخرين الحب والثقة.
هناك ارتباط واضح بين تحقيق الثقة بالنفس وبين النجاح في الحياة كما شرحت قبل أسبوعين، ولذا فإن من أحسن السبل لتحقيق الثقة بالنفس هو بناء رحلة حياة ناجحة، وقد شرحت الأسبوع الماضي الخطوة الأولى والتي تبدأ بتهيئة الإنسان نفسه للانطلاق في رحلة النجاح حيث يحلل الشخص مسيرته وأهدافه ونقاط قوته وضعفه ويحدد الغاية ثم بعد ذلك يعلن مع نفسه انطلاقه نحو: النجاح، انطلاقة عزم لا تعرف الضعف أو التراجع.
حتى ينطلق الإنسان نحو النجاح والثقة بالنفس والتميز لا بد له من أن يكون قادرا على السيطرة على عقله وخطابه النفسي الداخلي الذي قد يوحي له بكل الأفكار السلبية التي تدمر ثقته بنفسه، وسأتحدث في مقال قادم عن التفكير الإيجابي العقلاني وكيف يمكن للإنسان إن يصل إليه.
أيضا سأتحدث مستقبلا عن الخيال كأداة عقلانية قوية، حيث يجدر بالإنسان أن يتخيل ما سيشعر به ويصبح عليه عندما يحقق أهدافه الرئيسية في الحياة، وهو ما يخلق القناعة الداخلية بأن تحقيق هذه الأهداف ممكن ومرغوب في نفس الوقت.
الخطوة الثانية بعد التهيئة الذاتية هي الانطلاق، حيث يبدأ الإنسان بالتحقيق التدريجي طويل النفس لأهدافه واضعا في الاعتبار أهمية المضي في الطريق الصحيح، والتركيز على تحقيق الإنجازات الصغيرة التي ستمنح الإنسان الثقة بنفسه لينطلق نحو الإنجازات الأكبر والأصعب.
إن النقطة الأساسية هنا هي معرفة كل المهارات المعرفية والاجتماعية والشخصية والمكتسبات التي ستساعد الإنسان على تحقيق أهدافه.
لا تكن قنوعا بالحد الأدنى من المهارات والمكتسبات والأطر المعرفية بل كن طموحا باحثا عن الإتقان والتميز، تأمل قصص الذين حققوا أهدافا مشابهة وابحث عن السر في نجاحهم واسأل يمنة ويسرة حتى تعرف كل الأسباب التي تؤدي للنجاح.
كن دقيقا في معرفة ما تحتاجه للوصول إلى الغايات حتى لا تضيع الوقت، ولا تركض وراء العبارات العامة غير المحددة فإذا قال لك أحدهم عليك أن تحصل على درجة الماجستير والدكتوراه، فافهم بالضبط كيف سيساهم هذا في تحقيق أهدافك، وإن كان هذا أقصر الطرق وأكثرها جدوى في حياتك.
في نفس الوقت، تأكد ألا تطالب نفسك بأكثر مما تستطيع، “فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” كما في الحديث الشريف، والمنبت هنا هو الشخص الذي يجتهد في الترحال على ناقته فيمضي بها بلا توقف ولا راحة، فما تمر الأيام حتى تبرك ناقته وتهزل وتنقطع به في صحراء قاحلة، فلا يصل الرجل إلى غايته، بينما قد يصل الرجل الذي يمضي حسب طاقة الناقة التي يرحل عليها متأخرا ولكنه يصل إلى غايته في النهاية.
تماما كما يقول الحديث الشريف، على الإنسان ألا يرهق نفسه في مسيرة النجاح ويستمتع بإنجازاته ويختار الطرق التي تناسب عزيمته وقدراته فلا يتحول النجاح إلى هدف ثقيل على النفس يجلب الضغط النفسي والمتاعب للإنسان.
ولذا ينصح الخبراء أن يحول الإنسان أهدافه الكبرى إلى أهداف صغيرة بحيث يستطيع تحقيقها في فترات قصيرة ثم الاحتفال بتحقيقها، حتى تتراكم النجاحات تدريجيا.
في هذه المرحلة لا بد من الاستمرار في التحكم بأحاديث الإنسان الداخلية ومنع العوامل السلبية والمثبطات النفسية من الوصول إليه، وفي نفس الوقت على الإنسان أن يتعلم مع نفسه قبول الفشل وأن الأخطاء قد تحصل ضمن مسيرة النجاح، بل على الإنسان أن يتخذ الأخطاء كدروس تعليمية يقرر على أساسها كل التغييرات التي يحتاجها ليتفادى مثل هذه الأخطاء في المستقبل.
في المرحلة الثالثة والأخيرة يبدأ البحث عن الأهداف الأكبر والقفزات الأوسع، وخاصة أن الإنسان قد تسلح بالكثير من الثقة بالنفس، والكثير من المهارات، والكثير من الإنجازات الصغيرة، وبوضوح الأهداف، وبالقدرة على التحكم في النفس وبناء العوامل الإيجابية وتفادي العوامل السلبية.
رحلة النجاح تشبه رحلة الإنسان إلى الفضاء، الذي تخيل أولا النجوم ثم بدأ بمحاولات الطيران عبر العصور، ثم بدأت الاختراعات التقنية المتقدمة، وفي النهاية حقق الإنسان ما بدى مستحيلا ووصل إلى الفضاء، حتى صار أمرا عاديا غير مستغرب.
رحلة النجاح هي أن “تتوسع” خارج حدود نفسك!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية