قبل ثلاثة أسابيع، كتبت مقالا حول صديق لي في دبي تألم كل من حوله بعد قصة حب حزينة كانت تكاد أن تنتهي بالزواج قبل أن يعلم صديقي بإصابته بمرض نادر في القلب يجعل الحياة قصيرة تملؤها الآلام والضعف، مما جعل الحبيبين في حيرة قاسية بين خيار الانفصال وخيار الزواج رغم المرض.
كانت القصة تبحث عن حل، وطلبت رأي القراء ويبدو أن القصة كانت مؤثرة فتلقيت عشرات الرسائل التي تحاول تقديم إجابة، بعضها كان باكيا وبعضها كان ساخرا وأخرى كانت تحاول النظر للمسألة من زاوية “عملية”.
أنتقي هنا أجمل رسالتين تلقيتهما، وأعتذر لبقية القراء، وإن كنت أؤكد لهم أن كل الرسائل وصلت لصاحبي بينما هو على فراش المرض لا يكاد ينام من شدة آلامه وقسوة الفراق عليه إلا بالإبر المهدئة.
الرسالة الأولى وصلتني من ريما وتقول فيها بلغة بسيطة لكنها تأبى إلا أن تنفذ لأعماقك:
«قصة صديقك محزنة ومؤثرة للغاية يا دكتور.. أرجوكم أخبروه أن يذهب ويسافر إلى الخارج عله يجد العلاج المناسب في أي دولة أوروبية.. أرجوكم أخبروه أن يتمسك بالأمل فالأطباء لا يعلمون الغيب إن كان سيعيش 10 سنوات أو أقل فالأعمار بيد الله.. أرجوكم أخبروه أن لا يكسر قلبها فلا شيء أقبح من جرح قلب الفتاة.. أخبره أن يتوكل على الله، هو وحده أرحم الراحمين.
الحب ليس سهلا.. رجاء لا تكن أنانيا، دعها تختار، خذ وقتك، فكر ولا تكن أنانيا، وكن واثقا أن الله معك وسوف يكتب لك الخير.. لا تكن أنانيا، ابتعادك عنها لا يعني سعادتها، قد تبتعد وقد تنساها ولكن هل تضمن وهل أنت متأكد أنها ستنساك، ستكون أنت عذابها الدائم؟
المرض أصاب قلبك وليس عقلك، كن متفائلا..»
الرسالة الرائعة الأخرى تلقيتها من رجاء وتقول فيها:
«كلنا دون استثناء نتعرض لمشاكل ومواقف فى حياتنا لا نحسد عليها وتكون مصيبة في أعيننا ومع الوقت تتبدل المصيبة إلى فرح أو يزول همها، بشيء أو آخر، وكلنا جميعا نتعرض لمواقف تسعدنا كثيرا ونتخيل أن السعادة بذاتها زارتنا وستحيا معنا إلى الأبد، ولكن مع الوقت نعلم أن هذه الزيارة ليست إلا حزن وبلاء كان متنكرا بثوب السعادة، ونبقى على أحزاننا للأبد.. الأقدار هي من تحدد مصيرنا دائما وحياتنا.. ومهما كانت عقولنا كبيرة وأرواحنا مهدية فنحن لا يمكننا تحديد القدر والنظر برؤية صحيحة مائة في المائة.
أحب صديقك وأحبته حبيبته، اختارته كيفما كان بكل مصداقية من قلبها، ما تعرض له صديقك أبدا ليس ببلاء ولا مشكلة رغم ما تحملة من أحزان، أولا لقد تأكد من أن حبيبته حقا تحبه حبا سام لا يختلط بأي شيء من الأنانية أو الخداع، ثانيا ما أدراك ربما كانوا تزوجوا، ومات صديقك بعد يوم واحد من الزواج لا قدر الله بلا مرض.. لا يوجد شيء يمنع زواجهم، صدقني، المرض كان سيأتى سيأتي سواء بعد زواجهم أو قبل، ولكنه محظوظ لأن الأقدار لم تضعه فى حيرة، هل يخبر زوجته أو لا، هل ستقف بجانبى أو لا، بل وهبه ربي الحبيبة، واختارت هذه الحبيبة أن تتواجد فى حياة صديقك زوجة وأم وممرضة وصديقة.
أحيانا الحب يدفعنا بالفعل لقرارات عمياء، ولكنه دائما يظل الحب الحقيقي هو سيد المعنويات والمشاعر، يمكنه أن يحل مكان أي شيئ معنوي في حياتنا بما يحمله من حنان ورقة وعطف واحتواء.
الزواج بلا حب، ينجب أحيانا التفاهم وينجب الأطفال وينجب المال، ولكنه لا ينجب التسامح والحضن الدافىء والاشتياق الذى يجعلة يستمر ولابد، ولكن صديقك وحبيبته متفاهمان ومتحابان فلا داعي لفراق فلا شيء يبدل يا عزيزي الأقدار، فالفراق إن كتب سيأتي يأتي، سواء بعد عشر سنوات أو بعد أو قبل، سواء بالموت أو غيره، ولكنه سيعذبها أكثر وسيعذب ذاته أكثر وأكثر، ربما تكون هي القوة التي ستمنحه حقا الحياة، وربما تكون هي السلاح الذي سيحارب به مرضه، كلام الأطباء ليس شيء أكيد ولا يوجد شى أكيد فى هذا الكون.
ما نمر به في حياتنا مجرد اختبارات إلهية تختبر قوة إيماننا بأقدارنا، تذكر قصصا كثيرة يتجمل فيها الواقع ليصبح في المستقبل أسوء ما نمتلك وقصص رأينا فيها الواقع مرا وصعبا ليصبح فى مستقبلنا أجمل ما حدث.»
نهاية القصة كانت بالأمس عندما سافر صديقي فجأة إلى دولة أخرى بقرار صنعه خلال خمس دقائق عندما علم من الطبيب أن الفحوص تثبت أن حالته تدهورت بشكل مفاجئ، واتصل بحبيبته من المطار ليخبرها أنه راحل إلى الأبد.
لسبب ما يظن بعض أبطال القصة أنها لم تنته بعد، ولسبب ما قال لي صديقي بأن الناس ستكرهه عندما يعرفون قراره، ولكنه يعتقد بأنه فعل “ما يجب فعله”!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية