ثلاث مقومات لنجاح «حوار الأديان»!

من قسم منوعات
الإثنين 31 مارس 2008|

كان قرار خادم الحرمين الشريفين برعاية سلسلة من لقاءات حوار الأديان مفاجأة سارة كأول رد فعل إيجابي ومنطقي نحو قضية نشر الرسوم المسيئة في الدانمارك والفيلم المسيء في هولندا، وكان هذا القرار متوافقا مع ما ينتظر من المملكة بحكم قيادتها للعالم الإسلامي وموقعها الاستراتيجي الاقتصادي عالميا.

إلا أن المفاجأة السارة الأخرى في خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي أعلن من خلاله عن مبادرته الثمينة أنها جاءت في إطار حضاري مميز يخرج عن الأشكال التقليدية لحوار الأديان التي عرفناها خلال العقود الماضية من الزمن.

في السابق كان حوار الأديان لا يخرج عن أحد ثلاث أطر عامة:

  • الأول، الحوار الديني الثيولوجي الذي ينتهي بجدل عقيم لا يمكن أن يحل حول قضايا تفصيلية في القرآن الكريم والإنجيل، مثل هل الإنجيل محرف، وعقيدة التثليث، وغيرها، ليصبح في النهاية مناظرة بدلا من حوارا حتى لو كان الجميع يبتسمون.
  • الإطار الثاني، حوارات المجاملة والصداقة حيث يقول كل طرف بأنه يحب الطرف الآخر ويحترمه ويحترم ديانته، وهذا رغم أهميته إلا أنه أقرب لنشاط العلاقات العامة منه إلى الحوار الحقيقي.
  • أما الإطار الثالث، فهو ذلك الذي يستهدف إيجاد علاقة جيدة بين الأقلية المسلمة وجمهور سكان الدولة، أو الأقلية غير المسلمة في دولة إسلامية _ كما حصل في مصر _ وهذا بالطبع إطار له قيمته الهامة على المستوى المحلي فقط.

لما كتب صامويل هنتجتون، نظريته الشهيرة عن “صراع الحضارات”، كان يستند فيها على مبدأ يمكن تبسيطه بالقول بأن الحضارات مرتبطة في جوهرها بفكرة دينية، ولأن الأفكار الدينية تتصادم فإن الحضارات ستتصادم.

عندما يكون حوار الأديان هو في الحقيقة محاولة البحث عن نقاط الالتقاء لمواجهة مشكلات الإنسانية _ كما جاء في خطاب خادم الحرمين _ فإن هذا يعني محاولة إيجاد حوار للحضارات يمنع من تصادمها ويعمل على إيجاد نقاط التقاء معينة تسهم في تفعيل الدور الإيجابي للدين في علاج مشكلات القرن الواحد والعشرين.

إننا كمسلمين نعيش في وضع حرج لا نحسد عليه، ولذا فنحن مهتمون بفهم الفعل الحضاري للأمم الأخرى، وتحييد التيارات الحضارية في موقفها من المسلمين، كما أننا مهتمون بشرح أنفسنا للآخرين في ظل سوء الفهم العالمي “الخطير جدا” الذي يحاصرنا من كل اتجاه.

لكن حوارا للأديان والحضارات يحتاج في رأيي إلى ثلاث مقومات أساسية للنجاح:

  • الأول: العالم لا يريد فهم الإسلام كما هو في القرآن الكريم أو كما طبقه المسلمون في العصور الأولى _ وهي عادة الطريقة التي نقدم بها الإسلام للغرب _ بل يريد فهم الإسلام الذي يتحدث باسمه أولئك الذين ينفذون العمليات الإرهابية وأولئك الذين ينحرون الرهائن، ويريدون فهم الإسلام كما تراه الجموع الغفيرة من المسلمين في عالمنا اليوم.

نحن بالمقابل لا يهمنا فهم المسيحية كما هي في الكتب المقدسة بل كما هي مطبقة اليوم في المجتمع الغربي.

نحن وهم نريد فهم “الواقع الديني” وأثره الحضاري وأبعاده السياسية والاجتماعية والمدنية حتى نستطيع إيجاد نقاط الخلل ونقاط الالتقاء ونصل إلى حلول لمشكلاتنا الجذرية.

  • الثاني: يجب أن نحضر أجوبتنا لأسئلة الآخر، وإلا فسنكون دائما “الحلقة الأضعف”، يجب أن نعترف بأخطائنا، ويجب أن يكون لدينا رؤية فكرية واضحة لكيفية خوض حوار الأديان والحضارات، ويجب أن تكون لدينا ردود على شكل مبادرات وليس مجرد كلام، مبادرات توضح أننا مهتمون فعلا ببناء جسور مع الحضارات والثقافات والأديان الأخرى.
  • الثالث: علينا أن نتذكر دائما “صلح الحديبية” الذي فضل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يكون حوارا سلميا بدلا من الحرب، ففي الصلح خطا الرسول الكريم خطوات عديدة نحو خصومه، حتى أن بعض كبار الصحابة كان شديد الغضب _ فلم نعطي الدنية في ديننا؟ _ لأنه رآها تنازلا عن المبادئ، ولكن الرسول الكريم مضى فيما مضى فيه لأن منطق الحوار الفعال يقوم على أن يتقدم كل طرف بضع خطوات للأمام حتى نلتقي في منتصف المسافة ولا يعني أن نقف في مكاننا وننتظر من الآخرين أن يأتوا إلينا، وخاصة عندما نكون في مستوى شديد التدني، بالمقارنة الحضارية والتاريخية.

أنا متفائل بأن يكون “حوار الأديان” خطوة نحو الأمام، وتطبيق ذلك يعني أن يخطط له مجموعة “ذكية” من المفكرين والمثقفين والعلماء المسلمين وغير المسلمين، ويعني أن يكون له أنشطة مستمرة ورؤية عامة تحكمه، وهذا قد يستدعي وجود أمانة دائمة أو هيئة تضع هذه المبادرة على أرض الواقع كل يوم.

أنا متفائل بأننا سوف نفتح أعيننا على العالم!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية