أتابع هذه الأيام قصة حب لا أقسى منها ولا أشد، تجعل الحليم حيرانا، وتثير الدمع في الصخر، ولا تكاد تمر ليلة إلا وتشغل بالي بحثا عن حل.
صديقي الحميم أحب فتاة لا أروع منها ولا أجمل، وهي فضلا عن جمالها غير العادي، تتميز بأخلاقها وسمعتها الحسنة، وتتميز بذكائها وبمسيرة نجاح في حياتها العملية، مما يجعلها حلم كثير من الشباب الذين تقدموا في السابق لخطبتها.
لكنها اختارت أن تحب صديقي هذا، ونسجا سويا قصة حب كان الجميع يعرف من أول يوم لها أنها ستفضي إلى زواج سعيد وحياة كلها فرح وعطاء.
صديقي هام حبا بحبيبته حتى أنه جعل كل حياته تدور من الصباح إلى المساء حول حبيبته، وهي فعلت الأمر نفسه إلى درجة زاد فيها الأمر عن كل الحدود فلا يكاد الحبيبان يلتقيان بأحد خارج إطار العمل لأنهما متفرغان لبعضهما البعض.
بعد شهر من الحب الجميل والتفكير بكل تفاصيل الحياة الرائعة القادمة، وقع صديقي مغشيا عليه فجأة، وبعد فحوصات طبية سريعة في عدد من المستشفيات وسفر من مدينة إلى أخرى، صار مؤكدا أن الرجل مصاب بمرض نادر في القلب يجعله محتاجا لزراعة قلب، وهو على كل حال كما يقول الأطباء لن يعيش أكثر من 10 سنوات، إذا نجحت العمليات ومضت الأمور على ما يرام.
مع الوصول لهذه النتيجة دقت الساعة، وكشرت الدنيا عن أنيابها وصار الحبيبان في موقف قاس لا يحسدهما أحد عليه، وخاصة وهما يخططان للزواج.
بالنسبة للفتاة، أعلنت لصديقي بلا تردد أنها تعشقه ولا تحتمل الحياة بدونه، وأنها مستعدة للزواج بها، وأنها ستكون سعيدة برعايته والاهتمام به، وهي فعلا تعيش احتياجاته الصحية يوما بيوم، والتي بدأت تتزايد سريعا مع انهيار صحته، فتذكره بالدواء وتحاول متابعة تنفيذ كل طلبات الأطباء وتقف إلى جانبه كلما غزته الآلام وكلما أعلن قلبه غضبه عليه.
بل أكثر من ذلك، حاول صديقي لمرات لا تعد ولا تحصى أن يعلن لحبيبته أنهما يجب ألا يتزوجا وأن على حبهما أن ينتهي، لأنه ليس من المعقول أن تتجوز رجلا لن يعيش طويلا، وأن تعيش رحلة طويلة من الألم والأحزان مع رجل مريض، ورغم وطأة ذلك عليها وإيذاءه لكرامتها وإحساسها بأنه لا يقيم حبها له وما أقسمت عليه من الإخلاص، إلا أنها كانت دائما تعلن رفضها المطلق لطلبه وتؤكد له أنها لن ترحل عن جزيرة الحب التي بنوها سويا حتى آخر لحظة من حياتها.
بالنسبة لصديقي، فهو يبدو أنه لم يصح بعد من صدمة المأساة.
هي مأساة ليس بسبب الآلام اليومية القاسية وبسبب العمليات الجراحية التي تنتظره والتي تحمل احتمال الوفاة أثناء العملية بل أيضا لأنه سيضطر للاستقالة من عمله والتخلي عن وضعه الجيد وبدء حياة أقرب ما تكون للدوام اليومي في المستشفيات، والتخلي عن كثير من طموحاته لأن الأطباء يقولون أنه جسمه لن يتحمل الكثير من الضغط النفسي والإرهاق العملي وعليه أن يعمل ساعات قليلة كل يوم، مما يعني في رأيه أن يكتفي فقط بالقليل من المال لأنه لا يستطيع أن يعمل بكد واجتهاد في عمل إداري.
فوق ذلك كله، فإمكاناته الجسدية بعد العمليات قد لا تؤهله لممارسة حياة زوجية، وهو يرى أنه سيكون أضعف من أن يقدم حياة سعيدة لزوجته أو لأطفاله القادمين في رحم المستقبل، وأنه سيموت وهم صغار دون أن يقدم لهم ما يحتاجون.
حبيبته تقول لا أبالي وسأتزوجك وأعيش معك وأرعاك حتى آخر لحظة حتى لو منعتني من الإنجاب، وإن كانت تعبر دائما عن اشتياقها الشديد للأطفال.
صديقي يسألني كل يوم بلا توقف وبصوت حزين قاتل عن الحل، ماذا يفعل، هل يستمع للحب أو للصوت الصارخ في عقله والذي يقول له كل يوم بأن عليه أن يرحل.
في كثير من المرات كان صديقي على وشك الرحيل، ويترك حبه وراءه، آملا في أن تنساه حبيبته خلال أيام، ولكنها دائما تتمسك به وتمنعه من الرحيل وهو ينهار بضعف أمام حبه الجارف لها.
كل يوم يسألني صديقي، وكل يوم أجيبه بطريقة، والأشهر تمر، وهو يبحث عن حل، قبل أن يرحل إلى عالم المستشفيات.
هل تعرفون الحل حتى أخبر صديقي؟ هل لديكم إجابة لا تنهار الدنيا معها وتتوقف الشمس عن الشروق ويبقى الأمل في الأفق؟
هؤلاء هم شهداء الحب الذين لم يموتوا بعد!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية