في بعض الأسر العربية يشعر الزوج بأنه مجرد “سائق” في الأسرة، حيث لا تزيد وظيفته عن إيصال الأولاد للمدرسة وإحضار كافة احتياجات المنزل ثم قيادة السيارة من مكان إلى آخر خلال إجازة الأسبوع ومعه المدام والأطفال الذين يريدون الاستمتاع بكل دقيقة من الإجازة.
الزوجة من طرف آخر تشعر أحيانا بأنها مجرد خادمة لا تزيد وظيفتها في الأسرة عن تلبية كل الطلبات والعمل ليل نهار على أن يأكل الجميع بهناء ويمارسون حياتهم كما يريدون بينما تنحصر مهمتها في ترتيب الفوضى التي يتركونها والاستجابة للصراخ الذي يأتي من الزوج والأولاد وربما أيضا من أم الزوج وأصدقائه.
بالشكل الذي رويته أعلاه، يتحول الأمر إلى تعاسة وإحباط، حيث يرى الإنسان نفسه مقيدا باحتياجات الأسرة وبدوره المحدود فيها بينما احتياجاته الشخصية والعاطفية منسية تماما من باقي أفراد الأسرة، وهذا كاف لخلق عامل سلبي جاهز للانفجار في أي وقت ضد تماسك الأسرة وسعادتها.
من جهة أخرى، قد يرى بعض الناس في ذلك أمرا إيجابيا، كما هو الشأن مع أحد الزملاء الذي يفخر بأنه سائق زوجته، وأن زوجته خادمة له، وهو إيجابي هنا لشعوره بأنه يقوم بدور معين وواضح لأجل أسرته، وأن زوجته تقدم له بالمقابل جهدها الذي يضمن له سلاسة حياته.
لا أعرف رأي الزوجة في كلام زوجها، ولكنه من الواقعي القول بأن كثيرا من الأسر العربية قد قسمت مهام الحياة الزوجية بهذا الشكل: المرأة هي سيدة بيتها بينما الرجل هو ربان سفينة الأسرة عندما تخرج خارج حدود البيت، وأحيانا المرأة هي السيدة دائما إلا إذا كان الأمر مرتبطا بحفظ ماء وجه الرجل أمام الآخرين.
أيا كان تقسيم المهام فإن الأمر الوحيد الذي يكفل تحويل تقسيم المهام من عامل يجلب التعاسة والبؤس إلى عامل إيجابي هو الوضوح والتفاهم.
لا بد لكل فرد من أفراد الأسرة من “دور” معين يقوم به ويشمل هذا الأطفال، ولكن إذا وجد الإنسان نفسه في دور لا يحبه ولا يرغب فيه ولا يستطيع مناقشته مع الآخرين فإن هذا سيكون له أثر عكسي حاد على العلاقة الزوجية.
لأي فرد من أفراد الأسرة ثلاثة أنواع من الأدوار: أدوار الرجل والمرأة، وأدوار عائلية، وأدوار وظيفية.
أدوار الرجل والمرأة مرتبطة بالزوج بصفته “ذكر / رجل” والزوجة بصفتها “أنثى / امرأة”، وهي أدوار يحددها المجتمع في العادة بالإضافة لتفاهم الزوجين الخاص جدا.
الرجل حسب رؤية البعض التقليدية و صانع القرار، الطرف الأقوى في العلاقة، المسؤول عن الجهد البدني، بينما المرأة هي التي تمنح العاطفة وترعى الأطفال وتقدم دعمها للرجل وطموحاتها أسرية أكثر من عملية.
هذه الرؤية التقليدية قابلة للتغيير، وحتى تكون أمرا إيجابيا في حياة الأسرة لا بد للزوج من أن يسمع من زوجته تصوراتها عن نفسها كامرأة وما تحتاجه في الحياة وما يمكنها أن تقدمه، ويتم بناء تفاهم على ذلك.
هناك أدوار عائلية حيث يكون لـ”الزوج” مسؤولياته ولـ”الزوجة” مسؤولياتها، وللابن الأكبر مسؤولياته وللجد مسؤولياته، ويشمل هذا تربية الأطفال والتخطيط لأنشطة الأسرة اليومية والإشراف على المنزل والتخطيط للمستقبل وإدارة الشؤون المالية وغير ذلك.
هناك أدوار وظيفية تأتي من معرفة الزوج بأمور لا تتقنها الزوجة، ومعرفة الزوجة بأمور لا يتقنها الزوج، فقد يعرف الزوج شؤون السباكة بينما تعرف الزوجة شؤون الطبخ، ويقوم كل بدوره بشكل تلقائي معتمدا على أنه الوحيد الذي يتقن أمرا ما.
لتحقيق التفاهم حول كل هذه الأدوار المتداخلة في حياة الزوجين، يجلس البعض ويتحدث ويناقش ويقرر بشكل مسموع أدوار كل طرف في الحياة الزوجية، بينما يفضل آخرون أن يتم ذلك بشكل تلقائي بحيث تتشكل هذه الأدوار حسب ظروف الحياة.
الطريقة الأخرى قد تكون أفضل من حيث أنها تمنع التعقيد والتكلف في حياة الأسرة، ولكنها بالمقابل تمثل مخاطرة، لأنه لا بد في النهاية لضمان الشعور الإيجابي أن يعرف الرجل أن زوجته راضية عن أدوارها وأن تعرف المرأة أن زوجها راض عن أدواره في حياتها وحياة الأسرة.
لكن الحكمة التي يدركها الناس أن الحب والروح الطيبة وحسن الظن بين الزوجين هو الذي يساهم في بناء الشعور الإيجابي والتعاوني حول مختلف شؤون الأسرة.
الحب هو الذي يجعل الزوج مستعدا للعمل ليل نهار لأجل عائلته دون كلل أو ملل، والحب الذي يدفع المرأة والأم للتضحية بلا حدود.
بكلمات أخرى، القدرة على توزيع الأدوار داخل الأسرة بشكل صحي وإيجابي، ورضا الطرفين عن هذا التوزيع هو الاختبار الحقيقي للحب على المدى الطويل.
غدا قد نرى إعلان في الجريدة: أنا سائق أبحث عن خادمة مخلصة للحياة الزوجية!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية