دراسات أكاديمية حول الجن والسحر

من قسم منوعات
الإثنين 21 يوليو 2008|

لا أظن أن أحدا ينكر أن الموضوعات ذات العلاقة بالجن والسحر لا تزال تمثل جانب إثارة خاص لعموم الناس الذين يؤمنون بهذا العالم غير المرئي ولكن لا يعرفون عنه الكثير.

هناك بعض المعلومات عن عالم الجن وما يرتبط به من سحر وتنجيم وغيره والتي جاءت من المصادر الشرعية، ولكن معظم ما يتداوله الناس عن الجن وعن السحر قائم على المرويات الشفهية وبعض الكتب الموجودة في السوق والتي لا يعرف أحد مدى صحتها.

هذا الوضع هو وضع طبيعي نحو ما يسمى بالميتافيزيقيا “ما وراء المحسوس”، أي ذلك العالم الذي لا يمكننا أن نتعامل معه بحواسنا، والغموض والإثارة حول الميتافيزيقيا أمر تشترك فيه الشعوب كلها بلا استثناء.

لكن الملاحظ أنه في حالة الجن والسحر، يمثل الإيمان بعالم الجن وبالسحر جزءا من العقيدة الإسلامية، وبالتالي جزءا هاما مما نؤمن به، وهذا يزيد من اهتمام الناس بفهم هذا العالم، وخاصة مع وجود طبقة عريضة من عامة الناس التي تعتقد بأن الجن له تأثير أحيانا في حياتنا، وأن هناك من يستطيع ممارسة السحر أو تسخير الجن للإضرار بهم أو لتحقيق النفع لهم.

رغم هذه الأهمية لا توجد أي جهود أكاديمية لفهم تفاصيل عالم الجن وقضايا السحر في العالم الإسلامي.

حسب علمي لا يوجد أي جهد بحثي منظم للإجابة عن عشرات الأسئلة التي يملكها الناس عن الجن وعن السحر، وللتحقق من صحة مئات القصص والروايات التي يسمعها الناس، أو صحة ما في الكتب الشعبية التي يكتبها الباحثون عن الربح السريع.

قد يبدو هذا الاقتراح طريفا مع اعتقاد كثير من الناس أن عالم الجن والسحر أمر لا يمكن دراسته أو الخوض في تفاصيله، إلا من خلال نوعية معينة من الناس التي أسست هذا التواصل مع عالم الجن أو التي تمارس السحر، وإن كنا لا نعرف حقيقة من هم هؤلاء الناس وما هي قدراتهم وكيف يحققون هذه القوة، وهل هم موجودين فعلا.

لكنني عندما أتحدث عن البحث العلمي والأكاديمية في عالم الميتافيزيقيا _ وخاصة الجن والسحر _ فأنا لا أقصد أن يتحول الباحث إلى ساحر أو رجل متصل بالجن، وإنما اتباع بعض المناهج العلمية التي طورت في مختلف أقسام دراسات الميتافيزيقيا حول العالم والتي تقوم ببساطة حول التحقق الدقيق من صحة ما يقوله المدعون، ومراجعة مختلف الآراء وجمعها مع بعضها للتحقق من صحتها، وتنظيم المعرفة الإنسانية حول قضية معينة بشكل يستطيع معه عموم الناس معرفة ما هو صحيح مؤكد وما هو خطأ أو غير مؤكد، يضاف إلى ذلك في حالة العالم الإسلامي، وضع هذه المعرفة في إطار متوافق مع ثوابت العقيدة الإسلامية.

في السعودية يقبض كل عام على عدد كبير من الناس الذين يدعون الشعوذة والسحر والاتصال بالجن، وقد يكون من المفيد أن يكون هناك تحقيق علمي مع هؤلاء الذين لديهم اتصال حقيقي بالجن لبناء قاعدة معلومات هامة في هذا المجال، أيضا أولئك الذين يمارسون الرقية الشرعية _ أو غير الشرعية _ قد يكونون مصدرا لهذه المعلومات.

الأمر طبعا ليس بالسهل لأن هؤلاء الناس هم من عباقرة الدجل والكذب، ولأن تطوير أدوات التحقق من صحة المعلومات والصدق أمر ليس سهل بكل تأكيد.

تحدثت الأسبوع الماضي عن قوى الإنسان الخفية، وفي ثقافتنا الشعبية العربية، تعتبر قوة الاتصال بالجن وتسخيرهم والاستفادة منهم في السحر واحدة من أهم قوى الإنسان الخفية التي يحلم نسبة هائلة من سكان الشارع العربي بالاستفادة منهم بشكل أو بآخر، أو على الأقل الاستمتاع بالقصص الخيالية عن الجن والسحر والإصابة بالعين وغير ذلك من الأمور التي ترتبط بالغيبيات في حياتنا والتي نعرف عنها القليل رغم إيماننا العقدي بها.

أحد الذي حدثتهم عن هذه الفكرة وأهمية وجود دراسات ميتافيزيقية في عالمنا الإسلامي قال لي بأن المصادر الشرعية قد وفرت جزءا جيدا من المعرفة عن الجن والسحر والعين، وهو الجزء الذي يحتاجه الناس، فهم يحتاجون ليعرفوا كيف يحتاطون شرعيا من هذه القوى الغيبية على حياتهم، وهذا صحيح طبعا، ولكن العلوم الاجتماعية والإنسانية تقوم عموما على محاولة الفهم العميق لكل الظواهر الإنسانية وبذل كل جهد ممكن لطرح النظريات واختبارها ثم ربما لاحقا الحصول على معلومات أكثر تؤكد خطأ هذه النظريات أو صحتها، وهذا بالتحديد ما أطالب به.

هناك مشكلة صغيرة فقط في الباحث المتخصص في الميتافيزيقيا: عليه أن يكون شجاعا ولا يخاف من انتقام الجن والسحرة!!!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية