من أين نحصل على إكسير الحياة؟

من قسم منوعات
الأربعاء 23 يناير 2008|

شغل علماء الكيمياء والطب في الحضارات السابقة _ بما فيها الحضارة الإسلامية _ بالبحث عن “إكسير الحياة” أو ذلك العنصر الذي يعيد الشيخ إلى صباه، ويوقف حسرة من علاه الشيب على شبابه.

ورغم أن هذا العنصر لم يوجد بعد، إلا أن البحث العلمي قد أثبت أن الإنسان قد يستطيع إذا امتلك ما يلزم أن يعيش حياته بروح الشباب وقدراتهم العقلية والجسدية حتى وهو في العقد السادس أو السابع من عمره.

حتى نستمتع بحياتنا حتى آخر قطرة ونمتلك روح الشباب وطاقتهم وقدراتهم نحتاج للمجتمع الذي يسمح للكبير أن ينطلق بشبابه، وهذا ما تحدثت عنه في مقالي الأسبوع الماضي، مقارنا فيه بين الثقافة العربية التي تعيب على الكبار أن تكون لهم طموحات الشباب وحبهم للحياة، وبين الثقافة الغربية التي تجاوزت هذه المشكلة وصار الكبير فيها يجد الكثير من المحفزات للعطاء والاستمتاع بالحياة وتطوير قدراته.

قبل قليل كنت أشاهد وارين بوفيت، أحد أغنى الرجال في العالم، يتلقى أسئلة من طلبة جامعة أمريكية حول حياته ونصائحه للطلاب، وكان معه في نفس المحاضرة صديقه بيل جيتس، أغنى رجل في العالم.

تشاهد في الإثنين روحا متوقدة وطاقة جبارة مع رؤية ثاقبة، ورغم أن وارين، في السبعينات من عمره فهو لا يقل عن جيتس، عمره 52 سنة حاليا، طاقة وتوقدا، وهذا مدهش طبعا إذا قارنا وارين بوفيت، ببعض الأشخاص الذين نشاهدهم في هذا العمر من حولنا وقد علاهم كبر السن وصاروا ضعفاء بلا اهتمامات ولا طموحات ولا شيء يقدموه سوى الحديث عن الماضي أو العيش في فراغ عجيب.

إن الروح التي نملكها هي التي تساهم في صناعة “إكسير الحياة” في أعماقنا، ومن يملك روح التحدي التي تخبره أن ينطلق ولا يبالي بالسن وأن يمتلك قلب الشاب المغامر المعطاء المرح المقبل على استكشاف وتعلم الأشياء الجديدة، سيتولد فيه إكسير الحياة تلقائيا.

البعض قد يقول بأنه حتى عندما تمتلك الروح فإنك قد تخسر المعركة لأن كبير السن لديه مشكلتان: الصحة وضعف الذاكرة والمهارات العقلية.

ورغم أن الطب تقدم في هذه الأيام في علاج كثير من الأمراض، فإن المشكلات الصحية التي تواجه كبير السن حقيقة لا مفر منها، إلا إذا بدأت العناية بالصحة منذ الصغر، وهذا جزء من الثقافة والوعي الصحي الاجتماعي الذي لا نملكه بكل أسف في العالم العربي.

من النادر أن تجد شخصا في الثلاثينات أو حتى الأربعينات من عمره في العالم العربي ينتبه لما يأكل وما يفعل من الناحية الصحية، ولذلك ندفع الثمن غاليا عندما نكبر، ويفوت القطار.

أما المهارات العقلية فالبحث العلمي يقف جازما ضد هذه النظرية، حيث توجد دراسات كثيرة تؤكد أن هناك الكثير من السبل للحفاظ على هذه المهارات بما فيها الإبداع والذاكرة ورد الفعل السريع والتفكير الرياضي وحل المشكلات وغيره، وإذا كان كبير السن يحتاج لجهد أكبر من الشاب في المحافظة على هذه المهارات، فإن هذا لا يمنع من بذل تلك الجهود الكافية إذا وجدت الروح المعطاءة.

لما كنت أحضر للدكتوراه في أحد الجامعات الأمريكية قررت أن آخذ مع صديق لي مادة متخصصة في أبحاث التقدم في العمر، للفائدة العامة ليس إلا، وفي أحد الأيام قرر أستاذ المادة أن يحضر إلى الفصل شخص عمره مئة سنة يتحدث وكأن عمره ثلاثين سنة، فهو قد نال الماجستير حديثا ويفكر في الدكتوراه، ولديه أنشطة وطموحات وأحلام لا تختلف عن تلك التي كنا نمتلكها نحن، وكأنه سيعيش مئة سنة أخرى، ولكن كان من الواضح أن الاستمرار بهذه الروح يحتاج من الطاقة والهمة العالية والقدرة على التحدي ما لا يملكه كثير من الناس بكل أسف.

القدرات العقلية والعاطفية والسلوكية تحتاج إلى تدريب مستمر، وبينما ينشغل كثير من كبار السن بالأحاديث اليومية وألعاب الورق وغيرها التي لا تحتاج لتفكير، فإن أحد الدراسات في ولاية إلينويز الأمريكية، وجدت أن التدرب على التمثيل على المسرح مثلا لمدة أسبوع ساهم في رفع قدرات المشاركين العاطفية والإبداعية ومستوى الذكاء والتعامل مع المشكلات.

هناك أبحاث على ممارسة العلاقة الحميمة فبينما الكثيرون يحملون صورة سلبية عن كبار السن بهذا الشأن، أثبتت الدراسات أن هذه مجرد صور سلبية غير صحيحة.

في الحقيقة، كل الأمر قد يرتبط بالصورة الصحيحة، حيث وجدت دراسة علمية هامة أن الذين يحملون صورا ذهنية إيجابية عن “التقدم في العمر” يعيشون سبعة سنوات ونصف في المعدل زيادة عن أولئك الذين يحملون صورا ذهنية سلبية عن “التقدم في العمر”، وإذا كان السبب غير واضح، فإن العلماء يظنون أن من يحمل الصور الإيجابية أكثر قدرة على التعامل مع ضغوطات الحياة المرتبطة بكبر السن، مما يؤهله لحياة صحية أفضل.

سأتحدث أكثر عن خلق “إكسير الحياة” في أعماقنا في الأسبوع القادم، فأنا لم أنته بعد من الحديث عن كيف يبقى الإنسان شابا طول العمر!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية