هناك طفرة عالمية في الأبحاث العلمية التي تتناول “إطالة العمر” وكيف يمكن للإنسان أن يعيش في عقود عمره الأخيرة كما كان يعيش شابا بنفس الطاقة والحيوية والقدرة على الاستمتاع بمباهج الحياة والطموح لاقتناص فرصها والتغلب على مصاعبها، كما أن هناك عددا كبيرا من الأبحاث التي تناولت القدرات الذهنية والجسدية والعاطفية لكبار السن وكيف يمكن المحافظة عليها.
لقد جاءت هذه الدراسات بعد أن تمكن الطب من علاج الإنسان من كثير من الأمراض الفاتكة والمحافظة عليه لعمر طويل، وإذا كان كثير من الناس يتساءل ما إذا كان الحديث عن “إطالة العمر” يتناقض مع مفاهيم الشريعة الإسلامية حول القضاء والقدر وكيف أن الله سبحانه وتعالى يقدر للإنسان عمره في الأشهر الأولى من الحمل، فإن عددا من علماء الشريعة الإسلامية أكدوا أن هذا التناقض غير موجود لأن الله سبحانه وتعالى قد ربط أحداث القدر بسنن وقوانين لا يعلمها الناس، ولكن ليس هناك ما يمنع أن يكون من سنن الله أن يطول عمر الإنسان إذا حافظ على صحته واعتنى بها.
لقد تغني شعراء العرب “والأمم الأخرى” بالعودة إلى الشباب والبحث عنه كأجمل ما يفتقده الإنسان عندما يغزوه الشيب وتبدأ قدراته الجسدية في التدهور، إلا أن العلم قد وجد الآن ما يكفي لبناء حياة صحية للإنسان يحافظ فيها على نشاطه، وهذه المعلومات ونتائج الدراسات لم تترجم بعد وما زالت في رحم الكتب الأمريكية التي تحقق انتشارا واسعا في البلاد الغربية، وربما كان السبب في عدم ترجمة هذه الكتب عربيا هو عدم حماس القارئ العربي لمثل هذه النصائح فنحن لا زلنا ننظر على المدى القصير ولا نخطط لسنوات عمرنا القادمة، وكثير منا يحب التفاؤل ولا يحب أن يذكره أحد بخريف العمر.
لكن الحقيقة أن رؤيتنا المتشائمة عن كبر السن لها أثرها السلبي الحاد فيها وتفقدنا روحنا للمقاومة والمحافظة على الشباب.
تقول عدد من الدراسات عن الذاكرة لدى الكبار بأن الكبار يسجلون درجات أعلى وأفضل في اختبارات الذاكرة إذا لم يخبرهم أحد بأن هذه الاختبارات لقياس مستوى الذاكرة لديهم، وتقول أحد هذه الدراسات التي تمت بجامعة نورث كارولينا الأمريكية، ونشرت في مجلة أبحاث الشيخوخة، بأن كبار السن تنقص درجاتهم 20 أو 30% في اختبارات الذاكرة عندما يقرؤن مقالا صحفيا قبل الاختبار يتحدث عن تدهور الذاكرة لدى الكبار.
ولهذا كتب أحد العلماء الأمريكيين كتابا سماها “التعلم أن تحب الشيخوخة” Learning to Love Growing Old، وذلك ببساطة لأن قبول الشيخوخة والاعتقاد بأن هذا لا يغير من الأمور شيئا يساهم على أن يبقى الإنسان لفترة طويلة مستمتعا بحياته وشبابه.
دراسة أخرى تقول بأن الذين لديهم الإحساس بالتحكم في حياتهم والسيطرة عليها وتجاهل تلك النداءات المتشائمة حول تدهور قدراتهم يصبح لديهم دافع أقوى للعناية بصحتهم وتمرين أجسادهم وقدراتهم العقلية والعاطفية.
دراسة أخرى تقول بأن تمرين مختلف القدرات يساهم على حيويتها، وهذا أمر متوقع بديهيا ولكن في هذه الحال صار ثابتا بشكل علمي، ومن هذه التمارين أشياء بسيطة مثل الكلمات المتقاطعة واللعب على البيانو ولعب الشطرنج فضلا عن التمارين الحسابية والرياضية وغيرها.
من جهة أخرى أثبتت الدراسات أن ضغط الدم المرتفع والذي يعود في الغالب لأسباب نفسية ولظروف الحياة التي تحيط بالشخص وتسبب له القلق، أو لرغبة الشخص في الإنجاز السريع تسبب الانهيار السريع للقدرات العقلية والإدراكية وخاصة الذاكرة.
أحد أصعب ما يخاف منه الناس عندما يكبروا في السن هو احترام الناس لهم وشعورهم بقيمتهم في الحياة، وبينما يتخذ بعض الكبار موقفا غير حكيم للتغلب على هذه المشكلة كمحاولة التركيز على السلوكيات المتهورة، أو من خلال حديثهم الممل والدائم عن أنفسهم، فإن جزءا من الاستمتاع بالشباب والمحافظة عليه هو بقاء الإنسان مشغولا بإنجازات الحياة وطموحاتها، تماما كالشباب، وألا يسمح للخوف من كبر السن أن يسيطر عليه.
لما تقاعد أستاذي في الجامعة قال لي بفخر عجيب: الآن بدأت حياتي فقد كنت موظفا وليس لدي وقت، والآن لدي قائمة طويلة من الأمور التي أنجزها في حياتي، كتب أريد تأليفها وأريد أن أسافر وأريد أن أبني شركة استشارية ..الخ
الشباب سيبقى في عروقنا متدفقا ما دمنا نريد ذلك بحق!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية